نجمة الصباح ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ:  لـ عبـــــــدالله خلــــــــيفة

أنا وأمي ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ: لـ عبـــــــدالله خلــــــــيفة

  • ماذا ؟ تريدين أن تكوني معها ، تصيرين مثلها ؟ !

أرفسها بقوةٍ فتتدحرجُ إلى الحائط . أصفعها . فأرى خيطاً من الدم يتوهجُ على جبينها. أضمها إلى قلبي . أبكي .

  • أصفحي عني ، أرجوك !

سهـرة ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ: لـ عبـــــــدالله خلــــــــيفة

أشربْ هذه الكأس المترعة بالزبد والضياء والألم. أشرب ولا تدفع ولا تجزع. واضحك حتى الصباح واحفر في ذاكرتك هذه الوجوه، وهذه الأجساد الرائعة، أحفرها بتقاطيعها الدقيقة، وبنظراتها السكرى المفعمة بالنشوة والشهوة، فلعلها تنسيك عذابَ الليالي القادمة، لعلها تسليك في الفراشِ المهترئ والظلام. فبعد ساعات سيسألك «البارمان»:

– الفاتورة يا سيدي!

ستضحكُ بعمقٍ وتقولُ:

– إنني رجلٌ مفلس وعاطل.. أسأل المدينةَ كلها. أسألْ السماء، البحر والمتشردين. أسألْ أقسام البوليس، أسأل الأحذية المهترئة على الأرصفة، أسأل الأرغفة الهاربة من الفم!

وسيقولُ بأدبٍ جم:

– ولكنني مضطرٌ يا سيدي لإخبار الشرطة..

– تفضل.. أفضل مكانٍ يقضيه العاطلُ زنزانة صغيرة محترمة تتحققُ فيها الشروط التالية: الأكل المنتظم، الأصدقاء المرحون، الشاي، السجائر، قطعة صغيرة من الشمس.

كان البارُ مزدحماً، قطعة من الجنة المؤقتة. الأقدامُ تحكُ الأقدامَ، والصدورُ النافرة تتحكمُ في العيون الشاردة، والمؤخرات لا تتأخر عن الهزات الخفيفة والانحناءات الخاطفة، والثرثرات تطولُ وتطولُ ولا تقول إلا تعال!

وفي كل لحظة تأتي موجة من الحسناوات. هذه الأجسادُ الرقيقة الرهيفة من فصلها؟ هذه الوجوه البيضاءُ والوسيمة الناعمة من قبلها؟

«لا تجعلوني أسكر وأموتُ هنا على هذه الطاولة الصغيرة المتوحدة. تعالوا إليَّ، ستشربون على حسابي أو عذابي. ستضحكون من النكات الكثيرة التي أحفـظها والتي لا تقال إلا همساً. أنتِ أيتها الشقراء، يا من تشبهين فرساً خــُـلقت من الفضة والزهرة، أقتربي مني وأعطيني ضحكةً أو كلمة أو صفعة!».

النادلُ يعيطيه زجاجة بعد زجاجة، مستغرباً من قدرته على الشرب السريع المكثف، يقتربُ منه رجلٌ عجوزٌ ويستأذن في الجلوس قربه.

«هذا هو حظي دائماً . صديقٌ للعجائز. أمي العجوز في البيت لا تكفُ عن إزعاجي. هل أشتغلت؟ هل ذهبت للشركة الورقية؟ جارنا فلان اشتغل براتب كبير، وعلانة صارت سكرتيرة للوزير، وابن حمدان راعي الحمير السابق بنى لنفسه عمارة. أما أبي فمن المسجد إلى الدكان، ولأن الدكان شبه فارغ فهو دائماً نائم. وبين كلِ غفوةٍ وغفوة يسألني: هل اشتغلت؟ هذا هو مصيري منادم للعجائز، خاضعٌ لاستجواباتهم الطويلة والثقيلة».

لحسن الحظ اتضح إن العجوز ذو لغةٍ غريبةٍ خاصة، لا تفهمها سوى قبعته الواسعة، ورغم إنه انحنى واقترب وغمز بعينه فإنه لم يفهم منه شيئاً. ولكن بدت حركة عينيه غريبة مزعجة ولأول مرة يشعر بالانزعاج والغضب في هذا الجو المرح الزاعق الراقص. فلماذا يغمزُ بجلدهِ المتغضن الذي يشبه نسيج العنكبوت؟

