قصـــــــصٌ قصـــــــــيرةٌ لـ عبـــــــدالله خلـــــــيفة

  1. الغرباء ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ  
  2. لحن الشتاء ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ 
  3. نجمة الخليج ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ  
  4. الطائر ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  5. الفتاة والأمير – قصةٌ قصـــــــيرةٌ 
  6. علي بابا واللصوص ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  7. شجرة الياسمين ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  8. العوسج ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  9. المصباح ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  10. الصورة ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  11. اللقــــاء ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  12. لعبة الرمـل ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  13. الأحجار ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  14. الدرب ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  15. أماه أين أنت ؟ ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  16. الجــد ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  17. سهـرة ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  18. الطــوفـــــــــــان ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  19. خميس ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  20. هذا الجســد لــك ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  21. هذا الجســد لــي ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  22. أنا وأمي ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  23. الأصنــــــــــــــــــــــــــام ـ قصةٌ قصـــيرة
  24. التــــــــــــرانيم ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  25. دهشة الساحــــــــر ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  26. نجمة الصباح ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  27. ياقوت ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  28. جنون النخيل ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  29. رجب وأمينة ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  30. عند التلال ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  31. الأم والموت ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  32. طائـران فـوق عـرش النار ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  33. سيد الضريح ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  34. أطيــــــــــــــاف ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  35. رؤيـــــا ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  36. الكســـــيحُ ينــــــهض ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  37. مكي الجني ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  38. الخنفساء ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  39. حادثة تحت المطر ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  40. الطائر الأصفر ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  41. مقامة التلفزيون ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  42. مقامات الشيخ معيوف ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  43. انطولوجيا الحمير ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  44. ناشرٌ ومنشورٌ ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  45. الحـــــــيُّ والميـــــتُ ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  46. تحقيــــقٌ ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  47. غليــانُ المياه ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  48. أنشودة الصقر ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  49. إنهم يهزون الأرض! ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  50. گبگب الخليج الأخير ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  51. جزرُ الأقمار السوداء ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  52. وراء البحر… ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  53. المذبحة ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  54. الحب هو الحب ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  55. إمرأة ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  56. إعدام مؤلف ـــ مسرحية من فصل واحد  
  57. الضمير ــ قصة قصيرة 
  58. معصومـــــة وجلنارـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ
  59. البحر يموج في أغلب أعماله ـ عبدالله خليفة: علامة 
  60. إعادة تشكيل الأسطورة الشعبية في ساعة ظهور الأرواح
  61. التجريب في ساعة ظهور الأرواح
  62. الماء والنار وما بينهما ..
  63. قراءة في أعمال الأديب عبدالله خليفة
  64. لحن الشتاء وآفاق ربيع مفعم بالشجن
  65. جماليات المكان في مجموعة «سيد الضريح»
  1. المقالات العامة
  2. جذور_الرأسمالية_عند_العرب
  3. عبدالله_خليفة القرامطة .. الجذور التاريخية
  4. عبدالله_خليفة : كائنات مستأنسة
  5. عبدالله_خليفة : ما هو حبل الله؟
  6. عبدالله_خليفة : إنساننا البسيط المتواضع
  7. عبدالله_خليفة : إيران بين الحصارِ والتراث
  8. عبدالله_خليفة : الدولةُ والدكتاتوريةُ الروسية
  9. عبدالله_خليفة : الرقص ودلالاته الاجتماعية
  10. عبدالله_خليفة : حلقي مليءٌ بالنارِ على وطني
  11. عبدالله_خليفة وداعاً صديق الياسمين
  12. عبدالله_خليفة وطنيون لا طائفيين
  13. عبدالله_خليفة إعادة إنتاج العفاريت
  14. عبدالله_خليفة الماركسية الأديان
  15. عبدالله_خليفة الإنتاجُ الفكري وضياعُهُ
  16. عبدالله_خليفة الانتهازيون والفوضويون
  17. عبدالله_خليفة تلاقي المستغِلين فوقَ التضاريس
  18. عبدالله_خليفة عدم التطور الفكري وأسبابه
  19. عبدالله_خليفة: تطورات الرأسمالية الحكومية الروسية
  20. (علمية) فيورباخ وتوابعهُ
  21. ‏‏‏‏‏‏مكونان لا يلتقيان
  22. ‏‏عبـــــــدالله خلــــــــيفة: أفــق ـ مقالات 2008
  23. ‏‏عبـــــــدالله خلــــــــيفة: قراءة جديدة لظاهرات الوعي العربي
  24. ‏‏عبـــــــدالله خلــــــــيفة: بلزاك: الروايةُ والثورةُ
  25. ‏‏عبـــــــدالله خلــــــــيفة: تنوير وتحديث نجيب محفوظ
  26. ‏‏عبـــــــدالله خلــــــــيفة: دوستويفسكي: الروايةُ والاضطهادُ
  27. ‏‏عبـــــــدالله خلــــــــيفة: صراع الطوائف أم صراع الطبقات؟
  28. 𝓐𝖇𝖉𝖚𝖑𝖑𝖆 𝓚𝖍𝖆𝖑𝖎𝖋𝖆 𝓦𝖗𝖎𝖙𝖊𝖗 𝒶𝓃𝒹 𝓝𝖔𝖛𝖊𝖑𝖎𝖘𝖙
  29. في الأزمة الفكرية التقدمية: عبـــــــدالله خلــــــــيفة
  30. قناةُ الجزيرةِ وتزييفُ الوعي العربي
  31. قد بيان الحداثة لــ أدونيس
  32. قصة الأطفال عند إبراهيم بشمي
  33. قصص من دلمون
  34. كتاب ايديولوجي لعبدالله خليفة
  35. كريستين هانا
  36. لينين في محكمةِ التاريخ
  37. لينين ومغامرة الاشتراكية
  38. من أفكار الجاحظ الاجتماعية والفلسفية
  39. من ذكرتنا الوطنية عبدالله خليفة
  40. موقع عبـــــــدالله خلــــــــيفة على You Tube
  41. ماجستير الأدب البحريني ـ آثار عبدالله خليفة
  42. ماركس الرمزي وشبحية دريدا
  43. مبارك الخاطر: الباحث الأمين المسؤول عن بقاء الضوء في الماضي
  44. محمود أمين العالم والتغيير
  45. محمد أمين محمدي : كتب – عبدالله خليفة
  46. مراجعة للعنف الديني
  47. مراجعةٌ للعنفِ الديني
  48. مستويات السرد .. الدلالة والسياق عبـــــــدالله خلــــــــيفة
  49. مسرحية وطن الطائر
  50. مسرحية الأطفال عند علي الشرقاوي
  51. نموذجانِ مأزومان
  52. نحن حبات البذار
  53. نحن حبات البذار عبدالله خليفة
  54. هل حقاَ رحل صاحب القلب الأبيض؟
  55. وهي قد تكسرُ البشرَ وخاصة المبدعين والمثقفين!
  56. وعي محمود إسماعيل
  57. وعي الظاهر والباطن
  58. وعبادةُ النصوص
  59. يوسف يتيم : دراسة تطبيقية لرواية الجذوة على ضوء المنهج الواقعي
  60. يحيى حقي: كتب – عبدالله خليفة
  61. أيوب الإنسان: عبـــــــدالله خلــــــــيفة
  62. أخوان الصفا
  63. أدب السجون: إجابة على أسئلة جريدة الوطن
  64. أدب الطفل في البحرين
  65. أزمة اليسار
  66. أسلوب القصة عند الجاحظ في (البخلاء)
  67. أسلوب الإنتاج الكولونيالي أو رأس المال الحـكومـي الشـــــــــرقي
  68. أسباب الانتهازية في اليسار
  69. إنتاجُ وعيٍ نفعي مُسيَّس
  70. إحترام تاريخ اليسار – كتب: عبدالله خليفة
  71. الفكرة ونارها: عبـــــــدالله خلــــــــيفة
  72. القائد والمناضل عبـــــــدالله خلـــــيفة ‏‏‏‏‏‏ مفكراً وأديباً وروائياً بحرانياً
  73. الكلمة من أجل الإنسان
  74. الليبرالية في البحرين
  75. المفكر اللبناني كريم مروة
  76. المنبتون من الثقافة الوطنية
  77. المذاهب الإسلامية والتغيير كتب: عبـدالله خلــيفة
  78. المرأة والإسلام
  79. الولادة العسيرة لليسار الديمقراطي الشرقي
  80. الوعي والمادة
  81. الوعي الجدلي في رسالة الغفران لأبي العلاء المعري
  82. اليسار في البحرين
  83. اليسار في البحرين والانتهازية
  84. اليسار والميراث الديني
  85. اليسار البحريني يخسر «عفيفه الأخضر»
  86. الأعمال الصحفية الكاملة. أفـــــق، 2024
  87. الإسلام السياسي كمصطلح غربي
  88. الانتهازية الفكرية عبـــــــدالله خلــــــــيفة
  89. الاتجاهات المثالية في الفلسفة العربية الاسلامية.
  90. البطل الشعبي بين الماضي والحاضر
  91. التحرير تبقى عاليا ومضية كتب عبدالله خليفة
  92. التضحوي والاستغلالي
  93. التطور الفلسفي العربي الحديث المبكر .. عبــدالله خلــيفة
  94. الحدثُ الأوكراني ودلالاتُهُ الديمقراطية
  95. الحربائيون
  96. الرواية الخليجية لم تتجذر في الأرض بعد
  97. السودان بحاجة إلى الديمقراطية والسلام
  98. الساقطون واللاقطون ــ كتب : عبـــــــدالله خلـــــــيفة
  99. الصحراويون والزرع
  100. الطبقة العاملة الهندية في البحرين
  101. العناصر الفكرية في الشيوعية العربية
  102. انتصار للطبقة العاملة في العالم بتنصيب الرئيس لولا دي سيلفا رئيسا للبرازيل
  103. اتحاد الكتاب العرب في سورية| ينعي الأديب البحريني عبـــــــدالله خلــــــــيفة ‏‏‏‏‏‏
  104. بيع كتب ومؤلفات عبـــــــدالله خلــــــــيفة
  105. تكويناتُ الطبقةِ العاملةِ البحرينية : عبـــــــدالله خلــــــــيفة
  106. تناقضات الماركسية – اللينينية
  107. تآكل التحديثيين ونتائجه
  108. تجاوز الشللية والقرابية ــ كتب: عبـــــــدالله خلـــــــيفة
  109. تحدياتُ الحداثة في الوعي الديني
  110. تحدياتُ العلمانية البحرينية
  111. تداخلات جبهة التحرير والمنبر الديمقراطي – كتب: عبدالله خليفة
  112. تعريف العلمانية
  113. تعريف العلمانية عبدالله خليفة
  114. ثقافة الانتهازية: كتب – عبـــــــدالله خلــــــــيفة
  115. جمعية التجديد الإسلامية
  116. جورج لوكاش … تحطيم العقل !
  117. جبهة التحرير الوطني البحرينية باقية والمنبر التقدمي شكلٌ مؤقت وعابر
  118. جذور الرأسمالية عند العرب
  119. حكمٌ دستوري وإلهٌ عادلٌ
  120. حوار مع الكاتب عبدالله خليفة: المؤلف الجيّد عاجز عن الوصول الى الناس
  121. حوار مع عبدالله خليفة
  122. حوار المفكر العلماني صادق جلال العظم
  123. رفاق الطريق
  124. رفعت السعيد والسرد السياسي
  125. روسيا ودعم الدكتاتوريات
  126. روسيا الدكتاتورية
  127. رأس المـــال الحـكومــــي الشـــرقي ــ أو أسلوب الإنتاج الكولونيالي
  128. سردية الانكسار والانتصار في رواية  «التماثيل»: عبدالله خليفة
  129. صراع الطوائف والطبقات في فلسطين : كتب-عبدالله خليفة
  130. ضيعة الكتب ضيعة كبيرة. أصدقاء الكاتب لا يعرفون عناوين كتبه.
  131. طفوليةُ الكلمةِ الحارقة
  132. طفوليةُ الكلمةِ الحارقة : عبدالله خليفة
  133. ظهور المادية الجدلية: كتب- عبدالله خليفة
  134. علي الشرقاوي
  135. عودةُ الحداثيين لطوائفهم
  136. عبـــــــدالله خلــــــــيفة
  137. عبـــــــدالله خلــــــــيفة .. الفكرُ المصري ودورُهُ التاريخي
  138. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : «الكلمة من أجل الإنسان»
  139. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : في الأزمة الفكرية التقدمية
  140. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : فيلم الشاب كارل ماركس
  141. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : فالح عبدالجبار
  142. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : فصيلٌ جديدٌ لا يعترفُ بالحداثة وقوانينها
  143. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : قانون الإنتاج المطلق
  144. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : كلمة من أجل الكاتب
  145. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : كاتب أدبيات النضال
  146. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : لماذا يموتُ الشعرُ؟!
  147. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : لولا تخاذل الحداثيين ما جاء الطائفيون
  148. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : لويس أرمسترونغ ــ موسيقى الحياة الوردية
  149. عبدالله خليفة: ملاحظات حول مجموعة ــ الفراشات لأمين صالح
  150. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : من أفكار الجاحظ الاجتماعية والفلسفية
  151. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : من ذاكرتنا الوطنية
  152. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : منعطفٌ تاريخي للعرب ‏‏
  153. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : ميراث شمولي
  154. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : نقادٌ مذعورون
  155. عبدالله خليفة: نجيب محفوظ من الرواية التاريخية إلى الرواية الفلسفية
  156. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : نضال النساء في البحرين
  157. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : و(الفولاذ) بعناه!
  158. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : وردة الشهيد
  159. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : أفـــق ـ مقالات 2010
  160. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : أن تكتب الأدب في السجن
  161. عبـــــــدالله خلــــــــيفة: أسباب تمكن الحركات الطائفية من الاختراق
  162. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : أشكال الوعي في البنية العربية التقليدية
  163. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : إنّهُ المثقفُ العضوي!
  164. عبدالله خليفة: إعادة تشكيل الأسطورة الشعبية في ساعة ظهور الأرواح
  165. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : الفقه والدكتاتورية المنزلية
  166. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : الفنون في الأديان
  167. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : القصة القصيرة الطلقة
  168. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : الكلمة من أجل الإنسان ــ كارل ماركس
  169. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : الكائنُ الذي فقدَ ذاته
  170. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : الكتابة وظروفها إجابة على أسئلة
  171. عبدالله خليفة: المناضل والأديب والإنسان ــ تقديم المحامي عبدالوهاب أمين
  172. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : المنبتون من الثقافة الوطنية
  173. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : المثقفون العاميون
  174. عبدالله خلـيفة : المجموعة القصصية ــ ضــــوء المعتــــــــزلة
  175. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : المرأة بين السلبية والمبادرة
  176. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : النساء وضعف الخبرة السياسية
  177. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : اليهودُ من التراث إلى الواقع
  178. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : اليسارُ الديمقراطي واليسارُ المغامر
  179. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : الأفكار والتقدم
  180. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : الأديان والماركسية
  181. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : الإصلاحيون الإيرانيون
  182. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : البنية والوعي
  183. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : البناء الفلسفي في أولاد حارتنا
  184. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : البرجوازية والثقافة
  185. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : التفككُ الثقافي
  186. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : التبعية للدينيين
  187. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : الثقافة والمثقفون البحرينيون
  188. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : الثلاثة الكبار
  189. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : الثورية الزائفة لمحطة الجزيرة
  190. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : الحداثة مشروعان فقط
  191. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : الدكتور عبدالهادي خلف مناضل أم ساحر؟
  192. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : الدين والفلسفة عند ابن رشد
  193. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : الرموزُ الدينيةُ والأساطير
  194. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : الرهان على القلم
  195. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : الراوي في عالم محمد عبدالملك القصصي
  196. عبـــــــدالله خلــــــيفة: الساقطون واللاقطون ــ المنبر اللاتقدمي مثالاً
  197. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : الشاعر الكبير يوسف حسن و زهرة الغسق
  198. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : العقل والحريــــــــــــة
  199. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : العلوم والإنتاج والفلسفة
  200. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : العمل والعمال والمصنع
  201. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : العناصر الفكرية في الشيوعية العربية
  202. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : العائلة والديمقراطية
  203. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : تنوير نجيب محفوظ
  204. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : تآكل الماركسية أم الماركسيين؟
  205. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : تآكلُ الماركسيةِ في البحرين
  206. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : تسلقُ البرجوازية الصغيرةِ الديني
  207. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : تطورٌ حديثٌ حقيقي
  208. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : تعدد الزوجات والحرية
  209. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : ثقافةُ الديمقراطيةِ المتكسرة
  210. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : جورج لوكاش وتحطيم العقل
  211. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : جذور العنف في الحياة العربية المعاصرة
  212. عبـــــــدالله خلــــــــيفة : حكاية أديب
  213. عبـــــــدالله خلــــــــيفة: خفوتُ الملاحم
  214. عبـــــــدالله خلــــــــيفة: رموز الأرض
  215. عبـــــــدالله خلــــــــيفة: روحُ الأمة!
  216. : رأس المال الحكومي الشرقي – الطبقة العاملة في البحرين
  217. عبدالله خليفة : شقة راس رمان التي عاش فيها 21 عاماً وتوفى فيها.
  218. عبـــــــدالله خلــــــــيفة: صراع الطوائف والطبقات في فلسطين
  219. عبـــــــدالله خلــــــــيفة: ظهور المادية الجدلية
  220. عبـــــــدالله خلــــــــيفة: علم الحشرات السياسية
  221. عبـــــــدالله خلــــــــيفة: عن الديمقراطية
  222. عبـــــــدالله خلــــــــيفة: عالم قاسم حداد الشـعري
  223. عبـــــــدالله خلــــــــيفة: عبادةُ الشخوص
  224. عبـــــــدالله خلــــــــيفة كيف تلاشتْ النصوصُ الحكيمة؟
  225. عبـــــــدالله خلــــــــيفة كاتب وروائي
  226. عبـدالله خلـــيفة الأعمال الكاملة القصصية والرواية والتاريخ والنقدية
  227. عبـــــــدالله خلــــــــيفة السيرة الذاتية
  228. عبـــــــدالله خلــــــــيفة: قناةُ الجزيرةِ وتزييفُ الوعي العربي
  229. عبـــــــدالله خلــــــــيفة: كلنا إسلام سياسي!
  230. عبـــــــدالله خلــــــــيفة: لينين في محكمةِ التاريخ
  231. عبـــــــدالله خلــــــــيفة: أفكار سياسية دينية
  232. عبـــــــدالله خلــــــــيفة: ألفُ ليلةٍ وليلة . . السيرة السحرية
  233. عبـــــــدالله خلــــــــيفة: أغلفة الكتب
  234. عبـــــــدالله خلــــــــيفة: النظر بموضوعية في تاريخ الإنسان
  235. عبـــــــدالله خلــــــــيفة: الوعي الديني والبنية الاجتماعية
  236. عبـــــــدالله خلــــــــيفة: الأيديولوجيات العربية والعلم
  237. عبـــــــدالله خلــــــــيفة: الأزمة العقلية للثورة
  238. عبـــــــدالله خلــــــــيفة: الانتماءُ والغربةُ
  239. عبـــــــدالله خلــــــــيفة: الباحث عن أفق تنويري عربي
  240. عبـدالله خليفة: البحرين جزيرةُ الحريةِ الغامضةِ في العصر القديم
  241. عبـــــــدالله خلــــــــيفة: الخيال والواقع في الأديان
  242. عبـــــــدالله خلــــــــيفة: الرمزيةُ وأهميتُها
  243. عبـــــــدالله خلــــــــيفة: العصبيةُ والعمرانُ
  244. عبـــــــدالله خلــــــــيفة: بؤرةُ الوهمِ قديماً وحديثاً
  245. عبـــــــدالله خلــــــــيفة: بروليتاريا رثةٌ: برجوازيةٌ ضعيفة
  246. عبـــــــدالله خلــــــــيفة: تفتيتُ المكونات
  247. عبـــــــدالله خلــــــــيفة: تبعية العلمانيين للدينيين ــ جذورها ونتائجها
  248. عبـــــــدالله خلــــــــيفة: تحليلٌ لكلامٍ مغامر
  249. عبـــــــدالله خلــــــــيفة: تحديث نجيب محفوظ
  250. عبـــــــدالله خلــــــــيفة: تدهور مكانة المرأة واتساع الرقيق
  251. عبـــــــدالله خلــــــــيفة: تركيب حضاري
  252. عبـــــــدالله خلــــــــيفة: تطور الوعي الديني في المشرق القديم
  253. عبـــــــدالله خلــــــــيفة: ثرثرةُ الوعيِّ اليومي
  254. عبـــــــدالله خلــــــــيفة: حريات النساء مقياس للديمقراطية
  255. عبـــــــدالله خلــــــــيفة: دعْ الإنسانَ حراً
  256. عبـــــــدالله خلــــــــيفة: رؤيتان للدين
  257. عبـــــــدالله خلــــــــيفة: سبينوزا والعقل
  258. عبـــــــدالله خلــــــــيفة: سذاجةٌ سياسيةٌ
  259. عبـــــــدالله خلــــــــيفة(تفتيتُ المكونات)
  260. عبـــــــدالله خلـــــــيفة : مسيرة نوال السعداوي
  261. عبـــــدالله خلــــــــيفة : اليسارُ والتكويناتُ الاجتماعية الدينية
  262. عبــداللـه خلـــــيفة . . الأقلف والبحث عن الذات
  263. عبــدالله خلـــــيفة .. مقاربة الشعر الجاهلي
  264. عبــدالله خلـــــيفة : قراءة لــ طه حسين
  265. عبــدالله خلـــــيفة : قراءة لـــ إسماعيل مظهر 
  266. عبــدالله خلـــــيفة : وعي النهضة لدى الطهطاوي
  267. عبــدالله خلـــــيفة : وعي النهضة عند سلامة موسى
  268. عبــدالله خلـــــيفة: إبراهيم العُريّض ــ الشعر وقضيته
  269. عبــدالله خلـــــيفة: المثقف العربي بين الحرية والاستبداد
  270. عبـدالله خلــيفة: عرضٌ ونقدٌ عن أعماله
  271. عبد الله خليفة: كانت الكلمات عاجزة عن البوح
  272. عبدالله خليفة
  273. عبدالله خليفة «الساعةُ آتيةٌ لا ريبَ فيها»
  274. عبدالله خليفة.. كي لا يُدفن مرتين !
  275. عبدالله خليفة : وحدة الماضي والمستقبل
  276. عبدالله خليفة : الاشتراكية والمستقبل
  277. عبدالله خليفة : البحرين في بدء التحديث
  278. عبدالله خليفة : التنوير الاجتماعي عند فرح أنطون
  279. عبدالله خليفة : التنوير الرومانتيكي عند جبران خليل جبران
  280. عبدالله خليفة : العقل والديمقراطية في وعي جورج طرابيشي
  281. عبدالله خليفة : بوخارين ومصير روسيا
  282. عبدالله خليفة : تنوير لويس عوض
  283. عبدالله خليفة : تنوير يعقوب صروف
  284. عبدالله خليفة : صراع اليسار واليمين في الإسلام
  285. عبدالله خليفة : صراع الطوائف أم صراع الطبقات؟
  286. عبدالله خليفة – الأعمال القصصية
  287. عبدالله خليفة – الأعمال القصصية – المجلد السابع
  288. عبدالله خليفة – الأعمال النقدية – المجلد الثامن
  289. عبدالله خليفة – الأعمال التاريخية
  290. عبدالله خليفة – الأعمال الروائية – المجلد السادس
  291. عبدالله خليفة قبل رحيله: المحن مؤذيةٌ وصعبة
  292. عبدالله خليفة كل الأشجار
  293. عبدالله خليفة من أجل الشعب اولا
  294. عبدالله خليفة نفعية في الكتابة
  295. عبدالله خليفة وقضية المرأة في الرواية الخليجية
  296. عبدالله خليفة يكتب عن نجيب محفوظ
  297. عبدالله خليفة أحد أهم الكتاب المخلصين لتجربتهم الفكرية
  298. عبدالله خليفة أزمة اليسار
  299. عبدالله خليفة إشكالية البحر والواقع
  300. عبدالله خليفة المخادعون
  301. عبدالله خليفة الوعيُّ القرآني قفزةٌ نوعي
  302. عبدالله خليفة الأعمال الكاملة
  303. عبدالله خليفة الأعمال الكاملة الروائية والقصصية والتاريخية والنقدية
  304. عبدالله خليفة الأعمال النقدية الكاملة
  305. عبدالله خليفة الأعمال الروائية والقصصية والتاريخية والنقدية الكاملة
  306. عبدالله خليفة الإسلامُ ثورةُ التجار
  307. عبدالله خليفة الجمهورُ و(الغوغاء)
  308. عبدالله خليفة الحلال والحرام في السياسة الراهنة
  309. عبدالله خليفة الرعب من الحب
  310. عبدالله خليفة السحر والدين
  311. عبدالله خليفة العقل والحرية
  312. عبدالله خليفة اسكرايب
  313. عبدالله خليفة جريدة النور
  314. عبدالله خليفة رائد الثقافة التنويرية البحرينية
  315. عبدالله خليفة عن المرأة
  316. عبدالله خليفة.. تحطيم الصورة وتكوينها
  317. عبدالله خليفة… حياته
  318. عبدالله خليفة: في التطورِ العربي العام
  319. عبدالله خليفة: فائض القيمة البحريني
  320. عبدالله خليفة: القحط في زمن النفط
  321. عبدالله خليفة: المسكراتُ وأحوالُ السياسة
  322. عبدالله خليفة: المغامرات اللغوية أبعدت القارئ عن الرواية
  323. عبدالله خليفة: الوعيُّ العربيُّ وتطوراته
  324. عبدالله خليفة: العربُ ونقدُ الواقع
  325. عبدالله خليفة: تنوير تقي البحارنة
  326. عبدالله خليفة: تنوير حسن الجشي
  327. عبدالله خليفة: تناقضات الوعي العربي تاريخياً
  328. عبدالله خليفة: تباين طرقِ التطور العربية
  329. عبدالله خليفة: شيعةُ العربِ ليسوا صفويين
  330. عبدالله خليفة: صراعاتُ الوعي العربي تاريخياً
  331. عبدالله خليفة: ضعفُ العقلِ النقدي
  332. عبدالله خليفة: فائض القيمة والاقتصاد السبعيني
  333. عبدالله خليفة: عبيب «مأكول خيره»..!
  334. عبدالله خليفة: عبدالناصر كإقطاعي
  335. عبدالله_خليفة الثلاثة الكبار
  336. عبدالرحمن بدوي