«لو أن صديقي الشاعر كان معي لاختلف الأمر. ذاك الشاب الكهلُ الساخرُ من كلِ شيءٍ، أعجوبة هذه المدينة، يقولُ: مدينتنا تفاحة البحر، جدفنا نحوها، وغصنا إليها فأعطتنا سمك القرش. يشربُ وثرثرُ ويناوشُ النساءَ في الحارة، ويغرفُ منهن الشعر، وتلمعُ عيناهُ  بالسعادة وهو في غرفته الوحيدة بين أكداس الكتب والورق والثياب المعلقة كالرجال المشنوقين. يظهرُ في النهار ويختفي في الليل، تجدهُ شهوراً طويلة ثم يختفي سنين. غرفته محكمة الإغلاق أحياناً، وأحياناً أخرى فارغة ليس فيها سوى وريقات ممزقة يلعبُ بها الصغارُ. وفي آخر مرة ظهر فيها لم يجد غرفة ووجد عمارةً كبيرة مكانها. أقولُ له: لماذا تهلك نفسك ألا ترى شعرك الأبيض أين أولادك وزوجتك وأسهمك وأحذيتك القوية وسيارتك الفارهة المكيفة وقمصانك النايلون؟ أفي كل مرة تقول لي: قصيدة، قصيدة! أهي امرأتك؟ هل تضاجعها ليلاً؟ هل تتأوه من اللذة؟ هل تقول: لم أشبع، قبلني، قبلني؟ ويضحك باكياً. هنا تتشقق اللغةُ، الحروفُ تغدو أطفالاً وأفراساً، والكلمات جزراً ونخيلاً مقطوعاً ومسامير في اليد وعصافير في القفص!

لو كان هنا لسخرنا معاً من هذا العجوز الذي يتأهب للرحيل وبلا خليل!».

نهضَ العجوزُ وتركهُ للفوضى الجميلة، قمصانٌ بلون الفراشات، فساتين هي حدائقٌ وحرائــقٌ متنقلة. البشرة ديناميتٌ لمن لا يذوق. ضحكاتُ الفتيات صهيلُ أفراسٍ مدربة على الوثب والقتل.

تطلع إلى المليونير الشاب يقودُ زهرتين من البار إلى سيارته  يداه على الخصور وعيناه توزعان الابتسامات بالعدل والقسطاس. وأنظر إلى وكيل الوزارة العجوز الأشيب يحصل على فاتنة هي برقٌ ورعدٌ ومياه.

هل سيكفي الليل؟ ألن يتأخر عن الدوام وربما العمر؟

ارفع الكأسَ وأشرب في صحة الأسرة السعيدة! في صحة الحزن الوطني. في صحة العاهرات القادمات من كلِ فجٍ عميق. في صحة القواد والقوادين. في صحة الأخوة العرب القادمين إلى الأخوات العربيات!

 «أنظر! يا إلهي ثلاث فتيات مثيرات الفوضى والهلع. حركاتهن رقص ودعوة مستعجلة للحب. تعالين، هنا الوحيد المحزون. ستشربن إلى الصباح. ولكن المشكلة بعدها أين سأذهب بكن؟ ليس لدي يختٌ ولا قصرٌ ولا فلل مفروشة وفارغة ولا مرسيدس بلون فستان الفتاة التي معي. لدي غرفة وحيدة فيها فراشٌ وحيدٌ تعبٌ أضنته أحلامي وآلامي، ولدي كرسيان مهزوزان، حاولت مرة أن أن أنتحر على واحدٍ منهما فسقط بي وأفشل محاولتي، وأحسست به يضحك عليّ ويقول: عشْ كما نعيش نحن في هذا البيت المقفر والحجرة الخربة!

لقد ذهبن إلى غيري. جلسن مع رجلين يلبسان الثياب العربية الرائعة، وليدهما كرشان يصارعان الطاولة الفقيرة بضراوة. وعلى سطح الطاولة هناك مظاهرة حاشدة من زجاجات الغرب والشرق وأنواع المزة. هنيئاً لكما هذا الفوز!».

تطلع يمنة ويسرة لكي يتحدث مع أحد. فرأى الحشد الهائل مشغولاً بالثرثرة مع نفسه، الأيدي الخشنة تتلمسُ الجلود الناعمة، والآذان البيضاء تصغي للأفواه الواسعة السمراء ذات الأسنان الصفراء، وثمة  كركرة وكأن ساحراً ما يدغدغُ الجمعَ فيضحك ويتأوه ويشرب ويمضغُ ويشير إلى الساعة وينتشي بالرغوة والموعد المنتظر ويعد النقود ويوقع الشيكات المفتوحة ويهتفُ في سبيل عينك أيها الغزال الأبيض!

«أذكرُ الشاعرَ الذي جاء إليَّ في تلك الظهيرة. دق البابَ بقوة، قلتُ: ربما حدثت كارثة كالعادة. فتحتُ فإذا به يقول: هل لديك ورق أبيض؟ قلت: تعرف إنني لا أحتفظ به حتى لا أُتهم بأي تهمة، صرخ: لا تمزح، أعطني ورقاً، وإذا كان لديك شاي وسيجارة وسندويتش جبن فلا بأس!.. أعطيته ورقاً وسرقتُ من مطبخنا الشاي والخبز.

في ذلك الوقت كان لديه غرفة، والآن لا أحد يعرف. قبل فترةٍ وجيزةٍ كان ينتقلُ في بيوتِ الأصدقاء وعلى قوارب الصيادين النائمة على الشطآن. قلتُ دائماً: سيتحولُ إلى مجنون. ولكن ظني خاب، فها هو يبكي ويضحك، ويقرأُ الأشعارَ ويتجرأ على حبِ امرأة. في الفترة الأخيرة اختفى. كانت أمي تكرهه وتقول: لم يخربك إلا هذا الملعون! أيوجد أحدٌ يقبلُ أن يكون متشرداً؟ وحين اختفى راحت تسألُ الناسَ في الأزقة، بل وذهبت إلى البحر تسأل الصيادين، وحين لم تعثر على شيءٍ بكت في غرفتي وصاحت: إلا تبحثُ عن صديقك؟!».

ها هي امرأة تتقدمُ إليك. ها هو حظك المعتق يتفتقُ ورداً ورقياً ذاوياً. ها هي العجوزُ تسحبُ المقعد بخجلِ العذراوات وتجلسُ وهي تروض فستانها عن إثارة القلاقل. تواضعٌ، وهدوءٌ، وثقة.

تشربُ شيئاً من الويسكي وتدخن سيجارة. إنها ليست عجوزاً تماماً. جلدها كأنه مدبوغ تواً. ثنياته وتعرجاته كتضاريس أرضٍ جبلية. الخواتم الذهبية تملأ يدها، كمصابيح في مقبرة. وثمة عقد ماسي يتلألأ فوق صدرها.

نظراتها رغبة جامحة محمومة لم تروضها السنونُ ولا أشبعتها الأيام. لهفة على ماضٍ وخوف من القادم. رجاءٌ لهدنة بين الموت والحياة، بين المقبرة والزهرة.

تتطلعُ بدعوةٍ محمومة، تهزُ رأسها نحو الخارج، وتتشبث بالقلادة الماسية وتقول، قمْ، قمْ.

جاء حظك أخيراً. جاءك التابوت وأنت فتى تضجُ بالحياة. ولكن عليك أن تستجيب لدعوتها فلماذا تقبل الزنزانة الضيقة وأنفاس أصحاب الإبر والمساحيق والسطو؟ لماذا الخبز الجاف في الصباح والعيش الأبيض اليابس في الظهر والشاي الأسود الحامض في المساء؟ أتريد المرأة قبلة؟ أعطها إياه. رقدة في الهزيع الأخير من الليل؟ لا تبخل بها، فأنت لن تدري أين أصابعك ولن تعرف حديد السرير من جلدها!

تبتسم لها. وأخيراً تنطقُ بكلمةٍ مع أحد. وتقول: «نعم، معك أيتها الطحالب والأسنان الصناعية.. ما دمتِ ستدفعين الفاتورة كلها، معك إلى بوابة الفندق ربما، أو بوابة بيتك ولكن فيما بعد لا سيدتي!».

تكلمتْ هي أيضاً. صوتها كصوت آلة تقطع جيداً، شيءٌ يذكره بالسفن القديمة الخربة والماء يفتقها قليلاً قليلاً، أو بالرحى وهي تطحنُ.

تقتربُ وتهمسُ في أذنها:

– أنا معجبٌ بكل هذه الأناقة والجمال!

تبتسم المرأة بالفخر. تتلطعُ أنت إلى الآخرين فترى غزلاناً جديدة تمرحُ. فتاة طويلة ناعمة ذات وجهٍ بريءٍ كاعتراف زهرة بحب، تلتفتُ إليك وتبتسم. آه، ها قد حصلتَ على الأعجاب أنت أيضاً، ربما كان سخرية أو غزلاً. تغمزُ لها فتصدُ عنك باستياء. شــُنقت الفرحة!

قالت العجوز:

– أتحبُ أن تأكل؟

– إنني لا أريد إلا أن آكلك أنتِ!

وأضفتَ بالعربية «حتى أخلص العالم من شرك!».

دفعت المرأةُ الحساب وهي مندهشة لعدد الزجاجات التي أفرغها في جوفه ثم قادته إلى الخارج، واحتواهما المصعدُ لوحدهما. وكانت تنتظر قبلة حارقة مجنونة لكنه احترق من الرائحة وتمنى الهواءَ الطلق.

كان المطعم على سطح الفندق الضخم. تعريشةٌ من الضوء والخيام والطاولات الكثيرة الأنيقة المزدحمة بالأكل والأواني الغريبة والزجاجات والكؤوس البراقة. وكانت رائحة الشواء تسيلُ لعابَ النجوم الصغيرة المزروعة في مظلة السماء كالفقراء المحتشدين في الظلام، كالأيدي الممدودة في السوق والحارات والزحام!