General articles

The_Roots_of_Capitalism_among_the_Arabs​

Abdullah_Khalifa The_Qarmatians .. Historical Roots

Abdullah_Khalifa : Domesticated Creatures

Abdullah_Khalifa : What is the rope of God?

Abdullah_Khalifa : Our simple, humble man

Abdullah_Khalifa : Iran between siege and heritage

Abdullah_Khalifa : The Russian State and Dictatorship

 Abdullah Khalifa: Dance and its social implications

Abdullah_Khalifa : My throat is filled with fire for my homeland

Abdullah_Khalifa Farewell, friend of jasmine

Abdullah_Khalifa : Patriots, not sectarian

Abdullah_Khalifa Re-producing the Goblins

Abdullah_Khalifa Marxism Religions

Abdullah_Khalifa Intellectual Production and its Loss

Abdullah_Khalifa Opportunists and Anarchists

Abdullah_Khalifa encounters exploiters across the terrain

Abdullah_Khalifa : Lack of intellectual development and its causes

 Abdullah Khalifa: Developments in Russian State Capitalism

( Scientific) Feuerbach and his followers

Two incompatible components

Abdullah Khalifa: Horizons – Articles 2008

Abdullah Khalifa: A New Reading of the Phenomena of Arab Consciousness

Abdullah Khalifa: Balzac: The Novel and the Revolution

Abdullah Khalifa: Enlightening and Modernizing Naguib Mahfouz

Abdullah Khalifa: Dostoevsky: The Novel and Persecution

Abdullah Khalifa: Sectarian conflict or class conflict?

𝓐𝖇𝖉𝖚𝖑𝖑𝖆 𝓚𝖍𝖆𝖑𝖎𝖋𝖆 𝓦𝖗𝖎𝖙𝖊𝖗 𝒶𝓃𝒹 𝓝𝖔𝖛𝖊𝖑𝖎𝖘𝖙    

On the progressive intellectual crisis: Abdullah Khalifa

Al Jazeera and the distortion of Arab consciousness

Adonis’s statement on modernity

Children’s stories by Ibrahim Bashmi

Stories from Dilmun

An ideological book by Abdullah Khalifa

Christine Hannah

Lenin in the court of history

Lenin and the Adventure of Socialism

Some of Al-Jahiz’s social and philosophical ideas

Abdullah Khalifa, our national hero.

Abdullah Khalifa’s website YouTube

Master’s Degree in Bahraini Literature – Works of Abdullah Khalifa

Marx’s symbolism and Derrida’s spectral nature

Mubarak Al-Khater: The trustworthy researcher responsible for preserving the light in the past

Mahmoud Amin, the world and change

Mohammed Amin Mohammedi: Written by Abdullah Khalifa

A review of religious violence

A review of religious violence

Levels of Narration: Meaning and Context – Abdullah Khalifa

The Bird’s Homeland play

Children’s play by Ali Sharqawi

Two problematic models

We are the seeds

We are the seeds of Abdullah Khalifa

Has the kind-hearted man truly passed away?

It can break people, especially creative and intellectual individuals.!

Mahmoud Ismail’s awareness

awareness of the apparent and the hidden

And the worship of texts

Youssef Yatim: An Applied Study of the Novel “The Ember” in Light of the Realistic Approach

Yahya Haqqi: Written by Abdullah Khalifa

Job the Human: Abdullah Khalifa

Brethren of Purity

Prison Literature: An Answer to Questions from Al-Watan Newspaper

Children’s literature in Bahrain

The crisis of the left

The storytelling style of Al-Jahiz in (The Misers))

The colonial mode of production or Oriental state capital

Reasons for opportunism on the left

Producing utilitarian, politicized awareness

Respecting the history of the left – Written by: Abdullah Khalifa

The Idea and Its Fire: Abdullah Khalifa

Leader and activist Abdullah Khalifa, a Bahraini thinker, writer, and novelist

The word for humanity

Liberalism in Bahrain

Lebanese thinker Karim Mroue

Rooted in national culture

Islamic Schools of Thought and Change, by Abdullah Khalifa

Women and Islam

The difficult birth of the Eastern democratic left

Consciousness and matter

Dialectical consciousness in Abu al-Ala al-Ma’arri’s Epistle of Forgiveness

The left in Bahrain

The left in Bahrain and opportunism

The Left and the Religious Heritage

Bahraini left loses Afifa Al-Akhdar»

The Complete Journalistic Works. Horizon, 2024

Political Islam as a Western term

Intellectual Opportunism – Abdullah Khalifa

Idealist trends in Arab-Islamic philosophy.

The folk hero between the past and the present

Liberation remains high and bright, wrote Abdullah Khalifa

Sacrificial and exploitative

Early Modern Arab Philosophical Development… Abdullah Khalifa

The Ukrainian event and its democratic implications

chameleons

The Gulf novel has not yet taken root.

Sudan needs democracy and peace.

The Fallen and the Pickers Up – Written by: Abdullah Khalifa

Desert dwellers and agriculture

The Indian working class in Bahrain

Intellectual elements in Arab communism

A victory for the working class worldwide with the inauguration of President Lula da Silva as President of Brazil.

The Arab Writers Union in Syria mourns the passing of Bahraini writer Abdullah Khalifa.

Selling books and writings by Abdullah Khalifa

The Compositions of the Bahraini Working Class: Abdullah Khalifa

Contradictions of Marxism-Leninism

The erosion of modernization and its consequences

Overcoming favoritism and nepotism – Written by: Abdullah Khalifa

Challenges of modernity in religious consciousness

Challenges facing Bahraini secularism

Interventions of the Liberation Front and the Democratic Platform – Written by: Abdullah Khalifa

Definition of secularism

Definition of secularism by Abdullah Khalifa

The Culture of Opportunism: Books – Abdullah Khalifa

Islamic Renewal Society

Georg Lukács… The Destruction of Reason !

The Bahraini National Liberation Front remains, while the Progressive Tribune is a temporary and transient entity.

The roots of capitalism among the Arabs

Constitutional rule and a just God

Interview with writer Abdullah Khalifa: A good author is unable to reach people

Interview with Abdullah Khalifa

Dialogue with secular thinker Sadiq Jalal al-Azm

companions on the road

Rifaat al-Saeed and the political narrative

Russia and its support for dictatorships

Dictatorship Russia

Eastern state capital – or the colonial mode of production

The Narrative of Defeat and Triumph in the Novel “The Statues”: Abdullah Khalifa

Sectarian and class conflict in Palestine: Written by Abdullah Khalifa

The book market is vast. The author’s friends don’t know the titles of his books..

The childishness of the burning word

The childishness of the burning word: Abdullah Khalifa

The Emergence of Dialectical Materialism: Written by Abdullah Khalifa

Ali Al-Sharqawi

The return of modernists to their sects

Abdullah Khalifa

Abdullah Khalifa: Egyptian Thought and its Historical Role

Abdullah Khalifa: “The word is for the sake of humanity.”»

Abdullah Khalifa: On the Progressive Intellectual Crisis

Abdullah Khalifa: The Young Karl Marx Film

Abdullah Khalifa: Faleh Abduljabbar

Abdullah Khalifa: A new faction that does not recognize modernity and its laws

Abdullah Khalifa: The Law of Absolute Production

Abdullah Khalifa: A word for the writer

Abdullah Khalifa: Writer of resistance literature

Abdullah Khalifa: Why does poetry die?!

Abdullah Khalifa: Had it not been for the inaction of the modernists, the sectarianists would not have come.

Abdullah Khalifa: Louis Armstrong – La Vie en Rose

Abdullah Khalifa: Notes on the collection “Butterflies” by Amin Saleh

Abdullah Khalifa: From Al-Jahiz’s social and philosophical ideas

Abdullah Khalifa: From our national memory

Abdullah Khalifa: A historical turning point for the Arabs

Abdullah Khalifa: A Comprehensive Legacy

Abdullah Khalifa: Terrified Critics

Abdullah Khalifa: Naguib Mahfouz: From Historical Novel to Philosophical Novel

Abdullah Khalifa: The Struggle of Women in Bahrain

Abdullah Khalifa: And we sold (steel).!

Abdullah Khalifa: The Martyr’s Rose

Abdullah Khalifa: Horizons – Articles 2010

Abdullah Khalifa: Writing Literature in Prison

Abdullah Khalifa: Reasons for the ability of sectarian movements to infiltrate

Abdullah Khalifa: Forms of Consciousness in the Traditional Arab Structure

Abdullah Khalifa: He is the organic intellectual!