قدموا لهما قائمة الطعام فلم يفهمْ شيئاً ولكنه وضع أصبعه على خطٍ منها وهو يبتسم. التفت إلى المدينة فرأى لؤلؤاً منثوراً وأضواءَ ملونة. اشتعلت البنايات والشوارعُ وجاءت ضجةُ الليلِ خافتةً مفعمةً بالندى كقطةٍ ناعمة الملمس. المدينة والسماء والبحر تسبحُ في الضوء.

أسكرْ مع هذه الحلوة وتمتع بالطعام اللذيذ. العجوز تسألك: ما هي أعمالك؟

«أسألي يا سيدتي البنطلون المرقع، دكان أبي الفارغ، سنوات التشرد الخمس، بشرتك التي أشعلها النفطُ، حارتنا المهجورة، أمي المجنونة وأبي الذي هدهدته التعاويذ!

لا أعرف لماذا صلبوني في الظهيرة. هل لأنني صديق المغضوب عليه: شاعر الحارة المختفي؟ ذلك الإبليس الذي لا يهدأ، والذي ربما الآن يطفحُ على مياه الخليج مع الزيت والدم؟

هيا انهضي أيتها الحلوة لأمارس عملي الجديد. عاشق للخريف والصقيع. الحاضرون يتطلعون إلينا بدهشة. موتوا بغيظكم أيها السادة. هل رأيتم أجمل من هذا الوجه؟

إنني أقبلها أمام الملأ، أنا فارسها الجديد، اضحكوا!».

يحضنها بيدهِ ويهتزُ قرب المصعد، ويرى المدينةَ تدورُ، المصابيحُ تعانق النجومَ والغيوم تهبطُ فوق المطعم، وكل شيءٍ غدا ناعماً وساماً.

ها أنت تمشي إلى السيارة وتترنح على المقعد وتندفعُ الشوارعُ في وجهك وتسمعُ المرأةَ تفحُ:

– هل أنت هنا يا حبيبي؟

« أنا لستُ هنا، ها أنتِ تقودينني إلى قصرك يا أميرة أحلامي، يا كابوسي، يأجوجٌ ومأجوجٌ أنتِ، خذيني برفق ودعيني أرى قصرك الكبير. إنه يكفي لحارتنا كلها يا سيدتي. أعطونا جناحاً!».

بركةٌ وأشجارٌ وممرٌ مفروشٌ ومغطى بالياسمين، وهي تمسك بذراعك وكأنها خائفة أن تفر في آخر لحظة ثم تدخلك غرفة نومٍ واسعة فتجلسُ على السرير وأنت تمسكُ رأسَك. بك دوارٌ وغثيان.

«المرأةُ تتعرى. ها هو الهيكل العظمي يرقصُ. الأفضل أن تطفئ الأنوارَ، لا، لا أحبُ أن أرى عاري أمامي!». لمسُ الجلدَ المتغضن، والنهدَ الميت ويدخل في نفقٍ مظلم، يرى أشباحاً تتطلعُ في وجهه، ويسمعُ صديقه الشاعرَ يئنُ وكأنه يتلقى ضربة قوية في صدره، يودُ أن يمزقَ جلدَ العجوز، لكن النفق طويل ومتعب، ومرة أخرى يتأوهُ الشاعرُ وهو يتلقى طعنة سكين في خاصرته، الشعرُ والدمُ والتأوهاتُ تذوبُ معاً وتشكلُ ناراً يحسُ بلسعها في عينيه، يودُ أن يصرخ في وجه المرأة لكنه يمضي، يحسُ بنفسه يغوصُ في الوحلِ ويحسُ بمذاقهِ كما لو كان حذاءاً يعبرُ مستنقعاً.

 العجوزُ فرحة وسعيدة، عصارة الشرق تنتقلُ إلى جلدها المتيبس، تتوهجُ قليلاً، تعضُ صدره بأسنانها الصناعية، تطلبُ المزيد والمزيد، لكنه تجمد، شعر بفداحةِ الثمن، بصرخاتِ الشاعر وهو يحتضرُ والأحذية فوق وجههِ، بصراخ الحارة وبكائها، ولكنه لا بد أن يعطي عصارته للجسدِ المتجمدِ، لا بد أن يكمل الرحلة التي طالت، وهو يحسُ إنه يقتاتُ بنشارة الخشب ويشربُ دموعه.

فتح عينيه وإذا بالضوءِ الساطعِ يملأ الغرفة، وإذا عصافير قرب النافذة وهو عارٍ ومغطى بالدثار. أحس كأنه فتاة تفقد عذريتها مع كلب، به رغبة شديدة في الهرب.

جلسَ فدهشت العصافيرُ ثم طارت خجلةً. الضوءُ يدلُ على تأخر الوقت. بحث عن ساعة فوجد أنها الثانية بعد الظهر. كم أمتصتهُ العجوزُ!

تــُروى في الحارة قصصٌ غريبةٌ عن الذين ينامون مع العجائز. أحدهم مات بعد أسبوع وآخر جن وثالث غرق في البحر!

يخيلُ إليه أن الشاعر لم يمتْ. موجودٌ في مكانٍ ما. مختفٍ عن الأنظار. يبعثُ قصائدهُ إلى محبيه. ذات مرةٍ اختفى ثلاث سنين كاملة، وكانت تصل منه الرسائلُ والقصائد، فيكتبها بخطٍ أنيق ويرسلها إلى الجرائد التي لا تنشرها. كانت أنفاسهُ تتجولُ في الأزقة. وتظهرُ صورتهُ هنا وهناك. وفي ليلةٍ قرأ لأمه قصيدى فحفظتها وبكت. يودُ أن يبكي. يحسُ بكآبةٍ خانقةٍ. لا فائدة من النور والعصافير والشوارع والزهور.

جاءت العجوزُ مبتسمة، متألقة. سألها:

– ماذا يعملُ زوجك؟

– إنه مهندسٌ. ها قد جاء الآن ويحسن بك أن تذهب وتأتي في الليل.

– هل يوجد بابٌ خلفي؟

– لا، أخرجْ من الباب الذي جئنا منه.

ثم وضعت في يدهِ ثلاثين ديناراً. اندفع بقوة ورأى وجهه ممزقاً في مياه البركة الزرقاء. ثلاثون ديناراً؟ عندما كان الشاعرُ ينشرُ قصيدة كانوا يعطونه خمسة دنانير. لماذا لم يترك الشعرَ ويعمل مثله؟

سمع صوتاً خلفه، فوجد الرجلَ العجوزَ يناديه فأسرع إلى البوابة واندفع في الشارع، كانت الشمس قد استولت على السماء، أبعدت النسمات الصيفية الرقيقة وأوقدت الأرضُ فتصاعد وهجٌ وحشي من أسفلت الشارع، أحاطت بهِ دوائرٌ من اللهب والعرق. سمع صوتاً خلفه أيضاً، أبصر العجوزَ يطارده بسيارته، راح يركضُ على الرصيف المشتعل، يودُ أن ينتهي من هذا الألم، من هذا الزحف على الرمل المحترق، تساءل: هل سيطلقُ عليه الرجلُ رصاصة صامتة في ظهره؟

«أودُ أن أموتَ حقاً ، ولكن على طريقتي الخاصة!».

اقتربت منه السيارة. توقف لـه. رأى العجوزَ يبتسم ويغمز بعينيه أيضاً!

بصق عليه واندفع يجري إلى بيته. تناول حبلاً ودخل غرفته. تحسس الكرسي فوجده قوياً وعابساً. عمل مشنقة وسمعَ أمَهُ تناديه وتسألهُ: أين كان البارحة، وهل بات في أحد مراكز الشرطة؟

أسرع بتعليق حبل المشنقة في المروحة. وجده قوياً وثابتاً ويصلح تماماً خاتمة لحياته. وضع المشنقة في رقبته، وما عليه الآن إلا أن يدفع الكرسي ويتأرجح في الهواء. البارحة كان أقصى حلمه أن يدخل زنزانة..!

أليست الحياة جميلة؟ أليس غداء الوالدة لذيذاً؟ يجب أن ينسى العجوز ودنانيرها. أحكم الحبلَ حول رقبتهِ وسمع خطوات أمه تقترب.

سمعها تقول:

– أين أنت؟ ألا يجب أن تذهب لتهنئة صديقك الملعون بسلامة الوصول؟!

ــــــــــــــــــــــ ツ 4 – سهرة «قصص»، 1994.
❖ «القصص: السفر – سهرة – قبضة تراب – الطوفان – الأضواء – ليلة رأس السنة – خميس – هذا الجسد لك – هذا الجسد لي – أنا وأمي – الرمل والحجر».

دهشة الساحـر ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ:  لـ عبـــــــدالله خلــــــــيفة

كانت ضجة عنيفة على الباب.

لملم العجوز أطرافه المبعثرة بين النوم والحلم، وتعكز على ظلال الظهيرة، وفتح، وفوجئ بانهمار مطر بُني من المفتشين ورجال الشرطة.

وُضعت زجاجات الكافور والزعتر والورد، وارتجافات المواليد، وشظايا أماني العمر المديد وحبوب البصر، في الأكياس.

لم يكن هناك في الحي من يرمق المشهد.

الأغراب الذين سكنوا وصاروا رجال المليشيا، والجبليون المغمغمون بلغة رهيبة، لم يكونوا يدرون به.

كانت الشمس وحدها ساطعة مثل مليون قنبلة.