Abdullah Khalifa: Reshaping the popular myth in the hour of the appearance of spirits

Abdullah Khalifa: Jurisprudence and Domestic Dictatorship

Abdullah Khalifa: The Arts in Religions

Abdullah Khalifa: The Short Story Bullet

Abdullah Khalifa: The Word for Man – Karl Marx

Abdullah Khalifa: The being who lost himself

Abdullah Khalifa: Writing and its circumstances: An answer to questions

Abdullah Khalifa: The Fighter, the Writer, and the Human Being – Presented by Lawyer Abdulwahab Amin

Abdullah Khalifa: Those who are uprooted from national culture

Abdullah Khalifa: Popular Intellectuals

Abdullah Khalifa: The Short Story Collection – The Light of the Mu’tazila

Abdullah Khalifa: Women Between Passivity and Initiative

Abdullah Khalifa: Women and the Lack of Political Experience

Abdullah Khalifa: The Jews: From Heritage to Reality

Abdullah Khalifa: The Democratic Left and the Adventurous Left

Abdullah Khalifa: Ideas and Progress

Abdullah Khalifa: Religions and Marxism

Abdullah Khalifa: Iranian Reformists

Abdullah Khalifa: Structure and Awareness

Abdullah Khalifa: The Philosophical Structure in Children of Gebelawi

Abdullah Khalifa: The Bourgeoisie and Culture

Abdullah Khalifa: Cultural Disintegration

Abdullah Khalifa: Subservience to Religious People

Abdullah Khalifa: Bahraini Culture and Intellectuals

Abdullah Khalifa: The Big Three

Abdullah Khalifa: Al Jazeera’s False Revolutionary Appearance

Abdullah Khalifa: Modernity is only two projects

Abdullah Khalifa: Is Dr. Abdulhadi Khalaf a fighter or a magician?

Abdullah Khalifa: Religion and Philosophy in Ibn Rushd

Abdullah Khalifa: Religious Symbols and Myths

Abdullah Khalifa: Betting on the Pen

Abdullah Khalifa: The Narrator in the World of Muhammad Abdul Malik’s Stories

Abdullah Khalifa: The Fallen and the Pickers Up – The Non-Progressive Platform as an Example

Abdullah Khalifa: The great poet Youssef Hassan and the Twilight Flower

Abdullah Khalifa: Reason and Freedom

Abdullah Khalifa: Science, Production, and Philosophy

Abdullah Khalifa: Work, Workers, and the Factory

Abdullah Khalifa: The Intellectual Elements of Arab Communism

Abdullah Khalifa: Family and Democracy

Abdullah Khalifa: Enlightening Naguib Mahfouz

Abdullah Khalifa: Is it Marxism or Marxists that are eroding?

Abdullah Khalifa: The Erosion of Marxism in Bahrain

Abdullah Khalifa: The Climbing of the Religious Petty Bourgeoisie

Abdullah Khalifa: A truly modern development

Abdullah Khalifa: Polygamy and Freedom

Abdullah Khalifa: The Culture of Fractured Democracy

Abdullah Khalifa: Georg Lukács and the Destruction of Reason

Abdullah Khalifa: The Roots of Violence in Contemporary Arab Life

Abdullah Khalifa: The Story of a Writer

Abdullah Khalifa: The Fading of Epics

Abdullah Khalifa: Symbols of the Earth

Abdullah Khalifa: The Spirit of the Nation!

Abdullah Khalifa: Eastern State Capital – The Working Class in Bahrain

Abdullah Khalifa: The Ras Rumman apartment where he lived for 21 years and where he died.

Abdullah Khalifa: The Conflict Between Sects and Classes in Palestine

Abdullah Khalifa: The Emergence of Dialectical Materialism

Abdullah Khalifa: Political Entomology

Abdullah Khalifa: On Democracy

Abdullah Khalifa: The Poetic World of Qasim Haddad

Abdullah Khalifa: The Worship of Individuals

Abdullah Khalifa: How did the wise texts disappear?

Abdullah Khalifa, writer and novelist

Abdullah Khalifa: Complete Works of Short Stories, Novels, History, and Criticism

Abdullah Khalifa’s Biography

Abdullah Khalifa: Al Jazeera Channel and the Distortion of Arab Consciousness

Abdullah Khalifa: We are all political Islam!

Abdullah Khalifa: Lenin in the Court of History

Abdullah Khalifa: Political and Religious Ideas

Abdullah Khalifa: One Thousand and One Nights… The Magical Biography

Abdullah Khalifa: Book Covers

Abdullah Khalifa: Looking objectively at human history

Abdullah Khalifa: Religious Awareness and Social Structure

Abdullah Khalifa: Arab Ideologies and Science

Abdullah Khalifa: The Intellectual Crisis of the Revolution

Abdullah Khalifa: Belonging and Alienation

Abdullah Khalifa: The seeker of an Arab enlightenment horizon

Abdullah Khalifa: Bahrain, the mysterious island of freedom in ancient times

Abdullah Khalifa: Imagination and Reality in Religions

Abdullah Khalifa: Symbolism and its importance

Abdullah Khalifa: Tribalism and Civilization

Abdullah Khalifa: The epicenter of illusion, past and present

Abdullah Khalifa: A ragged proletariat: a weak bourgeoisie

Abdullah Khalifa: Breaking down the components

Abdullah Khalifa: The subservience of secularists to religious figures – its roots and consequences

Abdullah Khalifa: An Analysis of Adventurous Words

Abdullah Khalifa: Naguib Mahfouz Update

Abdullah Khalifa: The decline in the status of women and the expansion of slavery✶

Abdullah Khalifa: A Civilizational Structure

Abdullah Khalifa: The Development of Religious Consciousness in the Ancient East

Abdullah Khalifa: The Chatter of Everyday Consciousness

Abdullah Khalifa: Women’s freedoms are a measure of democracy

Abdullah Khalifa: Let man be free

Abdullah Khalifa: Two Visions of Religion

Abdullah Khalifa: Spinoza and Reason

Abdullah Khalifa: Political naiveté

Abdullah Khalifa [ Crushing the components]】

Abdullah Khalifa: Nawal El Saadawi’s Journey

Abdullah Khalifa: The Left and Socio-Religious Formations

Abdullah Khalifa: The Uncircumcised and the Search for Self

Abdullah Khalifa… An Approach to Pre-Islamic Poetry

Abdullah Khalifa: A Reading of Taha Hussein

Abdullah Khalifa: A reading by Ismail Mazhar 

Abdullah Khalifa: Al-Tahtawi’s Awareness of the Renaissance

Abdullah Khalifa: The Renaissance Consciousness of Salama Moussa

Abdullah Khalifa: Ibrahim Al-Urayyidh – Poetry and its Cause

Abdullah Khalifa: The Arab Intellectual Between Freedom and Tyranny

Abdullah Khalifa: A presentation and critique of his works

Abdullah Khalifa: Words failed to express

Abdullah Khalifa

Abdullah Khalifa: “The Hour is coming, there is no doubt about it.”“

Abdullah Khalifa… so that he is not buried twice !

Abdullah Khalifa: The Unity of the Past and the Future

Abdullah Khalifa: Socialism and the Future

Abdullah Khalifa: Bahrain is beginning modernization

Abdullah Khalifa: Social Enlightenment in Farah Antoun’s Thought

Abdullah Khalifa: Romantic Enlightenment in the Works of Khalil Gibran

Abdullah Khalifa: Reason and Democracy in the Consciousness of George Tarabishi

Abdullah Khalifa: Bukharin and the Fate of Russia

Abdullah Khalifa: Enlightening Louis Awad

Abdullah Khalifa: Enlightening Yaqoub Sarrouf

Abdullah Khalifa: The Left-Right Conflict in Islam

Abdullah Khalifa: Sectarian conflict or class conflict?

Abdullah Khalifa – Short Stories

Abdullah Khalifa – Short Stories – Volume Seven

Abdullah Khalifa – Critical Works – Volume Eight

Abdullah Khalifa – Historical Works

Abdullah Khalifa – Fictional Works – Volume Six

Abdullah Khalifa before his departure: Trials are painful and difficult

Abdullah Khalifa, all the trees

Abdullah Khalifa: For the people first.

Abdullah Khalifa’s pragmatism in writing

Abdullah Khalifa and the issue of women in the Gulf novel

Abdullah Khalifa writes about Naguib Mahfouz

Abdullah Khalifa is one of the most dedicated writers to his intellectual experience.

Abdullah Khalifa: The Crisis of the Left

Abdullah Khalifa: The Problem of the Sea and Reality

Abdullah Khalifa, the deceivers

Abdullah Khalifa: Quranic awareness is a qualitative leap

Abdullah Khalifa’s Complete Works

Abdullah Khalifa: Complete Works of Novels, Short Stories, Historical Works, and Criticism

Abdullah Khalifa’s Complete Critical Works

Abdullah Khalifa: The Complete Works of Novels, Short Stories, Historical Works, and Criticism

Abdullah Khalifa, Islam, the merchants’ revolution

Abdullah Khalifa, the public and (the mob))

Abdullah Khalifa: Halal and Haram in Current Politics

Abdullah Khalifa, the terror of love

Abdullah Khalifa, the magician and the religious scholar

Abdullah Khalifa, the Caliph of Reason and Freedom

Abdullah Khalifa Scribe

Abdullah Khalifa, Al-Nour Newspaper

Abdullah Khalifa, a pioneer of Bahraini enlightenment culture

Abdullah Khalifa on women

Abdullah Khalifa… Deconstructing and Reconstructing the Image

Abdullah Khalifa… His Life

Abdullah Khalifa: On the general Arab development

Abdullah Khalifa: Bahraini Surplus Value

Abdullah Khalifa: Drought in the Time of Oil

Abdullah Khalifa: Intoxicants and Political Affairs

Abdullah Khalifa: Linguistic adventures distanced the reader from the novel.

Abdullah Khalifa: Arab Consciousness and its Developments

Abdullah Khalifa: Arabs and the Critique of Reality

Abdullah Khalifa: Enlightening Taqi Al-Baharna

Abdullah Khalifa: Enlightening Hassan Al-Jishi

Abdullah Khalifa: Contradictions of Arab Consciousness Historically

Abdullah Khalifa: The Divergence of Arab Development Paths

Abdullah Khalifa: Arab Shiites are not Safavids

Abdullah Khalifa: Conflicts of Arab Consciousness Historically

Abdullah Khalifa: Weakness of Critical Thinking

Abdullah Khalifa: Abdullah Khalifa: Surplus Value and the Seventies Economy

Abdullah Khalifa: Abeeb “whose goodness is consumed””..!”

Abdullah Khalifa: Abdel Nasser as a feudal lord

Abdullah Khalifa, the three greats

Abdul Rahman Badawi

كريستين هانا (Kristin Hannah)، الروائية الامريكية المعروفة، تكتب عن عبدالله خليفة

اليوم 10/21/ الذكرى لــ 11  لوفاة عبـــــــدالله خلـــــــيفة

في رسالة بعثتها الى موقع عبـــــــدالله خلــــــــيفة

مرحبا

 أنا كريستين هانا، مؤلفة كتاب «النساء»، و«العظيم وحده» و«العندليب» وأكثر من عشرين رواية أخرى تستكشف الحب والشجاعة ومرونة الروح البشرية. بدأت رحلتي في الكتابة قبل وقت طويل من أي قوائم من أكثر الكتب مبيعا أو تعديلات للأفلام.  بدأ الأمر بشغف بسيط لرواية القصص وحلم بدا مستحيلا ولا يقاوم.

على مر السنين، تعلمت أن كل كتاب هو مغامرته الخاصة، والتي تتطلب الصبر والضعف والإيمان بقوة الكلمات لربطنا. أعرف مدى صعوبة العثور على صوتك، ومواجهة الرفض، والاستمرار في الإيمان بقصتك عندما يبدو الطريق إلى الأمام غير مؤكد.

لهذا السبب أحب أن أسمع منك. ما هي التحديات التي واجهتها في رحلتك الكتابية، وما هي الخطوات التي اتخذتها للمضي قدماها؟

مسار كل مؤلف فريد من نوعه، لكنني أعتقد حقا أنه مع المثابرة والقلب، تجد كل قصة قرائها في الوقت المناسب. أتطلع إلى سماع رحلتك والدروس التي شكلتك على طول الطريق.

تحياتي الحارة ،،،

كريستين هانا

عزيزي عيسى، شكرا جزيلا على رسالتك المدروسة ومشاركة الإرث الرائع لعبدالله خليفة. لقد تأثرت حقا عندما قرأت عن حياته وشجاعته وإسهاماته الأدبية العميقة في البحرين والعالم العربي .تعكس مجموعة أعماله فهما عميقا للنضال والأمل والقوة التي لا تنضب لقيم الروح البشرية التي يتردد صداها لدى الكتاب في كل مكان.

لقد ألهمتني بشدة كيف تشابك رواية قصصه بين الفن والتاريخ والوعي الاجتماعي، مما يوفر صوتا للحقيقة حتى في أوقات التحدي الكبير. إن تفانيه في الأدب على الرغم من المشقة هو شهادة على ما يعنيه أن تكون كاتبا ملتزما بالهدف.

سيكون شرفا لي أن أتعلم المزيد عن رحلته الإبداعية، وكيف تعامل مع قصصه، وما كان يأمل أن يحمله القراء معهم من عمله. يذكرنا كتاب مثل عبدالله خليفة بأن الكلمات يمكن أن تدوم أكثر من الزمن وتتجاوز الحدود.

مع التحيات الحارة والإعجاب،،

كريستين هانا

,Hi

I’m Kristin Hannah, author of The WomenThe Great AloneThe Nightingale, and more than twenty other novels that explore love, courage, and the resilience of the human spirit. My writing journey began long before any bestseller lists or film adaptations. It began with a simple passion for storytelling and a dream that felt both impossible and irresistible.

Over the years, I’ve learned that every book is its own adventure, one that demands patience, vulnerability, and faith in the power of words to connect us. I know how challenging it can be to find your voice, to face rejection, and to keep believing in your story when the path forward feels uncertain.

That’s why I’d love to hear from you.
What challenges have you encountered in your writing journey, and what steps have you taken to move through them?

Every author’s path is unique, but I truly believe that with persistence and heart, every story finds its readers in time. I look forward to hearing about your journey and the lessons that have shaped you along the way.

Warm regards,

Kristin Hannah
Award-Winning, #1 New York Times, USA Today, Wall Street Journal & International Bestselling Author

Author of The Great Alone and The Women

Firefly Lane – Now a hit Netflix series
The Nightingale – In production with TriStar

Dear Isa,

Thank you so much for your thoughtful message and for sharing the remarkable legacy of Abdulla Khalifa. I was truly moved reading about his life, his courage, and his profound literary contributions to Bahrain and the Arab world. His body of work reflects a deep understanding of struggle, hope, and the unyielding power of the human spirit values that resonate with writers everywhere.

I’m deeply inspired by how his storytelling intertwined art, history, and social consciousness, offering a voice for truth even in times of great challenge. His dedication to literature despite hardship is a testament to what it means to be a writer committed to purpose.

It would be an honor to learn more about his creative journey, how he approached his stories, and what he hoped readers would carry with them from his work. Authors like Abdulla Khalifa remind us that words can outlast time and transcend borders.