تعثر طويلاً ليركب «الجيب». كانت أبعد مشاويره «الخباز» ودكان الأصحاب، وسطح بيته المهُاجم بدوي المكيفات.

في المكتب واجه وجهاً بارداً مغسولاً بغبار الكولونيا. تراءت وراءه الكتب والمناظر الأجنبية. ثمة نباتات غريبة تغمغم.

تأمل الطبيبُ المسئولُ المشعوذ، وهتف في نفسه: «الآن وقع في قبضتي! يا لثارات تلك الأيام المرتجفة من خطواته المخيفة، ونظراته الميدوزية القاتلة!».

فكر كم مضت من سنوات وهو لم يزر الحي، منذ أن حمل والديه المنهكين من السنين فوق كتفيه وحط بهما في برية قاحلة، بمنزل واسع مريح لا يدنو منه القذرون.

في تلك الليالي البعيدة، حيث تلسعه عصي الأولاد الأشقياء، وألعابهم البذيئة، سمع بانتهاكات هذا الساحر للأجساد والأرواح. إنه المخيف الذي لديه أسرار الحي، وأعشابه تكوّن دورة المواليد، وتهيئ الذكورة، وتُعطي القطط السوداء أرواحاً ثامنة.

قال الطبيبُ:

– يا سيد أنت متهم بالقضاء على حياة إنسان. دمرت جنيناً في بطن أمه. هذا إذا تغاضينا عن ممارستك للشعوذة والتطبيب بدون ترخيص.

لم يسمع صوتاً. كأن العجوز غرق في مقعده. تهدلت كوفيته على جبينه، وبانت يده المعروقة محفورة بأخاديد بيضاء وارتجافات زرقاء. ثمة يد كأنها ثعبان مسالم.

انتبه العجوز إلى دوي المكيف، ورأى النبات مذعوراً، وثمة سحابة من الكيمياء الخبيثة في جو الغرفة. الكتب ضخمة وعناوينها مثيرة. لم يستفد من عمره المديد ورحلاته للدخول فيها؟!

سأل الطبيب:

– أتسمعني أيها الرجل.. أنت في موقف خطير، ولا بد أن تدافع عن نفسك؟

وقع نظر العجوز على أسم الطبيب. دُهش. انطلقت به طائرة نفاثة في محيط من الصور والمشاعر، وبرزت أعمدة النور الأولى في غابة الأكواخ. ورأى خطواته تتبعثر مع قنديل في زقاق ضيق، ورجل مذعور يحاول أن يقوده إلى كوخه. كان أنين الأم يسبق الريح.

أعاد البصر على وجه الطبيب، فرأى قناعاً من البلاستك اللدن الموشى بالعظم. وبدا جمهور كثيف من الصغار يسن الرماح ويذوب في الزمن.

في زمن كان النخل وحده مسئولاً عن التراب، جاءته امرأة حزينة. لم تخطُ أبداً إلى منزله. كانت مذعورة، وعريشه كان مواجهاً للهواء والبحر والسفر. أدخل في جوفه الزجاجات والأعشاب والمخطوطات العتيقة. هناك كان يكلم أبن سينا والعيون المنتفخة وارتعاشات النسوة الغامضة.

وكانت الأكواخ وحدها تمتد متحدةٍ ببرية معادية وسيول جارفة، وتمشي النخلة فوق الثرى مكونةٍ الحياة.

أدنى المرأة، ولم يتحسس مبيضها، وغمرها بأسئلة داخلية عميقة، فاكتشف أنساغ الدم الوافرة، وضجيج الخصب ونداء الأنوثة الشاهق.

قال:

– ليأت زوجك إليّ.

ازداد ذعر المرأة. همست:

– زوجي لا يعرف إني جئت هنا، ولو عرف لذبحني..!

يتذكر الآن كيف شهق. وتذكر رحلاته المريرة فوق «الأبوام»* الخشبية المتقلبة في عباب المحيط الهندي، وتجار الذهب المهّرب والعبيد الذين نجوا بفضل أعشابه وإبره، وكيف ساح في الهند ملتقطاً حبوب وبذور المعرفة من أشداق الحيتان واللصوص والحكماء.

صار شوكة مَرةً، وقمحاً وموقوفاً ومديوناً وهارباً مرات. كان يسأل الله والملائكة والنجوم أن يعود إلى أرضه. أعطته الهجرة جلد تمساح وقلب عصفور. أصبحت خرقه وجيوبه وتلافيف أعصابه مشحونة بمسحوق نوراني يجعله بين الأرض والسماء.

شعوذ واغتصب المال وحوّل النساء إلى شراب نبيذي يومي، وانشرخ بأسئلة مرعبة ليصحو في الظهيرة موزعاً الماء والخبز والمال، وليحضن الصبية والصبايا المجدورين، ويقلع عينيه في الكتب الصفراء ليعرف الأوبئة ومدافع الغزاة ترج المدن.

والآن بعد كل هذا الخضم الدموي، لا تزال الشكوك تطارده، والمرأة الأرض العطشى للخصب، تطالعه بخوف وتخشى أن تحدث زوجها!

كان لا بد أن يصرخ ويتهمها بالجهل والجبن، ويعطيها عشباً سرياً للكلام.

جاء الزوج بعد شهور، مرتبكاً منهاراً مسلماً جسده للغموض.

امتدت أصابعه إلى عروقه، وقرأ سائله الشاحب، المتكسر، وكان جسده متوحداً مع الآيات والصلوات، مُشكّلاً صَدَفة كبيرةً من المحرمات والمخاوف، وكان يكره المشي في الليل وغناء البحر وألعاب الطفولة وبيض الطيور وارتجافات النهود.

سحبه إلى رقص الأخطبوط ذي اللحم الأبيض الفاتن في الأرز، ولاختباء السرطان في الرمل وفي سوائل البهار المشتعلة، وسّرب نسغاً من النبيذ الغائر بالرغوة والشهوة إلى أخاديده الشاحبة، وأعطاه أجنحة الطيور ليضع أعشاش الحب والإنسان.

بعد شهور جاءه صاخباً، ساحباً تيساً يضج باللحم والفحولة، وأعطاه إياه وهو يصرخ:

– حبلت امرأتي!

كان الطبيب يتأمل المشعوذ مستغرباً، فلم تبدُ على الرجل علامات الخوف. وبدا واثقاً، شامخاً، يجلس في قمة مضاءة بالهدوء والتعالي. كان يود لو ترنح، وصرخ، وطلب الغفران، مثلما يفعل كل المشعوذين والسحرة.

لقد أُعطي مهمة أن يسحق الدجل في المجتمع، ولم يبق الآن دجالون، صحيح أن بعضهم تحول إلى لصوص وقتلة، لكنهم تركوا الطب إلى الأبد.

كان يود أن يقول:

– أيها الرجل تستطيع أن تعترف وتتوب لنخفف عنك العقوبة!

لكنه توقف. أحس كأن عيني الرجل تتكلمان بقوة، وتلك الأخاديد العميقة المحفورة في الزمان والمكان، ترسل برقيات متلبثة إلى كائنات غير مرئية.

أهو ريش الطيور يتحرك خادعاً الغزاة أم موج البحر يهدي القواقع إلى الأطفال؟

أم هي أرجل الصغار المجلودة في الكتاتيب، والأسياخ المحمرة الداخلة في أجسادهم مانعةٍ الأشباح والعيون؟!

كان زمناً يخنق شبحُ النخلة فيه هرولات الصغار، وتُلقى سبع نوى تمر في عين الشمس بديلاً عن حليب مفقود.

وهذه هي فزاعات ذلك الدهر؛ هياكل عظمية لا تزال تجرجر ذيولاً دامية على موائد الفطور.

الآن يتذكر الطبيب لماذا تملكه كل هذا الحقد على النفاثات في العقد؟ في ذلك العريش امتدت له يد صلبة، قطعت جزءً حساساً زائداً من جسده.. الآن تنمو ألوان الإزار البشع، والوجه القميء ويقع في قبضة شبحها المطل. وراح ذلك الألم يكبر مع جزعه المتطاول، وغرفته البعيدة عن صوت الشارع، وتفاقم تلعثمه الدائم، وخجله الحزين، وكان يقذف حجراً دائماً فوق ذلك الوجه المتواري المراوغ، ألا يشبه هذا العجوز؟!

أدمن النيتروجين والأوكسجين وأنابيب الاختبار ولغة المناطيد المحلقة في السماء العذراء، وسبح مع الدلافين المحملة ديناميت لنسف مغارات الظلام، وجاء بجبال من المعادلات والأجهزة، وراحت قبضته تطارد الخفافيش في كل مكان.

الآن عليه أن يرتاح فقد أنجز مهماته، وكون خريطة من النور والرماد.

كان العجوز غارقاً في النوم والحلم.

كانت غابة من الوجوه والأزهار وراء سماده. سحابات تضحك وهي تحصد جداول الضرب. وهو غارق في مياه، يحاول أن يصعد ويتكلم، إلا أن بالونات الهواء تنفجر بعيداً عنه، ووجه ضخم ذو نظارة بحجم بارجة يحاصره في القاع.

——————————-

5 – دهشة الساحر «قصص»، 1997.

❖ القصص: «طريق النبع – الأصنام – الليل والنهار – الأميرة والصعلوك – الترانيم – دهشة الساحر – الصحراء –الجبل البعيد– الأحفاد – نجمة الصباح».