With warm regards and admiration,

Kristin Hannah
Award-Winning, #1 New York Times, USA Today, Wall Street Journal & International Bestselling Author

Author of The Great Alone and The Women

Firefly Lane – Now a hit Netflix series
The Nightingale – In production with TriStar

الـسفـــــرـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ: لـ عبـــــــدالله خلــــــــيفة

الـسفـــــر ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ

الحي القديم يتفتحُ بدروبهِ الضيقة اللتوية، كالأيام والأنام ، أحجارهُ تآكلت وتساقطت قشرتها ، وتحولت غيرانها ملاجئ للهوام .
بيوتٌ متراكمة فوق بعضها ، تتشاجرُ ضلوعها وأبوابها ، قميئة ، كالحشائش الفطرية الذابلة ، قماماتها حدائقٌ للذباب ، ومسامُ دروبها تنزف هياكل وفئرانٌ وأشباحٌ ومجانين وغرباء .
في أيامهِ ، كان هذا الحيُ بهيجاً ، صلداً ، لا يدخلهُ أغرابٌ ، مزدحماً بابنائه الضاحكين ، المثرثرين ، وفي كلِ ركنٍ جماعة تلعبُ الورقَ ، أو تغزلُ حكايات السفر . بيوتٌ فارغة ومهدمة ، عششٌ مليئة بلغات عجيبة ، والكلُ صامت ، وغريب ومريب ، والبردُ يعشعشُ في الدروب مع الخفافيش ، والمقهى القريب مليءٌ بقوالب الرجال الذائبين ، ويتصاعدُ غناءٌ من البلاستك اللزج .
خمسة عشر عاماً في السجن ، لم تبق شيئاً على حاله ، تاهت دروبُ الحارات من قدميه ، وسألته العصافيرُ عن جنسيته ، بين الجدران ، في برميل الزيت المغلي ، كان يحلمُ بالتوغل هنا ، بالإصغاء إلى أصوات الأحجار القديمة ، والمطر ، وشرب ماء عيون البنات .
أيضاً كان حلمه أن يطير ، كالنوارس ، بعيداً بعيداً، يخترق جدران البلدان ، ينام في مدريد، ويصيد الطيور في ادغال أفريقيا، يجري وراء الكنغر في استراليا، يرى الجليد في سيبيريا . . . آه كم حلم بالسفر ، بالطيران، بالذبان في عيون المضيفات، بزبدة البيرة في باريس، بالتماثيل المنحنية حباً وحتراماً، بصبايا الشرق الذهبيات الطازجات كالأسماك، بمياه النيل وشقق الدفء والصحو إلى الفجر، بتماسيح الكونغو الكسولة ، بشقراوات الشمال بحيراتهن الساخنة.
خمسة عشر عاماً بين الجدران . لو كان جلده من الإسمنت لانفجر!
خمسة عشر ألف مليون شجار وغناء نازف للحنجرة وليل صامت طويل تئن فيه الوسائد ، وبصقات وصفعات من شرطي صخري يفخر طوال الليل بغزواته للنساء، واليدان ذابتا من الفؤوس والصخور والقيود والأبواب الحديد، وتصير الأحلام مسامير، وتسأل النار: هل من مزيد ؟
حلم دائماً أن يأتي إلى هنا، يسير في هذا الزقاق ، ويتجه إلى البيت العتيق، يفتح الباب، ويدخل الغرفة المقدسة، طوبى لقدميه وهما تطآن تلك البقعة، ويداه تتوجهان إلى الجدار، تحطمان طوبة وأخرى وتنتزعان حقيبة صغيرة مخبأة، تكسران القفل وتطلان في كومة النقود المتظرة.
جبل من الأثداء، ومدن الهند الصاخبة، وبارات آسيا الواسعة، ويداك تلمسان الأعالي، ونساء يحترقن حباً . . وأنت ترقص في كهوف مضيئة ، وتحرق رزنامة الأيام الحجرية. تشرب وتشرب حتى تصير نهراً للحب قطراته دواء للسنين.
خمسة عشر عاماً وهذا الكنز مخبأ هنا، ينتظر حنانه، وأوراقه النقدية يئست من البطالة، والظلمة، الآن ستتحول إلى غابات من الأطفال ، وطيور مهاجرة أبداً.
منذ أن خرج كان الجوع الضاري نزيل جسده. كل أهله ماتوا أو اغتربوا، جاء هنا وسكن غرفة رخيصة شاركته فيها فئران سمينة ومومس عجوز.
ثم رأى بيت كنزه، أنه شامخ بأطلاله.
في السجن كان يسكن معه في فراشه. يسأل القادمين بخبث لص عريق «ماذا جرى للحي؟ إنني أحبه . . أريد أن أعرف ماذا حدث لبيوته وطرقه وبشره؟ هل لا زال مقهاه موجوداً؟ والسكة التي بقربه . . ماذا جر لها »؟
ومرة أعطاه أحدهم سماً وقال أن الحي كله سيهدم، فوصل رأسه إلى السقف، وعاف وجبة سمك نادرة، ورأى فينسيا تغرق، وهو في الصحراء الكبرى جذع يابس يؤشر للنجوم.
تظاهر بالمرض وأرسل إلى المستشفى وطالع صحيفة سمع أخباراً وعاد بحلمه سليماً.
سيخرج! حتماً سيخرج، في ذلك اليوم من تلك السنة سيطلع، ويقابل الشمس والشوارع، ويضع السماء مظلة فوق رأسه، ويعطي الدروب البكر لقدميه، والصبايا لدفئه، ويجدف في النيل، ويغرف التربة الحمراء في الأوراس، ويصعد إلى الألب بكرة من الثياب، وقلب من الشباب.
وها هو الآن يقترب من بيت المرأة الشهية، حيث كتريه هناك. فور أن خرج تمترس في هذا الزقاق بائعاً مرة، مصلحاً لدرجات الصبيان مرة، وهكذا صادق ولدها الأكبر. عرف أن أباه مسافر، وأمه، مع أخيه الآخر، وحدهما في البيت العتيق. فغازل أمه وتمنى لأبيه سفراً جميلاً.
وقد فوجئ بقامة المرأة المديدة، وصدرها الواسع، كمرفأ ذي منارتين عاليتين. فمتى يلقي بمرساته ويتلو صلواته؟
تودد إليها كثيراً، وكانت تصده، وتتطلع إلى شكله الهرم، هيكله العظمي الطالع تواً من التشحيم، برثاء واستياء . وما كانت تدري، أن في هذا الهيكل الشائب كل مولدات الطاقة القادرة على ارسالها إلى المشترى، بل أبعد من ذلك إلى الجنة.
حين يضع رأسه على جدار غرفته، متأملاً انتفاضة مفاجئة لفأر، أو صناعة المومس العجوز لشايها الأسود الكريه، يصرخ:
متى، متى؟ متى يطلع من هذا السجن الدائم، ومن هذا التحديق المستمر للجدران فيه. كرهت شكله، وعافت طلعته . . كأن كل جلده يصرخ معه، ويقفز إلى الماء، أو إلى جسد طائرة عابرة للحلم.
لكن المرأة الشهية طالعته مرة بود، وقالت «الصبيان صارا يحبانك! » فهتف «ومتى أنت؟» فضحكت وأغلقت الباب.
فكر مراراً أن يقفز الجدار المرتفع، ويتسلل كلص إلى البيت، يتوجه إلى الغرفة الأخرى، ويحطم الطوبتين بضربة واحدة، وينتزع الحقيبة ويلوذ بالفرار.
عندئذ تنبثق شلالات افريقيا وقطعانها البكر، يتألق وجه صبية إسبانية في ليل العسل، وتضج بالغناء والورد ساحة في بروكسل. وكأن كل البنايات العتيقة، الصلدة تطل عليه كقرون من النبيذ.
كم استغرق في استكشاف المحيط والطيران إلى القمر؟ ثلاث سنوات . . كان الدم يتفجر فيها من جباه المساجين وينفذ السكر والحشيش وتخنق قطط . وكم ساح في البرازيل بلا نقود وهو يقضي عقوبة في زنزانة صغيرة كأنها حقيبة سفر؟
الآن سيتحقق الحلم.
ها هي المرأة الشهية تدعوه للدخول في الليل البهيم . تضاريسها ناعمة وهو سلحفاة فوق كثبان رملية . جسد من الغيم ورغوة البيرة ولهب الشمس . قطارات تمضي ولا تأتي، غابات تمطر وتحترق، أم تحضنه وتناغيه، وتنزع كل ابر الأيام . كلمات رقيقة وزجاجة دافئة وقصيدة. حمام ساخن في جزيرة الجبال والثلوج.
يصيح الديك، يخرج ناسياً الكنز حتى الليلة التالية، يرى نفسه عالقاً في أضراس الحي وآسيا في الحلم وهو دجاجة في شواية تدور طوال اليوم . . يصرخ: سأكسر الجدار وانتزع الحقيبة ولن أفكر بالمرأة والأولاد والحليب والحفاظات، وسأندفع في السماء صاروخاً موجهاً إلى الينابيع السعيدة!
وتدعوه المرأة الشهية، ويدهش لهذا التجدد في النار، وتحول الكثبان إلى رمان، وهو يسبح في مياه رقراقة تشتعل حيناً، وتتجمد في أحيان، ويرى البراري والجبال والتماثيل، والكركدن يتقافز في فضاء من القمح المشتعل.
إنه الآن زوج، والمرأة الشهية بها ثمرته، وفي كل صرخة على المشترين يرى قطاراً يقتحم نفقاً، وبالوناً يرحل فارغاً، وليس في اليد نقود، وكل فلس ينتزعه الأولاد والخبز وأكياس القمامة .
يأتي متأخراً فلا يبحث عن الجدار والحقيبة الصغيرة المختفية، وفي بعض الليالي ينهض مذعوراً، كأن شبحاً صديقاً يناديه، وذات يوم بحث في كل مكان عن قطعته الصلدة المفرغة فما وعت الجدران نداءاته، ولا استجاب الحجر لأمنياته .
وهو قريب من نبعه الليلي المتدفق حرارة معدنية، رأى صورة الزوج السابق، ملقاة على البساط ، قربه، ولأول مرة يرى شكله واضحاً . إنه يبتسم وكأنه يهنئه بامتطاء فرسه .
صعد ذلك السؤال الغريب المفاجئ النائم تحت قمامة أيامه، كيف لم يسألها أبداً عن ذلك الأب الغائب المسافر الذي لا يرجع؟
ضمته إليها وقالت «لا أعرف ماذا حدث له ؟ ذات يوم رأيته يعثر على شيء في الجدار المتساقط . صمت يوماً كاملاً . ثم زعم أنه سوف يسافر لزيارة قريب له . بعد أن أغلق الباب وراءه لم أره بعد ذلك أبداً . سمعت مراراً عنه. قيل إنه مرة في الشرق ومرة في الغرب .
لا أدري ماذا جرى له . . لماذا تسأل؟» .


4 – سهرة «قصص»، 1994.
❖ «القصص: السفر – سهرة – قبضة تراب – الطوفان – الأضواء – ليلة رأس السنة – خميس – هذا الجسد لك – هذا الجسد لي – أنا وأمي – الرمل والحجر».

المقالات العامة

الخــــــروج _ قصةٌ قصيرةٌ : لــ عبدالله خليفة

الخــــــروج _ قصةٌ قصيرةٌ

انتشى وهو يصعدُ السلم ، صعدَ قمةٍ شاهقةٍ ولمسَ السحبَ وذاقَ المطر . الدنيا صيفٌ والشمسُ تنورٌ متجولٌ . صعدَ وابتسم وود لو يقفزُ إلى الشارع البعيد ويقبل أخاه ويغرقان في احتساءِ هرمٍ من العلب ذات المياه الفضية . هل سيحضنهُ ؟ هل سيراهُ أم يبقى وحيداً ؟
سمعَ نداءات السجناء الأخيرة من الساحة . أي ألمٍ حادٍ ولاذعٍ يخلقهُ خروجهُ ؟ الأفواهُ تعبرُ عن الفرح والتمنيات الطيبة وترجو الاستقامة المنتظرة والقلوب محروقة بالقضبان. البارحة أقاموا له حفلاً ساهراً ، صدحتْ فيهِ الأغاني ، وعبرتْ إلى الفضاء والمدينة ، ثم ناموا جميعاً ، وبقى وحده سهران ، عيناهُ جمرتان لا تطفئهما بحار العالم.
لا يزال العريفُ يقودهُ أمامه رغم أنه استبدل الملابس الزرقاء بالثياب العادية . حين يخطو خارج القلعة سيكون حراً حينذاك ، أما هنا ، بين هذه الردهات والغرف المعبأة بالمفاجآت فمن يدري ماذا يحدث بعد دقائق ؟
فــُتح البابُ وأُدخل إلى مكتب الضابط . حيّاهُ الرجلُ العجوزُ القابعُ في كرسيه الفخم بابتسامة مشرقة .
– ستغادرنا أخيراً . .
– انتظرتُ هذا اليومَ طويلاً . .
نهضَ الضابط وفتح خزانة حديدية ضخمة ، وأخرج أشياءَ عديدة ووضعها على الطاولة . قطعٌ نقدية ، مفاتيح ، حزام ، أقلام ، كتاب . وضعها في جيوبه وهو يبتسم، القطع النقدية تكفيه لعدة أيام إذا لم يرْ أخاه . هذا أولُ مذاقِ الحاناتِ والشوارع والشطآن . كان حلمُ الخروج والاندفاع إلى أول حانةٍ يدغدغُ نفسَهُ أعواماً حتى تحول إلى همٍ يؤرقه . والآن لا يودُ أن يشربَ . ولا يودُ أن يتعارك هناك ، ولا يود أن يندفع إلى امرأة ما ، بل أن يسندَ ظهرهُ إلى جدار بيتهِ ويتمددُ بارتياحٍ بلا أوامر وبلا سلاسل. يدخنُ ويقهقه بصوتٍ عالٍ لتنبثقَ الضحكات من القلب طيوراً ملونة وفراشات ساحرة .
لم يبق على الطاولة سوى وجه الضابط الذي عاد إلى صرامته .
– اسمعْ ! لا أود أن أراكَ هنا ثانية . لو سرقت فسوف أسلخُ جلدك !
يعرفُ هذا الوجه جيداً . طالما اقتحم الزنازين وسوطهُ في يده . يضربُ به ويرفسُ بحذائهِ الثقيل أيضاً كثورٍ هائج . حين سمعَ إنه يحرضُ السجناء على كتابة عريضة داسَ فوق صدرهِ وألقاه في زنزانة العقاب شهراً كاملاً لا يذوق سوى الخبز والماء والملح .
عندما وصلَ إلى الباب قال :
– اطمئن سوف لن أعودَ هنا ثانية .

الشارع لم يعد كما كان . ظن إنه أخطأ المكان . سار شرقاً حتى وصل إلى عمارات كبيرة ثم رأى البحر . صعدتْ الشمسُ إلى قلبِ السماء ، اختفتْ الظلالُ ، واحترقَ اسفلت الشارع . ايقن إنه نفس الطريق القديم ، فهذا التعرجُ وبقايا البيوت القديمة والوصول إلى البحر تؤكد إنه ذات الشارع القديم . لكن أين الحي العتيق المهترئ ؟ . اندفعت عماراتٌ من بطن الأرضِ ، وعوت وزأرت آلاتٌ تهز التربة ، وازدحم الطريقُ بالعرباتِ والمارةِ والباعة . وجوهٌ غريبة ولغاتٌ غريبة . هنا دكان مرزوق ، حيث يتجمعُ الرجالُ والشيوخ ويلعبون الداما . كنتَ تسمعُ ضربات القطع على الطاولة وأنت مستلقٍ في بيتِ أخيك . الصراخُ العنيفُ بينهم كان يمنعك من النوم وأحياناً كنتَ تفتح النافذة وتطلقُ غضبك عليهم . أين هم الآن ؟ بل أين الدكان والبيت والحي بأكمله ؟!
ظهرتْ عمارة كبيرة فوق أضلاع الحي القديم . في الطابق الأرضي محلاتٌ تجارية ومطعم ، وفي الطوابق الأخرى شققٌ صغيرة وجميلة .
أين ذهب أخوه ؟ أرسلَ عشرات الرسائل أخبرهُ فيها بأشياء كثيرة غير أنه لم يقلْ له أن الأصدقاء غادروا ، وأن الحي الذي كان يعشقُ مُزقت أحشاؤه وحُولَ جلدُهُ إلى ميداليات للسياح . كتبَ الرسائلَ بين جدران البيت وقرب شجرة النبق المليئة بالعصافير ثم انقطعتْ الرسائلُ ولم يعدْ يسمعُ عن أخيه شيئاً . توقفَ سيلُ الأغراض التي كان يرسلها ، وصار يجمعُ بقايا قطع الصابون من الحمامات . بكى في الليل ذات مرةٍ وهو يرى أخاه يغرقُ في خضم بحر متلاطم الموج . سار في الحارات يسألُ الناسَ ومات جوعاً في زاوية مظلمة .
تصور إنه سيجدُ البيتَ ، ويطرقُ البابَ ، ويعانقُ ويضحك ويبكي ويقفز فرحاً في الحوش . وضعَ يدَهُ في جيبهِ فرنتْ المفاتيح .
دخلَ المطعم وطلب عدة أطباق . أكلها بنهم ثم شرب زجاجة باردة . تلمسها بفرح ، وشعر بالسعادة لأنه حر . وودَ لو يرقصُ أو يسبحُ في البحر كما يشاء أو ينام في البساتين متغذياً على البلح .
أراد أن يدفع فذهل لأن جميعَ نقودهِ لا تكفي لسداد الفاتورة . تلفتَ لعله يجدُ أحداً يعرفهُ ولكن لا أحد . فكر أن يزوغ من المطعم بخفةٍ ، ثم تقدم إلى صاحب المطعم وشرح له موقفه . أخذ ما معه وطلبَ منه أن لا يفعلها مرة أخرى .
خرجَ فرأى صديقاً أمامه . كان فاضل أحد المتسكعين الذين طالما سهر معهم في الأوكار . هناك كانت العلبُ تتكدسُ في زوايا الغرفة والطاولة تئنُ تحت وطأة الضربات والأوراق المالية . هل سيتذكرهُ ويحتضنهُ بعد هذه الغيبة الطويلة ؟
نظراته تدلُ على معرفتهِ به وتدلُ أيضاً على الفزع . يقتربُ منه ويصافحهُ ببرود . يدهُ يتألق فيها خاتمٌ براق . ينسحبُ من أمامه بهدوءٍ تام . غضبَ وتألمَ لأن الرجلَ لم يعطهِ أية فرصة ليسأله عن أخيه أو عن الأصدقاء القدامى .
هل اعتقد إنك سوف تطلبُ منه شيئاً ؟ كنتَ ستضعُ رأسك على كتفهِ وتقهقه ، وتذكرهُ بالنكات التي يلقيها . وتشربُ كأساً معه وتفتحُ قلبك وتفضض . .
تراجع إلى الجدار فأمسك واجهة زجاجية وأراد أن يتقيأ أحلامَهُ وأيامَهُ ويركضُ في بحرٍ ويصل جزيرة ليس فيها سوى كوخٍ واحدٍ يسكنهُ صيادٌ عجوزٌ لديه ابنة وحيدة غير متزوجة .
رفعَ رأسَهُ فالتقى بوجهِ رجلٍ شاب يحدقُ فيه مستريباً . تأمل رزم الأوراق المالية التي يعدها . الخزانة الحديدية ليست كبيرة . ابتعد عن محل الصرافة . وجد قفل الباب ليس قوياً ، والمحل ليس بعيداً عن زقاق جانبي . في الليل تأتي ، ليس ثمة ناطورٌ هنا .
فجأة أحسَ بقبضةٍ تمسكهُ من خناقهِ ، التفت بحنق وغضب فوجد سلمان صديق السجن يحتضنهُ بشوق ، ويخضهُ بقوة . يقبلهُ بنهم وكأنه يشمُ البحرَ هناك والأحجار الكبيرة الرابضة على الشاطئ والبساتين والبركة الكبيرة العميقة المياه .
يضحكان معاً ، ويشير سلمان إلى محل الصراف بعينهِ ، فيدقُ قلبهُ بهلعٍ ، يبتعدان .
– هذا صرافٌ جديد ولكنه كسبَ الملايين وهو قليل الخبرة ، فكثيراً ما يدعُ أكداس النقود في الخزانة ليلاً .
– ولكن لمَ تقول لي ذلك ؟ !
– لدي صديقٌ آخر ، ونحن نحتاج إلى زميلٍ ثالثٍ لتكتمل الخطة .
أحسَّ بحبلٍ يلتفُ حول عنقهِ ، جاءت الجدرانُ الضيقة والسياط وبراميلُ البولِ اللعينة ، بعُدت الملاهي والقناني والفتياتُ ، سمعَ النحيبَ والاعترافات الكاذبة والصحيحة والتمنيات بحياةٍ مستقيمةٍ ورأى الأرزَ اليابسَ وسمع البكاءَ المرير فانتفضَ بغضبٍ وكرهٍ ورغبَ لو يصرخُ بأنه لن يعودَ إلى هناك !
– ابتعدْ عني !
– لن تجدَ عملاً !
– لا أريدُ أن أرى وجهك !
– ستموتُ جوعاً !
– ليكن !
– عند حدوثِ أولِ سرقةٍ بعد خروجك سيلقون القبض عليك !
– . . . . .
– وعندما تعيشُ شريفاً سيلقون القبض عليك مشككين في نزاهة دخلك !
– لا أريدُ أن أسمعَ !
– وحين لا يكتشفون الفاعلَ لأية جريمة سيجرونك ويكتبونها باسمك !
– دعني أيها اللعين !
– وما أكثر الاعترافات المزيفة والبلاغات الكاذبة !.
انفلتَ من بين يديه وانفاسهُ اللاهبة تحرقُ وجهَه . لو يطير ويجدُ نفسَهُ فجأة في بستانٍ كبيرٍ يحرثُ الأرضَ ويسقي الزرعَ ! لو تختفي هذه العملات والأحذية السوداء الثقيلة والملابس الرثة !
– أين ستنام وتأكل ؟
اندفعَ بعيداً ، سيجدُ مكاناً ما ، كوخ امرأة عجوز طيبة ، شقة متواضعة عند أصدقاء أخيه . سيعملُ ويغدو شيئاً آخر . سيشقُ الأرضَ والزحامَ والكآبة .
– أنت تعرفُ بيتي ، إنه لا يبعدُ عن هنا كثيراً !