الدرب ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ: لـ عبـــــــدالله خلــــــــيفة

إلى أين يسيرُ هذا الطابورُ الدامي الأقدام ؟
لا أثر للقرية أو القصر أو البحر أو الحدائق أو النسمات الشمالية ، تلالٌ من الرملِ وحقلٌ من النخيل الشيطاني ومرتفعاتٌ صخرية ومنخفضات كأفواهٍ جائعة ، والشمسُ هذا البركان المتنقل المتفجر يرسلُ قذائفهُ في الوجوه وهذا الطابورُ يزحفُ بمعاوله ورفوشهِ وجرارتهِ وخيامه وعرقه وأرقه وصرخاته وسياطهِ مجتاحاً الرمال والأعشاب والصخورَ والتلال والنخيل ، خيوطاً من الدخان تعلو فوقه ، يشقُ طريقَهُ مخلفاً خطاً أسود ودماً وعظاماً وبقايا الطعام . .
واجهنا حقلٌ من النخل ، جذوعٌ منتصبة بانحناءات مكسورة ، مجموعة من الشيوخ الشحاذين على أبواب الصحراء . . تمدُ أيديها للماءِ ولكن البلدوزر الأصفر يمدُ لها لها أسنانـَهُ . . تجتاحُ الأعشاب . . يجتاح الأعشابَ والفسائل الصغيرة يقطعها بحدة وقوة ، ننظر إلى الشمس الصاعدة نحو قلبِ السماء ونخفضُ رؤوسنا بسرعةٍ ، إنها تعصرُ القلبَ وتشربُ الدمَ .
يطعنُ البلدوزر النخلة الشامخة ، تلك التي تنتصبُ في عمق الطريق ، يجأر بالغضب وهي تقاوم بصلابة ، يتناثر ( الكرب ) فوق الأرض وتنتزعُ الأسنانُ تلك القشرة السوداءَ لتصلَ إلى البياض الجميل ، تنحني النخلة قليلاً ، تغوصُ الأسنانُ ، يرهفُ السمعَ إلى الأرض اللامبالية . .
أقطعُ بذوراً ، أجمعُ حجارة ، أصطدم بعامل آخر . .
جوزيف ينحني لي باتسامة جميلة ، كوجههِ الوسيم . . اكتسى سمرة الهند الجنوبية ، نتعاون على قطع نخلة صغيرة ، نضربها بحدةٍ وغضب ، لكنها لا تتأثر . . أرى البلدوزر يتراجعُ عن النخلة العملاقة ، ويفاجئها من الخلف بضربةٍ حادةٍ ، تهتزُ ، ضربة أخرى ، لكنها لا تسقط ، العامل الأنليزي الذي يقودُ البلدوزر يصرخُ بهياج ، نسمعهُ فنحفر لنخلتنا ونقطعها من الأسفل ، يتراجعُ الأنكليزي ويطلبُ من العمال الأنتباه . . يهجمُ بضراوةٍ ، تقطع السكينُ الضخمة النخلة فتتهاوى جثتتها بصخبٍ ، ننطلقُ إليها ، نرفعها بسرعةٍ وخفة ونلقيها حيث تجمعت الجذوعُ في مقبرة هائلة . .
تحتشدُ السواعدُ ، تتقاربُ أجسادٌ كثيرة لمئات الرجال ، العرقُ ينضحُ ويغسلُ الخرقَ الكاكية اللون ، الجذوع تــُقذف بعيداً ، الحصى يــُنزع ، الجذور تــُقلعُ بعنفٍ أو تــُقطع أو تــُحرقُ ، بقايا البركة تــُهدمُ وتــُسوى بالأرضِ . أنصتُ إلى صيحات الأطفالِ الذين كانوا يغوصون ويتسابقون من أجلِ حبة لوز ، يتذكرُ جوزيف مدينتَــهُ الكبيرة التي قدم منها ، إنها باتساع هذا الرمل وذاك البحر ، والبشر أنهارٌ تصبُ في كل مجرى ، والغاباتُ الساكنة قرب الجبال ، الخضرة بامتداد النظر ، الورقة الخضراء صفحة من كتابٍ مقدس ، والمطرُ والأنهارُ والمعابدُ والقلاعُ القديمة ومصنعهُ الذي غادرهُ ، وأصدقاؤه وزوجته وطفلتاه ، يضربُ الأحجارَ بعنفٍ ويرملُـها ، يتوقفُ ، يدخن ، يميلُ قبعة القشِ نحو عينيه ، يقول :

التـــرانيم  ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ:  لـ عبـــــــدالله خلــــــــيفة

 الأصنــام  ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ:  لـ عبـــــــدالله خلــــــــيفة

هذا الجســد لــك ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ: لـ عبـــــــدالله خلــــــــيفة

ياقوت ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ:  لـ عبـــــــدالله خلــــــــيفة

خميس ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ: لـ عبـــــــدالله خلــــــــيفة