امامهُ البحر وخلفهُ المدينة القاتمة . قاربهُ العجوزُ مقيدٌ إلى الشاطئ لا يبحرُ أبداً . جثم فيه واستكان . المعدة الفارغة تؤلمهُ بأحلامها ورفساتها . رقدَ في القارب عدة ليالٍ، ملأ قاعَهُ بقطعِ الثياب والقش .
أراد أن ينام . آلامٌ غريبة سرتْ في اعضائه ، تمددَ بصعوبةٍ كمضربٍ عن الطعام أشرفَ على الهلاك . نهضَ وأطلَ على العمارة الكبيرة الجاثمة وراءه . النافذة التي يراقبها كلَ ليلة أضيئت . أزيحت الستارة قليلاً وبدت المرأة الشقراء متلألئة كالشمس . اقترب منها رجلٌ وقبلها طويلاً .
لا يشتهي القبلة الآن ، بل لحماً مطبوخاً وخبزاً وزجاجة نبيذ . انحدر رأساهما واختفيا.
توجه إلى برميل القمامة ورأى بضعة كلابٍ تتعارك على الأكياس السوداء المنتفخة بالبقايا ، تمزقها وتبعثرُ محتوياتها ويجدُ كلُ واحدٍ وجبتـَهُ فيسودُ السلام.
طرق أبوابَ الشركات والمعامل ، جرتهُ الشمسُ من بابٍ إلى باب ، انتظرَ ، لم يستطع أن يستخرجَ بطاقة عمل ، أخذ الأوراقَ إلى كلِ مكان ، ووجدَ جملة تلتهبُ في عينيه «من أرباب السوابق» . كاد أحد المحامين أن يشغلهُ لولا أنه تذكر : ألم أرك من قبل ؟ !
صرخَ في الليل البهيم : أين أخي ؟ كان هنا يتكلم ويتألم ، قال له لا تسرقْ . ضربَ يدهُ بالعصا . فسرقَ البيضَ وباعهُ . سرقَ خاتمَ أمِه الذهبي وكسرَ الحصالة وباع الدجاجَ وافتض الخزائن . وبعد كل سرقةٍ وهربٍ وتمتعٍ وأنسٍ عودة ذليلة إلى البيتِ وطاعة وتظاهر بالاستقامة .
كان هنا يصرخُ فيك قائلاً : اقرأ ! قادك إلى المدرسة مراراً فتسلقتَ السور . ذات يوم رأيتهُ يبكي وهو يندفعُ نحو القضبان إليك !
ماذا بقى من البيت لكي يصرفَ عليك ؟ ثم استسلم . . يكتب إليك الرسائل ويشك في الاستقامة الموعودة . ابتسامته الغريبة قالت إنك وحدك الآن . ثم صمت تماماً . دهشتَ ذات مرة حينما استدعاك الضابط وراح يسألُ عنه . ماذا كان يفعل ؟ بمن يلتقي ؟ لماذا لا يكتبُ لك الرسائل الآن ؟
ماذا قال في رسالتهِ الأخيرة ؟ تذكرْ ! تلك كانت الوصية . كان مستلقياً في الأرض التي يزرعها في السجن ، يتابعُ تدفقَ الماء إلى النبتات الطرية ويبتسمُ بابتهاج مطالعاً الغيومَ بأمل وحب . حينذاك قذف شرطيٌ الرسالة من فوق السياج . سطورُهُا الغامضة جعلتهُ يترنحُ . صمتَ الماءُ في الجداول واحترقتْ السحبُ في الفضاء .
هو الليلُ إذن . كيف تخلى عنهُ في اللحظة التي وصلَ فيها إليه ؟ السنواتُ الأخيرة التي نقبَ فيها عن الضوء وحرثَ الأرضَ وغرسَ البذار ، السنوات التي ابتعد فيها عن معارك السجناء والحشيش وكتابة التقارير وحبوب الفاليوم !
لم يصدقْ إنه رحل . ظل يحلمُ به . سيجدهُ حينما يخرج ، سيظهرُ إليه حتى من تحت الأنقاض !
هو الليل إذن ، لا بد أن يذهبَ إلى الحقول .
سمع صوت سيارة تقترب . وقفت بقربهِ ، رفع رأسه فوجدها سيارة شرطة . تساءل : هل بدأت المتاعب ؟
اقترب منه شرطيٌ وتفحصهُ بمصباحهِ اليدوي . ثم وضع يدَهُ في كومة الملابس.
– هل سرقت كل هذه الثياب ؟
– كلا ولكن الناس هنا حين يموتُ أحدهم يلقون ثيابه عند البحر . أنا اجمعُ ثياب الموتى .
– هيا ابتعد عن هذا المكان .
ود من أعماقه أن يتمهلوا ويدققوا فيه لعلهم يجدونه لصاً خطيراً . لو نام هنا مرة أخرى فلن يجروه إلى السجن بل سيضربونه بقسوة ثم يدعونه في حال سبيله . سيكونُ نوماً لذيذاً لو نام بين أصدقائه هناك ، الوجبات تأتي في موعدها المحدد ، والمرء له فراشه، والعمل متوفر !
قفز من القارب وانتبه إلى النافذة المضاءة ولكنه لم ير العاشقين . دخل الأزقة والدكاكين حتى انهارت ركبتاه . وقف عند مدخل المطاعم المليئة وحدقَ في الدجاج المقلي المتقلب على النار الهادئة .
في أطلال الحي القديم وجدَ صديقاً قديماً . احتضنهُ بشوقٍ ، ففاض معه بكل ألمه وجوعه وقذارته . قاده الرجلُ إلى بيته ، حاول أن يتذكر اسمه فلم يفلح . جاءَ أهلهُ ونظروا إليه بدهشةٍ وهو يأكل بضراوة . ثم تمدد وحاول أن ينام وهو بين الخجل والتعب والحزن . سمعَ صوتاً لرجلٍ آخر يقول : «كيف تدخل مجرماً إلى بيتنا؟» الصديق يحاول أن يهدئ الرجل لكن الصوتَ يعلو ، وهو مخمورٌ بالإرهاق والأكل والألم المرير الذي تحول إلى منشار يشقُ قلبَهُ . تذكر سلمان والخزانة والفرح الذي كان في الأرض المحروثة والماء والوسادة المريحة ، تصور نفسَهُ في حلم ، والقاربُ العجوزُ يندفعُ في البحر ويأخذهُ إلى الجزيرة . نهضَ متحاملاً على نفسه ، جامعاً أوراق فكرهِ المبعثرة ، والقاربُ يتراقصُ في الموج ، والهواءُ نقيٌ في الخارج وعند البحر.

غاصت قدماه في الماءِ الموحل ، الشمسُ الكبيرة ، قارة النار ، تتدلى فوق رأسهِ . راح يحكُ جلدَهُ بألمٍ وحدة . يرفعُ كومة ثيابٍ من طريق الجدول ، فيندفعُ الماءُ إلى غابة البرسيم العطشى .
جاء قبل أيام إلى البستان . القاهُ باصٌ مشحونٌ بالركاب في الطريق الزراعي . أشعث، ممزق الثياب ، لم يذق الأكل .
وصل إلى قناعة بأنه سوفَ يسرق . ربما لو لم يحصل على عمل هنا لأندفعَ إلى البساتين . . كان متأكداً إنه سوف ينتزع اللقمة بالقوة من أحد الأفواه .
وقد أكد له مستأجر البستان إنه لا يستطيع أن يشغله بهذه البساطة ، فلا بد أن يسلم أوراقَهُ إلى أقرب مركز للشرطة . تطلعَ إليه بريبةٍ وهو يحصدُ البرسيم بمهارةٍ وسرعة ويكومهُ قرب البركة .
انحنى على الأرض بألمٍ بالغ . سمع زقزقة عصافير ، كانت تلعبُ وتضحكُ وتطير عبر رؤوس الأشجار .
ولم يوافق العجوز إلا بعد أن تنازل له عن ثلث أجره .
جاءت شاحنة وألقت كومة هائلة من السماد . دعا العجوز الفلاحين إلى نقل السماد للأرض المحروثة . أخذ عربة واقترب من الجبل الأسود . الرائحة ابعدت العصافير والضحك . ملأ العربة واندفع بها عبر طرقٍ ضيقة . في جزيرةِ السجن النائية كان يعملُ ثلاثَ ساعات وينام ثلاث . وهنا عليه أن يصحو منذ الفجر وينهارُ تعباً عند المساء . سقطت العربة من يدهِ فرفس السماد بغضب .
دفع الفلاحون الكبار في السن عرباتهم ببطءٍ وحذر ، كانوا يثرثرون وهم منحنون . ملأ العربة مرة أخرى وسار على مهلٍ ، عضلات ساعديه تمزقت ، فجلس تحت شجرة وارفة الظلال . سمعَ نداءً بعيداً ، كأنهُ صوتُ أخيه . يناديه من مسافاتٍ شاسعة ، في محطةِ قطارات مليئة بالبشر مثلهُ ويفكرُ فيه . أصرخْ ، أصرخْ ، لكن لن تمتدَ نحوكَ يدٌ ! أمضِ في البرية حتى تتحول إلى وحش . كانت يدٌ قوية حانية تمتدُ إليك ، كان قلبٌ واسعٌ تتدفقُ ينابيعه بين يديك . . .
وجاءَ المساءُ ، واندفعَ البعوضُ إلى الجلد ، أشعلَ ناراً فظلتْ تلسعه وتأكلُ جلدَهُ نيئاً .
أحسَ بجبلٍ يجثمُ فوق صدرهِ ، يريدُ أن ينامَ ، الأبقارُ تخورُ ، الجنادبُ تحزُ سمعَهُ . أغلقَ الكوخَ ورقد ولا زال جلدُهُ يتورم .
كم اشتاق إلى أيام السجن ! فكر في سلمان والخزانة المليئة بالأوراق النقدية وشهر من المتعة وإخفاء بعض النقود في مكان ، والاعتراف على بعضها الآخر وقضاء وقتٍ معروف بين الجدران .
لا يمكن أن يستمر هنا . اشتعل جسدهُ فصار يمزقهُ بأظافرهِ ، يتألم ثم يصرخ ثم يغفو ثم يصحو . ويرى الضابطَ يتقدمُ إليهِ وهو يبتسم «ألا تريد أن تعترف ؟» ، «سأعترفُ يا سيدي ، نعم سرقتُ الخزانة» ، «هكذا بكلِ بساطة ، بدون تعذيب ؟!» .
يلبسُ ثيابَهُ ويجري خارجاً . يندفعُ ويصدم شيئاً ما ، يجري وهو يلعنُ القذارة والبعوض والخزائن والبساتين . يصرخُ عالياً ويحكُ جلدَهُ ويمضي ، يندفعُ في الباص المندفع ويغوصُ بين أرتال الواقفين والجالسين ، يحسُ أن محطتهُ الأخيرة هي بيت سلمان . الوداع للاستقامة والأسمال والمعدة الفارغة . يشعرُ بسعادةٍ غريبةٍ وكأن كابوساً قد انزاح من رأسهِ . يضحكُ فجأة ، وبصوتٍ عالٍ ، لم يقلْ أحدٌ نكتة ، والزحامُ على أشدهِ ، وهو يجلجلُ بضحكةٍ صاخبة .
ثم يتذكر . . القضبانَ والأقفالَ والأحلامَ والنساءَ والزجاجات المليئة والأسرة والأطفال وأخاه ويدَهُ الممدودة عبر المسافات والأسطر المضيئات وأحذية الشرطة فوق الرأس والنوم من السابعة وأكل الملح في زنزانة العقاب فيهتزُ ألماً وحقداً وغضباً ومرارة ، ويريد أن يجلس ، فلا يستطيع ، ويريد أن يحلم فلا يستطيع ، فتبدأ الدموعُ . .
نزلَ من الباصَ ، لا يدري أتلك الأضواء هي الحي القديم ؟ غاصَ في ضجةٍ مدويةٍ وسارَ بتعبٍ وإعياء حتى سقط وزحف في دربٍ مظلم ، ظن أن بيت زميله اللص ليس بعيداً . هناك سيطفئ جذوته ويضحكُ باكياً لخيبتهِ . .
ثم يجلسُ على الأرض . يفكرُ بهدوءٍ ويقرر أن لا يذهبَ . يستندُ على الجدار الحار ويقرر أن لا يتقدمَ خطوة واحدة . يشعرُ براحةٍ مؤلمة وسكينة شاملة وحاجة ماسة لغفوة صغيرة .

ـــــــــــــــــــــــــ 3 – يوم قائظ «قصص»، 1984.

❖ «القصص: الدرب – أماه… أين أنت –الخروج – الجد – الجزيرة».

المقالات العامة

 المذبحة ــ قصةٌ قصيرةٌ : لـ عبـــــــدالله خلــــــــيفة

المذبحة : قصةٌ قصيرةٌ

كان يوماً رائعاً، جميلاً، إذ هبت نسمات منعشة فوق الوجوه، وتطاير الغبار في مكان ما، وأهتزت أشجار، وكأن ذلك الفرن المشتعل قد توقف فجأة، وأنفتح الباب لصباح رقيق، كثيف النور.
أحسن عاشور بكل العالم بين يديه، وهو يصل إلى سطح خزان الماء. أحتضن الهواء، وأمتلك ببصره كل آفاق البحر الواسعة، الزرقاء، الشفافة، المترامية، وكأنه فوق صاري سفينة عملاقة منطلقة نحو الصيد. أشعل السيجارة وعب الهواء، ورمق الشاطئ اللامنظور بحزن ولهفة. ثم صعد إلى الخزان وأزاح الغطاء.
كاد يتقيأ. كانت هناك طبقة من العشب البدق الاخضر القاتم، ورائحة شبيهة برائحة القبر المفتوح. أزاح الطبقة الآسنة، ورأى في عمق الخزان جثتين صغيرتين. بصق بحدة، وانتزع بمغرفته احدى الجثتين، فرأى قطاً متآكلاً، ذائباً، بملامح رأس مشوهة.
نزل وهو يحمله. ثم توقف رامقاً باحة السجن بغضب. صرح لكن صرخته انفجرت في حنجرته. ورأى الرجال كعربات من قطار مفكك بعيد عن خطه. صرخ مرة اخرى، وهبط إلى الساحة، التى انتبهت رويداً إلى تشنجه غير المثير.
وبدا السجناء الرابضون قرب زنزاناتهم اشبه بقطيع من الدمي، وهم يرفعون رؤوسهم ببطء، أو يدعون الورق يقع من ايديهم، مرتعشاً، فوق التراب، أو وهم ينقطعون عن تنظيف القدور السوداء الضخمة القذرة بقطع من القماش المهترئ المعجون بتراب، أو يخططون لهجمات مباغتة ضد بعضهم البعض، بالزجاجات الفارغة أو الاحزمة الجلدية المُطعمة بقطع الحديد البارزة. أو وهم ينهضون من إسرتهم المشتركة وترديد قصص جرائمهم التي لا تنتهي.
لم ينتبه الكثيرون إلى الراية، الجثة، الشوهاء، المرفوعة، وعادوا إلى ورقهم وقدورهم وزواياهم المعتمة، وخكاياتهم المكررة اللذيذة، وسعى إلى عاشور ثلة من الفضوليين وحكماء السجن، الذين ذهلوا من المضاجعة المخزية للقطين الميتين في خزانهم المائي الوحيد، وتساءلوا، وبعضهم كان يمضغ بنهم خبز يابسة، عن الكوارث الصحية القادمة. واتسعت الدائرة المحدقة بعاشور الذي انحنى مشمئزاً باصقاً، نازفاً مذاق الماء من جسده وكأن كل شربة ماء من الحب الابيض الكبير، الملفوف بقطع الخيش الكثيفة المبللة، تتراءى فيها الآن عيون قط ذائبة، أو ذيل مقطوع الجلد، مصهور.
وجاء شعبان متحمساً، وضربت قبضتيه الجمع بفظاظة وغلظة، وانهالت بصقاته على اكتافهم ورقابهم. وأتاح له جسده العملاق، وعضلاته البارزة، إزاحة كتل اللحم الضامر، والعظام الدقيقة الحادة، المحشورة، في الخرق الزرقاء الباهتة. وحين رمقت عيناه المحمرتان الضخمتان، من أثر الخمرة الرديئة التي يصنعها من أي مادة حية تصل إلى يديه، القط المتحلل، ابتسم هازئاً، ولم يجد غرابة في بقاياه الثمينة التي ضاعت منه. ولكن دمدمة الجمع الغاضب تسللت اليه, وبدت تساؤلاتهم الهازئة بشربهم، تثير فيه بقوة مشاعر الألم والحسرة والغضب.
وبرزت في ذهنه، بغتة، ذكرى انتزاعه من الأرض الصغيرة الزراعية التي عمل فيها طويلاً، والقائه مع سجناء التنظيف، الذين يتسكعون في الجزيرة، ملتقطين أوراق الشجر الذابلة، والثمار الميتة، وكل ما يتقيأة البحر. اندلعت آلام الايام التي قضاها متلوياً في زنزانة العقاب الضيقة، وهو يسمع مواء القطط المزعج دون أن ينام، وشجاراتها الصاخبة قرب برميل القمامة، ورأسه.
أنتزع القط المشوه من رقدته الابدية، وصرخ بقوة، فانهارت الدائرة البشرية المتصدعة، وذهلت شظاياها من هذه الوثبة العظيمة التي فجرها شعبان، وامساكه للقط باصبعين من يده فحسب، وقفزه السريع إلى هدف بدا مباغتاً وغامضاً، وهيئيه التي تحولت إلى مارد مجنون.
تبعوه، فاذا هو يبرق امام الزنزانات، تتأمله وجوه اصحابها الهادئة الساخرة التعبة. يحرض باندفاع لغوي سريع ومرتبك وغامض، يجمع بين الماء الآسن ومواء القطط الليلي الكثيف الشهواني الداعر، وصعوبة مضغ الارز اليابس الحجري، ومزرعته التى أعطيت لصالح الذي يربي قطاً سميناً شرساً.
وأدى ركضه المضطرب، ليس إلى انتشار القواقع البحرية الصغيرة الجافة وراءه، كشريط فوضوي ساطع، وتبعثر بقايا الحيوان الميت، بل وإلى صخب ضاحك واستهزاء مثير بمجنون القطط، الذي لم يصل به ركضه المتشنج إلى أي باب.
لكن عند نهاية الشوط، وجد ان قلة من المساجين ركضت وراءه، صارخة مثله، لأشياء تمتد بين غياب النساء وحزن الشتاء. ووجد أيضاً، حسون الاعرج، وهو يداعب قطته «سمور»، ويضعها بين قميصه وصدره، سارداً لها حكاية قتله لزوجته خنقاً بعد أن وجد آثاراً لرجل غريب. امتدت يد شعبان إلى قلب حسون المشدوه، منتزعة سمور المتألمة الضاجة بصراخ انثوي حاد ومثير، ولم تنفعها خرمشاتها الباهتة فوق قبضة ازاحت نصف مرتفعات الجزيرة، ولم تجدِ تضرعات حسون وجريه وراءه وصياحه وبكاؤه الغريب الحاد الملتاع، وسرعان ما أنهار فوق الأرض، نافضاً الرمل بقدم واحدة، بينما عجزت الاخرى عن الاستجابة لانفعاله القوى.
ألقى شعبان القطة وراءه، فتلقفها مريدوه الذين أزدادوا عدداً، وراحوا هم انفسهم يبحثون عن القطط، بضراوة.
لكن كأن السجناء اصحاب القطط انتبهوا فجأة. فاختفت اللواتي كن يركضن، في الساحة، وراء خيط، أو الناعسات فوق الأسرة، أو الجالسات في الفناء، يتطلعن إلى الرجال باغراء مؤدب.
لكن بعض الغافلات عند براميل القمامة وجدن احجاراً قاسية تنهال على رؤوسهن. وظهر مردة فوق الصخور يلاحقون القطط البرية الشرسة بالفؤوس. ونصبت مشانق في الساحة تدلت منها اجساد غضة. اندفع شعبان وعاشور إلى بستان صالح، كتفه احدهما، بينما خنق الآخر قطه وألقاه في البركة.
في الليل، تجولت اكواب الشاي تحمل سائلاً حامضاً منعشاً. تمدد شعبان وراح يقهقه. تعالت اصوات الرجال داخل القفص الكبير. لا تزال رائحة غريبة في يده. صابونة كاملة لم تستطع أن تزيل صيحات القطط ولا معركة سريعة عند المطبخ. يضحك بقوة، لكن الضحك لا يصل إلى قعر قلبه.
18/1/1993

المقالات العامة

الشاب فيصل | كاتب | قارئ من السعودية

اسم الكتاب: اللآلئ
المؤلف: عبدالله خليفة
الصفحات: 124

يكتب عبدالله خليفة الروائي البحريني المعروف، روايته الأولى، مُنكّهةً برائحة البحر، والغوص، وصيد اللؤلؤ، الذين كان تجارة عظيمة في البحرين والكويت وسواحل الخليج العربي عموماً، ما بارت إلا عند ظهور اللؤلؤ الصناعي، يكتب هذه الرواية متلمساً الماء، واللآلئ رزق الجزيرة الصغيرة الوفير، حيث تدور أحداث العمل حول موسم الغوص، حين ندّت عاصفة قوية ضربت البحر، فلم تثبت سفينة إحدى النواخذة ولم تستطع النجاة بسهولة، ضاعت في وسط البحر، وتحطمت، وأخذ البحّارة يتلمسون طريقهم بأي صورة للعودة لأهليهم، حيث وجدوا صحراء قاحلة وحارقة في انتظارهم، غذوا السير إليها، والطمع والجشع، والموت والجوع والعطش يناوشهم بين حين وآخر، وبين فرد وآخر، كان النوخذة نهماً، أراد أن يخبئ اللؤلؤ ويسرقهم، لكن مع الوقت، يكتشف أن الآلئ قد ضاعت مرتين، ولم تعد، وإلخ..
اللغة في الرواية رشيقة، وجميلة، والعمل قصير أساساً، لكن فيه عمق، وغزارة في الأحداث والتوصيفات، بل والتشبيهات.
عبدالله خليفة، روائي من البحرين، والخليج، مبدع، رحم الله هذا الكبير!
قُرئت هذه الرواية من مجلد الأعمال الكاملة طبعة 2004.
اقتباسات:
“بعيدٌ عنكِ أصبح غريباً، متوحشاً، أجري من أجل الأحجار البراقة. وحين آخذكِ بين ذراعي وأطل في عينيك، وأسمع صوتكِ، ونتحدثُ وننسج خيوطاً أخرى، تبدو الحياة جميلةً بلا أنصالٍ أو قتال.”
“أنتَ أيضاً مثلهم. ينزفُ قلبكَ حنيناً ولوعةً، تحلق كطائرٍ أضاع عشه.”


اسم الكتاب: القرصان والمدينة
المؤلف: عبدالله خليفة
الصفحات: 88 (100 طبعة الأعمال الروائية)

القرصان والمدينة، ثاني أعمال الروائي البحريني الراحل عبدالله خليفة من بعد الآلئ، وهذه الرواية تختلف اختلافاً كلياً عن الأولى من المبدأ، المضمون، الفكرة، السرد، اللغة، وإلخ.
تدور الرواية حول أشياء عديدة، وتحديداً حول سلمان، وكامل، سلمان المدرس البسيط، الذي يحاول أن يصنع من كلماته وأوراقه قصائد سيّالة بالعذوبة، والدهشة، يريد تفجير الطاقات والمواهب الكامنة فيه، وهو متزوج من عفاف، ولديه ابنة اسمها ندى.
وكمال، كمال الشاعر الشهير نوعاً ما، الذي قبع في السجن لعدد من السنين، والذي أراد أن ينتقم من سلمان لدوافع كثيرة غالبها غير مبرر، فيسرق منه زوجته، ويأخذ ابنته ولا يسمح له برؤيتها، بل ويتجنى عليه ويدخله السجن.
كمال كان يكتب روايةً بعنوان القرصان العجوز، والحقيقة من خلال معطيات الرواية، والفصل المنشور منها، اعتقدت أنه يقصد بالقرصان العجوز، البحّار الكبير جابر بن رحمة الجلاهمة، الذي كان مصدر رعب لدى البريطانيين، وله جولاته المشهورة في شواطئ الخليج.
عموماً، تتوالى الأحداث طبعاً ويتغير حال سلمان، وكذلك كمال وعفاف، ويقبع سلمان في السجن ويتجرع بمرارة من نفس الكأس التي تجرع منها كمال.
شعرت أن الرواية تحوي إسقاطات عديدة وبخاصة إسقاطات سياسية، كانت تتحدث عن أمرٍ غريب كان يلاحظه سلمان في المدرسة، وهو دخول عدد من الطلّاب “الحلوين” في إحدى غرف المدرسة، ويخرجون بتفوق، واتضح فيما بعد أن هؤلاء الأطفال كان يتم اغتصابهم بالفعل.
وشعرت أن الرواية تتحدث عن الوجه الآخر للمدينة، الوجه الفاسد الجشع الطماع، الوقح.
على كل حال هذه رواية جميلة ورائعة.
اقتباسات:
“أحببت أمي وأبي كثيراً، لم أحبهما بشكل أسري، بعلائق الدم الزائلة في التراب والملح وفي الأسعار، أحببتهما كنجمين سطعا في سمائي، أُم كانت تحول البيض إلى كتب والليالي إلى أساطير من حكايات، وأبٌ غرق في دخان المصانع وراح يبصق دمه لي شعراً وفي كل قطرة من دم أرى يداً تُقطع، أو موهبةً تموت.”

اسم الكتاب: رواية أغنية الماء والنار
المؤلف: عبدالله خليفة
الصفحات: 182

يكتب عبدالله خليفة في هذه الرواية عن أشياء كثيرة، يكتب عن الخيانة، والحب، يكتب عن الماء والنار، يكتب عن الجمر، والرماد، يكتب ويكتب.
وكل هذا بلغة سلسة، وجميلة، رقراقة كأنها مغروفة من بحر.
في الرواية أصوات متعددة، ويبقى صوت راشد أهمها كون الرواية تدور معظم أحداثها حوله، راشد سقاء الماء، الذي كان يسقي الحي بالماء، يرقص مع الأطفال، ويقص عليهم القصص، يغازل النساء، يتلقى سيلاً من السخرية من الناس، السقاء الذي سرعان ما تحول إلى سائق سيارة يعمل تحت إمرة سيدة الأرض، السيدة التي اختلس نظرةً إلى جسدها العاري، فرَكَزت من وقتها في ذهنه، وانطبعت في ذاكرته!
المرأة التي رأى البلور مترقرقاً من عينيها، والصفاء يشع من جسدها، أصبح تابعاً مخلصاً لها، بالغ وأسرف في حبه لها، إلى أن آلت الأمور إلى ما آلت إليه في أحداث العمل.
ولا أدري لماذا عمل كهذا لم يُطبع غير مرةٍ وحيدة فقط، -هذا ما عدا طبعة مجلد الأعمال الروائية- خاصة وأنه دخل قائمة أفضل 100 رواية بحرينية، ومن دولةٍ لا يكاد يعرف أحد عن الأدب فيها، وأدبائها وروائييها!
ولا أعلم لماذا كثير من روايات القائمة السالفة لم تطبع إلا مرة واحدة!
عموماً بهذا العمل، تنتهي رحلتي مع مجلد الأعمال الروائية الخاص بعبدالله خليفة والصادر عام ٢٠٠٤، وضم 4 روايات هي الأولى في مسيرة الراحل الروائية، وكلها تدور في فلك الماء والبحر تقريباً.
إن لعبدالله خليفة دهشة متخفية وكامنة بين أسطر رواياته!

الكتاب: رواية اغتصاب كوكب
المؤلف: عبدالله خليفة
الصفحات : 118

هذه رواية خطيرة، محاورها وموضوعاتها خطيرة، تغوص في الذوات البشرية، والضمائر، بين نيران الشهوة القاتلة، التي أدت لاغتصاب كوكب خطيبة إسماعيل، من أخيه سيد عمران، وبين العمائم السوداء، والبيضاء الدينية، أي رجال الدين، ونرى كذلك صراعاً بين الأخوين، متعلقاً بالمال، والمرأة، وصراعات الورث.
عموماً كالعادة، لا يدخل الروائي البحريني الراحل عبدالله خليفة إلا للمواضيع الحساسة والخطرة في رواياته، وكأنه يتوغل منطقةً لم يجرؤ عليها أحدٌ قبله.
اقتباس:
❞ تطلع فيه بحيرة. أحسَّ بشظية إنكسار تسقطُ من الجبل، كأنها الحصاة لها صوتٌ ودمع وصدى.❝
❞ جافٌ جفافاً رهيباً، صامتٌ لا ينبسُّ بحرف ثم متفجرٌ صاخب. ❝
❞ وعُجن ذلك الزحامُ وإختفى أبوه الذي لم يغب يوماً عن المكان، وفوجئ بضخامةِ الفراغ الذي تركه. ❝
❞ حين حاول أن يدافع عنه مع المدافعين ذابَ في الجمع المنصهر المفتتِ المتجمعِ عند النخيل وفي الخراباتِ ومسارح الليل المضيئة بالجمر والعيون والكلام، وقتذاك تكسرتْ الحواجزُ بينه وبين الجموع، دخل البيوت، تدفقتْ النسوةُ على أمه، أمتلأ البيتُ بالأطباق والزاد، راح يشك في كتبه، لم يشعر بفرح مثل هذا من قبل، كان جثةً تطفو على نهرِ الحياة الرمادي، تتقلقلُ بين الأشجار، وتدافعُ عن أجزائهِا بين أفواهِ التماسيح والكآبة. ❝
‌قُرئت الرواية عبر تطبيق أبجد، من مجلد الأعمال الروائية المجلد السادس.

رواية هدهد سليمان
المؤلف: عبدالله خليفة
الصفحات: 143

يقرر درويش الرفاعي، أن يذهب برحلة إلى الحج، ويرافق إحدى الحملات المحلية الذاهبة لبيت الله الحرام، وحين يكون في باص الحملة، يحاول ألا يحتك بأحدٍ من الحجاج معه، خاصةً النساء، ولذا يشغل نفسه بقراءة القرآن، ثم بعد ذلك، تأخذه الهواجس والكوابيس لأشياء عدة، يمر شريط حياته كشريط سينمائي أمامه، متحدثاً عن حياته، مع أمه وأبوه، وكيف التقوا وتزوجوا وأنجبوه، وكذلك استعرض لمحات من تاريخ عائلة الرفاعي الذي ينحدر منها، ثم يتراءى لنفسه أنه انتقل بالزمن إلى دولة القرامطة، وأنه غدا أحد رجالهم، المتوجهين إلى الكعبة كي يهدموها ويقوموا بسرقة الحجر الأسود، وينهض من كوابيسه، وما أن ينهض منها، حتى يدخل في كوابيس أخرى، ومنها أنه لحق بجهيمان وجماعته، وأصبح فرداً فيها، وهكذا هو درويش، يتنقل من عصر لعصر، وجماعة وجماعة..
الرواية تقدم تداخل عميق وجميل، بين الواقع، والتاريخ، وتداخل درويش نفسه بشخوص كثيرة.
الرواية مكتوبة في العام 2010، ولم تنشر إلا بعد وفاة مؤلفها بخمس سنوات، ومع هذا كنت أتمنى لو الدار الناشرة -نينوى- عملت على تنقيحها من الأخطاء المطبعية والكتابية البسيطة بشكل أكبر.

المقالات العامة

رواية مريم لا تعرف الحداد: ملاحظات وانطباعات

بقلم القارئ علي عيسى من البحرين

الكاتب والروائي عبدالله خليفة كاتب قدير معروف وهو احد اقطاب القصة القصيرة في البحرين؟ وكان هذا الكاتب المعروف في قصصه السابقة يعني بالدرجة الاولى بالإنسان؟ فالإنسان يحظى عنده بالمرتبة الاولى من الاهتمام.
وفي هذه المرة طلع علينا كاتبنا برواية (مريم لا تعرف الحداد) التي كرسها لخدمة الإنسان وإبراز ما يعانيه ويعيشه من حياة وظروف سواء كان هذا الإنسان من المترفين أو كان من البسطاء الذين يكافحون من أجل لقمة العيش وغد أفضل .
في هذه الرواية يتمثل كما هو واقع الحياة،‏ جانبا الخير والشر الضدان اللذان لا يلتقيان إلا في حالة مواجهة مستمرة وجها لوجه. عالم الزيف والترف والجبروت يمثل جانب الشر في هذه المعادلة الحياتية، بينما عالم البساطة والعفوية والطهر يمثل جانب الخير والعدالة والكرامة الإنسانية .
أحداث الرواية تدور في قرية صغيرة من قرى البحرين وهي قرية فلاحية لذلك تسمع فيها اصوات مكبرات الصوت التي تصدح بتلاوة القرآن وكما يقول الكاتب (أصوات الميكروفونات الباكية) ص ‎،18‏ ويدل ذلك انها تخرج من المآتم التي لا تكف عن البكاء في الليل والنهار .
على أحد جوانب القرية يقبع القصر الذي يمثل عالم الزيف والشر. وهو على مقربة من القرية إلا أن الكاتب وصفه بوعي كامل يخدم الجو العام للرواية بأنه بعيد عن البيوت . بيوت الأهالي الفقراء البسطاء الذين يمثلون جانب الخير. وذلك أن الكاتب يريد أن يوحي لقارئه بأن الشر حتى لو اقترب جغرافيا من الخير إلا ان هناك فاصلا يفصله وذلك ما يميزه عنه .
الحدث العام للرواية يقول ان هناك امرأة تدعى (مريم) وقد انجبت ابنا اسمه حسن . هذا الابن ربته هي بعرق جبينها لبعد والده عنه في بلاد الغربة، وكان هذا الولد بمثابة الامل المرتجى من هذه الحياة لكلا الوالدين الأب والأم ؟
ولكن سرعان ما رأت عين الشر هذا الأمل يكبر فعز عليها أن تتركه ينمو ويعمر قلب ونفس الأبوين فاغتالته وأي اغتيال؟ إنه تحويل هذا الامل إلى كتلة معجونة من اللحم الناعم وكلمة الناعم هنا إمعان في إبراز نضارة وخضرة الامل النامي الذي اغتيل غدراً . ثم تحويله الى كتلة معجونة، يتحول بعدها الى سراب يدفن في التراب فيكون تراباً . ومنذ هذه اللحظة يكون الصراع على أشده بين الخير الذي يريد أن يعبر عن نفسه ويريد أن يقول للناس لا بد ان اكون ويعرف الكل ان الحياة يجب ان تكون لي لا لغيري من الذين يعيشون على هامش الحياة!
ولكن الشر يقول أنا أقوى منك ولا بد أن أسود انا فالبقاء للأقوى لا للأصلح وافعل ما شئت، إن استطعت أن تفعل شيئاً وها أنا ذا.
وفي النهاية لا بد أن يكون الأمر كما هو في الواقع مع شيء من التجاوز احياناً أي ان ينتصر الخير على الشر .
ولكن في هذه الرواية انتصار الخير على الشر مختلف قليلاً؟ فالنصر عبارة عن رفض الخير للعروض المغرية التي عرضها جانب الشر ولكن الشر انتصر وذلك بتقييد الخير وتضييق الخناق عليه فهو لم يفعل شيئاً سوى ان أنتظر لكي يأتي مولود جديد ينجبه الخير نفسه ليبدأ المواجهة من جديد وذلك المولود هو النطفة الثانية التي كبرت من بطن الأم (مريم) فيكون الانتصار هنا هو استمرارية الصراع الذي اراد الشر أن يوقفه ان لم يقض عليه نهائياً.‏
ولكنه حتى في حالة ايقافه فالنصر هنا مهزوز وهش إذ أن الخير قد انجب من سيواصل هذا الصراع العنيف من جديد . وهذا توفيق وإجادة وفق إليها الكاتب فالقصاصون يجعلون النصر واقعاً حتمياً يبرز على صورة نهائية وينتهي بعدها الصراع. ولكن نظرة كاتبنا عميقة للحياة ولواقع الصراع الذي نبع حتماً من مخبرة شخصية ثرية تجعل الصراع مستمراً الى ما لا نهاية ؟ وكما اتصور فإنه حينما يجيء المولود الجديد فانه سيكبر ويصارع وينجب لكي يواصل الخلف الصراع وهذا هو النصر الجديد المختلف .
والكاتب في هذه الرواية استخدم في إبراز المواقف أسلوبا جميلاً يوظف فيه الطبيعة لخدمة كل لحظة من لحظات الموقف لكل شخصية على حده وكل هذه اللحظات والمواقف تتبلور وتتجمع لإبراز الجو العام للرواية.
فحينما تكون الأم (مريم) في حالة اكتئاب وحزن فإن الطبيعة تتعاضد معها وتكفهر محاولة تعزيتها ؟ فالطيور تصمت عن الغناء بل وتهجر أشجارها؟
والأشجار تصبع كالأشباح والنخيل مقطوع الرؤوس؟ وكل ما في الكون في حالة من السكون العميق. وبالأصح في حالة بكاء مستمر على روح الفقيد الصغير لب قلب الأم .
وحينما يتكلم عن صاحبه القصر التي تمثل الشر ويعرض لملذاتها وحياتها يصور لنا الكاتب جوانب مختلفة منها،‏ ‏فإذا كانت في حالة انشراح كانت الطبيعة كلها تنطق بذلك؟ وإذا كانت في حالة ملل أو سأم كانت الطبيعة جاهزة لإبراز هذه الحالة. وتوظيف الطبيعة لخدمة المواقف المختلفة شيء جميل جدا يوحي للقراء أن هذا الموقف هو موقف الكون كله لا موقف الشخص وحده؟ فالإنسان هو ابن الكون والكون هو المسير الأساسي لخطوات هذا الشخص وبالتالي فإن التلازم بينهما يتناسب طرديا مع كل متغير يحدث لكل منهما .. فما يحدث للكون أو فيه يؤثر على الشخص وما يحدث للشخص يؤثر في الكون.‏
وفي هذه الرواية تبرز صورة المرأة الأم التي تمثل الخير – تبرز ايجابية قوية،‏ ‏وشخصيتها تنمو من بداية الرواية الى نهايتها حينما تكون هذه الأم هي الأرض الخصبة التي تنبت الامل الجديد الذي سيقف ويصارع الشر من جديد وايجابيتها تكمن في صراعها وعدم توانيها عن القيام بأعباء الصراع ورفضها لكل المغريات التي قد تدفع ضعفاء النفوس للركون الى الراحة وتفضيل لذة عابرة هي لذة المال على المواجهة من أجل غد أفضل بل وحياة أتية افضل ان لم تستطع القضاء على الشر فهي لا تهادنه وهذه المواجهة تجلب اللذة التي قد تكون خفية الى نفس المجاهد الذي يقارع الظلم والتسلط والزيف.
ولكننا نرى بالمقابل شخصية زوج هذه المرأة (عباس) فهو وإن كان في اعماقه خيراً ويحب الخير إلا أن اخطاءه جعلته ضعيفاً وقابلاً للانحناء إن لم يكن للكسر؟ فقد أفصح عن أسماء اصدقائه عندما اجبر على ذلك؟ وقبل المال في النهاية نتيجة للخطيئة الأولى التي جعلته يستمرئ الخطيئة من جديد.‏ ولكن جانب الخير فيه باق،‏ فقد ندم على افشائه لأسماء رفاقه وهذا يدل على نوع معدنه .. إلا أن ظروف الحياة القاسية التي جعلته ينهار في معدنه أول مرة جعلت معدنه قابلا للصدأ ولو قليلاً .. وهذا هو الذي للقبول بالمال وتناسى الولد القتيل.. مما جعله تافهاً في نظر زوجته التي عرفته جيداً وعرفت ان معدنه قابل للتأثر بالعوامل الشديدة إن لم يكن قابلا للتأثر بالعوامل الأقل شدة؛ وكانت نتيجة ذلك الصدأ الذى غطى هذا المعدن ببيعه لولده مقابل مال يتناقص كل لحظة إلى ان يصير صفرا أو يضيع المال ويضيع الشرف.
ومما يلاحظ أيضاً على هذه الرواية ان الكاتب استعان بفكرة دينية تقول بالمهدي المنتظر الذي يخرج في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجورا. فتسمية الرجل الصالح ذي اللحية الكثة باسم مهدي ليس عبثاً ولكن هذه التسمية غلفها الكاتب بحنكة حتى لا تبدو فكرة جاهزة استعملها كما هي. فقال بأن مهدي هذا هو الذي يتنبأ بالمولود او بالأصح بالقادم الجديد الذي يواصل عملية الصراع بين الخير والشر وتكون النتيجة الحتمية الكامنة في نفس الكاتب هي انتصار القادم الجديد (المهدي) أي الخير على الباقي المستمر أي الشر .. وقد وفق الكاتب في هذا أيضاً .
ويلاحظ كذلك بعد الانتهاء من قراءة الرواية أن الكاتب مسح الرواية وأحداثها بفكرة تاريخية دينية وردت في الكتب السماوية ومنها القرآن الكريم،‏ وهي قصة مريم بنت عمران التي جاءها المخاض الى جذع النخلة، وكذلك هنا في الرواية فاسم الام (مريم) وفي النهاية كما يقول الكاتب في ص 65، «تقترب من النخلة تتسلقها، ترتقي إلى قمتها» ولكنها وضعت المولود الجديد على الأرض طبعاً.
وليس من العبث أن يربط الكاتب بين الأم والنخلة في هذه الرواية، فمريم في الرواية قروية تعيش وتعمل بعد رحيل زوجها في الزراعة كأول عمل تقوم به ضمن الأعمال الأخرى التي اضطرت للقيام بها. إذن إرتباط مريم في الرواية بالنخلة له ما يبرره ومن هنا نشم رائحة الامتزاج بين القصتين ولجوء كلا المريمين، ان صح التعبير، الى النخلةلكي تضع بشراً سوياً، وهذا لفظ قرآني استخدمه الكاتب. على أن هذا الاستخدام في الربط بين القصتين جاء من غير أن يحس القارئ العادي به .‏
ومما يلاحظ أيضاً استخدام اسم النمر يمثل الشر المتجسد في عالم البشر المزيفين ومطالبة مهدي للرجل الصالح الذي كان قد تنبأ بالمولود الجديد وقال انه سيأخذ ثأر الحسين وهو هنا رمز لدم كل الشهداء الذين يموتون في سبيل الحق مطالبة هذا الرجل الصالح للأم بأن لا تقتل الامل المتكون في احشائها حينما قال لها : «لا..لا.. لن اسمح لك.. أتعرفين من الطالع في احشائك، انه فتانا الموعود والطهر الذي ننتظره، هكذا قالت الرؤيا» إذن فتانا الموعود هو المهدي المنتظر.
ولكن الكاتب يجعل هذا المنتظر حينما ينزل الى الدنيا يسمى باسم علي، وعلي هو المطالب بالحق المقارع للظلم والشر . وتسمية المولود بعلي على عكس اسم المهدى المنتظر الذي اسمه (محمد) يدل على ان الكاتب اراد ان يستخدم الفكرة السائدة بأسلوب جديد؛ تتبدل فيه الأسماء الأماكن والصور ولكن يبقى الهدف والمعنى والغاية واحدة في الواقع، كما يؤمن به من يعتقدون ذلك وفي الرواية ايضاً. والرواية كما قلت جيدة واستطاعت بأسلوب قصصي رائع ابراز ما يريد الكاتب إبرازه إلا أن هناك بعض الملاحظات التي أتمنى ان يوضحها الكاتب وهي كما أرى ضرورية.
فالكاتب عبدالله خليفة كاتب عارف بالنفس البشرية ويعرف أنها لا تكون دائماً في الاتجاه الصحيح،‏ فيتناوبها الأمن والخوف، الاقدام والاحجام والإصرار والانهيار والتراجع،‏ ‏ويتضح ذلك في عرضه لشخصية (مريم) التي هي قوية بطبعها وتمثل الخير والجمال والبساطة والعدل ولكنها بشر تضعف أمام الرياح والعواصف،‏ فلذلك اهتزت في لحظة ما ولكنها تعاود حالتها الطبيعية المعروفة بها.
كذلك جعل الكاتب كل من يعيش في القصر يمثلون الشر والتفاهة والزيف من صاحبة القصر وزوجها الى ابسط خادم عندهم على تفاوت بينهم في تأصل أو وضوح الشر عليهم، وبالمقابل يجعل اهل القرية يمثلون الخير بالرغم من وجود بعض الطبائع المسترذلة عند بعضهم وبعض النقص، وهو ما لا تخلو منه نفس بشرية أو أمة من الأمم، فالبشر يصيبون ويخطئون ولكن السمة العامة واضحة .
واخيراً نقول ان كاتبنا وفق الى درجة ممتازة في إبراز ما يريد إبرازه،‏ وهو من أعظم وأكفأ القصاصين عندنا؛ ومقدرته على التصوير في كل مؤلفاته بالغة الروعة وهو متمكن من لغته ومن صوره ولا نملك في النهاية إلا أن نحييه ونشد على يديه وتهنئه ونهنئ أنفسنا بكتاباته التي تهتم بالإنسان أينما كان؟ ونكبر فيه ابن المدينة الذي يصف القرية ويجعل البساطة القروية حاملة لكل معنى خير كالعدل والطيب والحب والخصب والاعتزاز بالكرامة،‏ وكل ذلك تجسد في (مريم) بطلة الرواية. فتحية مرة أخرى.

المقالات العامة

رواية الينابيع مفهوم الحرية

ترجل الفارس العنيد، ذلك البحريني القادم من اليسار البعيد، ترجل عن صهوة آلامه وأحزانه وترك حروبه ومواجهاته وخلد للسلام والراحة في عالم اللحود. رحل عبدالله خليفة في هدوء لا يليق بثورته وفي صفاء يتوافق مع أحلامه.

د. انتصار البناء

يعّد عبـــــــدالله خلــــــــيفة أحد أهم كتاب الرواية في البحرين. شغلته الإيديولوجيا وطموح الحرية والتقدم في كتاباته النقدية والأدبية والفكرية. وليست رواية «الينابيع» إلا قطعة فنية تعبر عن رؤاه الفكرية في قالب أدبي مكتنز بالمضامين والدلالات.
في رواية «الينابيع» يقف القارئ أمام أسئلة تسكنه بعد أن يغادر الصفحات الأخيرة من الرواية. إنها مقاصد الكاتب المهجوس بهموم الإنسان والمجتمع، التي يورط بها القارئ معه، ويستحثه على خلق أجوبه لأسئلة لا يبين لها حل في واقع ملتبس، أبدا، بالتناقضات والانقلابات والمفاجآت. العمل الأدبي، والرواية تحديدا، ليست فسحة ومتعة فحسب. إنها انشغال واشتغال بالأفكار الإنسانية، والأسئلة المصيرية.
يطرح الكاتب عبـــــــدالله خلــــــــيفة إشكالات الفكر التقدمي الجوهرية، وهي أسئلة تمتد في فكرنا العربي منذ زمن النهضة. أسئلة الانتصار والهزيمة… النجاح والفشل.. أسئلة الإرادة والتغيير:
◎ من هو الإنسان الذي يملك حريته؟
◎ وكيف نترجم عن حريتنا بما يخلق إمكانات التغيير في المجتمع ؟
◎ لماذا تتعثر المشاريع الوطنية في أوجها ؟
◎ لماذا يتحقق التغيير من خلال الشخصيات غير التقدمية؟
تلك الأسئلة نهضت بها بنية روائية تناسبت مع انفتاح الأسئلة على مضامين اجتماعية غارت في ردهات المجتمع غير المطروقة، وفي تجاويف النفس غير المالوفة. وكانت اللغة هي الجناح الذي طاف بعناصر السرد المختلفة في ثم التحم بها صيغة فنية تستحق دراستها من زوايا متعددة.
أولا : الينابيع والتاريخ:
ليست ثلاثية «الينابيع» رواية تاريخية، ولكنها تسير على حافة التاريخ. فهي تطوي في فضائها الزمني مرحلة تاريخية في البحرين تمتد من العشرينيات حتى السنوات الأولى من الألفية الثانية. وهذه المدة الزمنية قسمها الكاتب في روايته مراحل ثلاثا نهضت بها أجزاء الرواية. فالجزء الأول «الصوت» تدور أحداثه زمن الغوص، والجزء الثاني «الماء الأسود» تدور أحداثه زمن التنقيب عن النفط وسنوات اكتشافه الأولى، والجزء الثالث «الفيضان» تدور أحداثه عصر ما يسميه عبـــــــدالله خلــــــــيفة في بعض كتاباته زمن اقتصاد النفط .

ولم. تتغّى رواية الينابيع من استدعاء التاريخ توثيق سيرة بحرينية شأنها في ذلك شأن كل عمل فني، بل تغيت طرح رؤية إبداعية للتاريخ، تعيد سرد الأحداث من منظور أدبي وفق رؤية الكاتب. ذلك أن الرواية الأدبية للتاريخ هي سرد لحقيقة أخرى تضمنها التاريخ غير الحقيقة التوثيقية التي تسردها كتب التاريخ «فلا مناص للرواية إذا اختارت الفضاء التاريخي المرجعي مجالا لها من أن تقول التاريخ. ولكنها تقوله على طريقتها، أي أنها لا تكرره وإنما تحينه»(1) ، وتعيد تفسيره بناء على خلق مقاربة بين التاريخ والواقع.
وفي رواية الينابيع نكون بصدد رواية تصدر عن منظور واقعي اشتراكي يعبر عن المدرسة التي انتمى إليها الكاتب عبـــــــدالله خلــــــــيفة وبقي وفيا لها حتى نهاية حياته. فالرواية تقرأ التاريخ البحريني بحثا عن حقيقة خارج الصيغة الجامدة والثابتة، الرواية تقرأ التاريخ باعتباره صيغة متحركة ومتغيرة وليس باعتباره قانونا جامدا يكرر معطياته في كل مرحلة، وفي ظل هذا المفهوم يقول لوكاتش (إن مواضيع التاريخ تبدو مواضيع قوانين طبيعية ثابتة وأبدية. إن التاريخ يتجمد في شكلية لا تتمكن من تفسير الصيغ التاريخية الاجتماعية في جوهرها الحقيقي كصيغ متبادلة بين الناس، إن هذه الصيغ تطرح بعيدا عن هذا المنهل الأكثر صحة لاستيعاب التاريخ) (2) ، وفي مجال الفن فإن السرد هو من أفضل الأعمال التي تفسر التاريخ وتكشف عن الحقيقة الأدبية التي تعبر عن الطابع الحيوي والديموي الذي يجعله حيا فينا.
والصيغة التي تمثلتها الرواية في طرح رؤيتها للتاريخ البحريني في تلك المرحلة الزمنية، هي صيغة أوردت الأحداث التاريخية على تواليها الزمني مستعينة بشخصيات مقاربة لشخصيات تاريخية عاشت تلك المرحلة التاريخية. وهي صيغة تخلق تجربة قراءة فريدة عند القارئ (فإذا اعتقدنا عن وعي أو عن غير وعي أن القصة قد تكون حدثت فعلا، فإننا نستغرق فيها بطريقة خاصة) (3) بسبب التأثير الذي يخلقه حضور الواقع في المتخيل السردي. والرواية بدأت بثورة الغواصين على الطواويش ضد عملية الديون التي لا تنتهي، ثم انتقلت في تسلسلها التاريخي إلى التحول الاقتصادي الحاد الذي مرت به البحرين بانتهاء عصر الغوص وتحول الغواصين إلى عمال ينقبون عن النفط في الجبل، ثم دخول البحرين مرحلة التيارات الإيديولوجية المختلفة. وتخلل كل هذه المراحل سرد لمقاومة الاحتلال الإنجليزي وتشكل الحركات الوطنية وتطورها وتداعيها أمام كل حدث مفصلي في تاريخ البحرين المعاصر.
وأمام هذا الحضور الطاغي للواقع الذي تخلقه (المماثلة) التاريخية؛ فإن الرواية استخدمت أدواتها الخاصة في المباعدة بين الحدث التاريخي بشخوصه وبين المتخيل السردي بدلالاته، فـــ( يضطلع السرد في هذا المقام بدور التمثيل الذي لا يحاكي، لأنه ينشئ المفارقة من رحم المماثلة، ويضطلع بالتبعيد في اللحظة التي يقنع فيها بالتقريب والمماثلة والمماهاة) (4). وتلك هي إحدى السمات الجمالية في الرواية التي جعلت منها قطعة فنية تتوارب بين التاريخية والخيالية.
إن الصيغة السابقة هي التي جعلت مضمون الرواية نقطة ارتكاز تحليلها. فالكاتب عبـــــــدالله خلــــــــيفة كان معنيا بمغامرة المعنى أكثر من خوض مغامرة المبنى. وكان معنيا بتجلية مضمون الرواية ومقاصدها ورؤاها أكثر من اعتنائه بسبك شكلها وتفجير لغتها وتركيباتها. لذلك عُنيت في هذه الدراسة بالغور في أحد المضامين الذي كان التاريخ أحد البوابات المفضية إلى سرادقه في الرواية. وهو مفهوم الحرية الذي كان هاجس الرواية وهاجس شخصياتها في المراحل التاريخية المختلفة التي سردتها الرواية.
ثانيا : الرؤية والبناء في رواية الينابيع:
الحديث عن الرؤية والتشكل هو حديث الرواية اللامنتهي، من حيث إنه حديث عن إبداع الرواية التي تأبى أن تقف عند تشكلات محددة أو رؤى محدودة. وهذه الدراسة تنحو إلى اعتبار قراءة الرواية وتحليلها يقومان على تكامل النظر في المكونات الروائية بما فيها البنية والرؤية.
إذ يصعب فصلهما أو التمييز بينهما تمييزا كليا. وما دراسة المكونات الروائية إلا عملية تحليل وتعمق في بعض المكونات؛ يتعين إتمامها بتتبع الآليات التي تندغم بها المكونات بعضها ببعض مشكلة الحكائية حسب تعبير الناقد إبراهيم عبدالله الذي يعرف المادة الحكائية بأنها. (متن مصوغ صوغا سرديا، وهذا المتن إنما هو خلاصة تماهي العناصر الفنية الأساسية وهي الحدث والشخصية والخلفية الزمانية ــ المكانية. بالوسائل السردية التي نهضت بمهمة نسجها وصياغتها)(5).
ففي سياق الحديث عن بنية رواية «الينابيع»، نتبيّن أن النظام الذي شُيدت عليه بنية الرواية هو نظام يقوم على مكون (شخصيات). وهو نظام يشد إليه باقي مكونات السرد المكانية والزمانية والوصفية ليشكل النسيج الكلي للرواية. فإذا رصدنا الجملة الأولى من كل جزء في الرواية سوف نجدها جملاً ترتكز على «شخصية» يحدد السرد تموضعها في الحدث وفي الفضاء المكاني والزماني عبر التحديد الزمني الماضي.
ففي الجزء الأول «الصوت» تطالعنا الرواية بجملة (كان محمد يصغي إلى صوت العود الواهن). وفي الجزء الثاني «الماء الأسود» يبدأ السرد بجملة (كان الشاطئ مسرحاً لمعركة عليّ). وفي الجزء الثالث «الفيضان» يبدأ السرد بجملة (كان علي يسأل الليل والمطر وأنصال البرق). فالشخصيات في الرواية هي التي تضيء باقي مكونات السرد وتشدها إلى بعضها عن طريق توغل السرد في الشخصيات وتعمقه فيها وفي حركتها في الرواية وتطورها أو تجمدها. وفي الرواية نماذج كثيرة يمكن الاستدلال بها على ذلك. فعبر شخصية «محمد العواد» تكشف الرواية الموقف الاجتماعي من الفن والمرأة والقبيلة. وتكشف أثر المكان في احتواء تلك الأفكار وتناميها، حين انتقل من المحرق إلى المنامة حيث الفارق في التأثير الإيديولوجي الديني بين المدينتين، ثم حين سافر إلى الهند لإصدار اسطوانته وعاش جزءا من الحياة الحرة التي تمناها.. وعبر شخصية «إبراهيم زويد» تكشف الرواية عن حدة التحول الزمني من عصر اعتمد اقتصاده على الغوص وتجارة اللؤلؤ إلى آخر يحفر طريقه نحو تجارة النفط. وكيف صاحب ذلك تحول آخر في القيم أثر في العلاقات الاجتماعية التي كانت سائدة قبلا.
كما أن سرد الرواية الذي قام على عرض عدد كبير من الشخصيات والتعمق في تركيباتها الشخصية وخلق تواصل اجتماعي مكثف فيما بينها جعل وظيفة بعض الشخصيات التي يمكن وصفها بأنها نمطية وتسير وفق إيقاع ثابت في الرواية؛ تسليط الضوء على قضية القيم في الرواية وكشف نسبية القيم عند بعض الشخصيات دون أن تنجرف الرواية نحو الخطابية والإنشائية. ويمكن اعتبار شخصية «فيّ» التي ظهرت شخصية نمطية في الرواية لم تتطور تركيبتها النفسية أو الاجتماعية ولم يتنالمَ دورها أو وظيفتها في السرد، يمكن اعتبارها، أداة فنية كشفت بها الرواية الفارق القيمي بين شخصية «محمد العواد» الذي استغل حبها له ثم تخلى عنها في أقسى ظرف اجتماعي يمكن أن تواجهه. وشخصية سعيد المناعي الذي أخرجها من محنتها الاجتماعية وتقبلها زوجة تنجب على فراشه ابنا ليس له. ومن خلال شخصيتي «محمد العواد» و«سعيد المناعي» تطرح الرواية الفارق بين الحرية غير الملتزمة التي يطمح إليها العواد، والحرية الملتزمة التي تمثلها شخصية المناعي.
إن الاعتناء ببناء الشخصيات وتوصيف واقعها الاجتماعي هو في حقيقة الأمر أحد مقومات الاتجاه الواقعي الاشتراكي في الأدب الذي تنتمي إليه الرواية، إذ يتعذر دراسة مضمون الرواية دون التطرق إلى السمات الواقعية التي اختصت بها. ومن أهم تلك السمات دراسة الشخصيات، إذ «لا غنى لكل عمل أدبي كبير عن عرض أشخاصه في تضافر شامل لعلاقاتهم بعضهم مع بعض ومع وجودهم الاجتماعي ومع معضلات هذا الوجود. وكلما كان إدراك هذه العلاقات أعمق، وكان الجهد في إخراج خيوط هذه الوشائج أخصب، كان العمل الأدبي أكبر قيمة»(6) من المنظور الجمالي الاشتراكي في الأدب.
واستنادا إلى ما سبق يمكن النظر إلى بنية الرواية على أنها بنية (عنقودية) تقوم على تفريع شخصيات النص، ومحيطها الاجتماعي الذي تنتمي إليه تأثيرات كل من الزمان والمكان، من مسارين تاريخيين واجتماعيين، تمثلهما شخصيتين رئيسيتين.
المسار الأول : مسار شخصية «محمد العواد» وهو مسار مجتمع ما قبل النفط، بعلاقاته المتشابكة وبمحيطه الاجتماعي الخاص بالغواصين والفقراء والعبيد والمشايخ. وكان الاتجاه الإيديولوجي المهيمن على النص هو الاتجاه الديني الذي يُثبت العبودية، ويحرم الفن، ويُضيق على المرأة. ويعطي صلاحيات واسعة لرجال الدين، الذين هم جزء من السلطة.
المسار الثاني: هو مسار شخصية بدر الوزان، وهو مسار عصر النفط في البحرين، وله شخصياته المرتبطة بسياقه التاريخي والاجتماعي. والاتجاه الإيديولوجي المهيمن على النص في تلك المرحلة هو الاتجاه اليساري، الذي تذبذب بين القومية والاشتراكية.
ويلتقي المساران في شخصية عليّ، الذي هو ابن غير شرعي «لمحمد العواد» وتلميذ «بدر الوزان» الذي تمرد عليه. وتعد شخصية عليّ نتاج المسارين فعلا، فهو نتاج رحلة العبيد الذين تدرجوا، تاريخيا، بسبل شتى كي يتحرروا من قيود اللون والنسب والأعرف، وهو نتاج التحولات الفكرية التي شهدتها مسيرة المفكرين والمناضلين في البحرين في تلك المرحلة التاريخية.
ولا تخرج رؤية الرواية عن التركيبة المتشابكة مع بنيتها القائمة على «نظام الشخصيات»، التي تتكامل معها في إنتاج الصيغة الإبداعية للرواية. وحيث إن الرؤية هي «الطريقة التي اعتبر بها الراوي الأحداث عند تقديمها».(7) وحيث إن الرواية اتخذت لنفسها نمط الراوي من الخارج الذي يعلم بكافة مقتضيات الأحداث، فإنها تكون بذلك قد منحت شخصياتها فرصة وافية للتعبير عن نفسها وعن رؤيتها الاجتماعية بصيغ لغوية متعددة كان للضمائر دور بارز فيها.
إن التعبير عن الرؤية الذاتية للعالم هو، كذلك، أحد مقومات المدرسة الواقعية الذي تضطلع الشخصيات فيها بالنهوض بهذه المهمة. فــ«مقدرة الشخصيات الأدبية على التعبير عن نظرتها إلى العالم فكرياً تؤلف جزءاً مكوناً ضرورياً هاماً من الترجمة الفنية للواقع ».(8) لذلك استدعت هذه الدراسة استقصاء رؤى بعض الشخصيات للآخر والمجتمع والكون. فكان أهم ما يشغل معظم شخصيات الرواية تطلعها إلى الحرية وفق رؤيتها ومنظورها الخاص للحرية. وانطلقت كافة الرؤى (التحررية) من موقف كل شخصية من جذورها ومن أزمة هوية تعاني منها العديد من شخصيات الرواية. وهو ما يفسر عنوان الرواية «الينابيع». فليست الينابيع إلا تمثلا آخر لمفهوم الجذور. ولذلك نجد أن قضية معظم الشخصيات في الرواية هي التمرد على ينابيعها/ جذورها.
والرواية في صياغتها لرؤيتها تطرح الأسئلة التاريخية الكبيرة في حياة الشعوب النضالية: فمعظم الشخصيات لم تتمكن من تحقيق أهدافها التي تكللها الأهداف النبيلة والقيم السامية. فها هو السبب؟؛ وباقي الشخصيات التى طرحتها الرواية في إطار انتهازي كانت هي الأقدر على الوصول إلى مبتغاها. فما هو السبب أيضا؟ الذين صنعوا التاريخ والمجد والذين أداروا حركة التغيير لم يكونوا أصحاب القيم التحررية. الذين تزعموا حركة التغيير ونادوا بالقيم التحررية أصبحوا تابعين، في نهاية الأمر، لمن كانوا يختلفون معهم ويناقضونهم في القيم !!. هل ثمة مشكلة في الأهداف أم في الأدوات، أم في كليهما؟
إنّ السرد الذي أخضع الكم الكبير من الشخصيات في متواليات تاريخية (طويلة نسبيا في حياة الفرد / قصيرة نسبيا في حياة الشعوب) يحاول البحث في الأسئلة السابقة من منظور فني دون تقديم إجابات حاسمة عليها، بل بطرح رؤى متعددة واتجاهات مختلفة تفسر بواعث سلوك الشخصيات وتبريرها لمساراتها واختياراتها.
ثالثا : التمرد على الينابيع:
بدت أغلب شخصيات الرواية مأزومة بينابيعها… مهجوسة بجذورها، وبدت الينابيع/ الجذور هي العائق المانع أمام الشخصيات من العيش بحرية، وهذا ما جعل الرواية تصوغ للنضال من أجل الحرية طابع الصراع الطبقي بمستويات مختلفة. وعند تحليل رؤية كل شخصية لمفهوم الحرية ولكيفية الوصول إليها، وبقراءة وظيفة المكونات السردية في تعميق تلك الرؤى؛ يمكننا الوصول إلى الرؤية الكلية للرواية والمقصد الفني للكاتب الذي يصعب إغفال النظر فيه عند دراسة العمل الروائي الواقعي إذ «يحمل كل نص حقيقة ينبغي إبرازها، ولكن يجب التنبه إلى أن هذه الحقيقة إنما انتزعت من مؤلفها انتزاعا. إنه هو الذي يمسك بها ويضمنها في النص»(9) تضمينا أدبيا يترجم رؤاه في نسق فني.
وستقوم هذه الدراسة في هذا الحيز على تقصّي ينابيع/ جذور بعض الشخصيات التي كانت باعثا للكثير من سلوكياتها، وقراءة تلك الينابيع ضمن البنية السردية، ومن ثم النفاذ إلى دلالتها الفنية.
1 ـــ محمد العواد: طيف الأم :
محمد العواد هو ابن شرعي خارج مؤسسة الزواج، والدته إحدى الإماء اللاتي كن يعملن في بيوت السادة. لم يجد محمد العواد من والده أو من المجتمع عدالة ومساواة في المعاملة والتقدير بينه وبين إخوته البيض (الشرعيين)، فهو في كل مرة يقف في الصف الأخير، ويصلي غاضباً، ويأكل مع الخدم ويصفعه أبوه لأي هفوة، وهو يرى إخوته البيض ممتلئين بالشحم والدم، وهو عود يابس يرعى الغنم وينادم الآبار الملأى بالأصداء والأغنيات»(10).
وقد شكلت الأم في وجدانه الطعم الأول للألم والمسوغ العرقي للفن، فكانت الصورة الأولى للإنسان المهمش والصدى الدائم الذي يتردد في ذاكرته عند كل معاناة يتجرعها بسبب اللون والنسب الذي ورثهما من علاقة والده بأمه. فحين علقه والده مرة في البئر ترهيبا له كي يترك العزف والغناء تذكر والدته وفضاء العذاب الذي أحاط بحياتها في منزل والده «الجوع والحشرات والمرايا المشرخة، وقناديل الأخوات والأموت، والعظام الملقاة التي لا مسكها أصابعه، تذكره، بالأم. ذلك الجسد الجميل والوجه الأبنوسي الناعم كان ملجأه الأول والأخير، تمتد أياديها إليه الآن لتقطع الحبال الغائرة في لحمه فلا تستطيع»(11). وحين عشق الفن ربطه بالجينات الأفريقية التي تسللت إلى دمه عبر أمه وخلقت فيه تلك الارتعاشات الراقصة، «رآها أبوه ذات ليلة مملة، بين العبدات فاشتهاها، وصنعه بذلك اللون الأبنوسي والروح الأفريقية. يريد أن لا تدمدم الغابات في عروقه..». (12).
وعلى الرغم من سرد الرواية لمعاناة محمد العواد من حالة التمييز، الاجتماعي عامة والأسري خاصة. التي يعيشها فإنها لم تعبر عن تبرمه الشخصي من لونه أو نسبه لوالدته بصيغ صريحة أو سلوك جلي، ولكن تغلغل التصور الجمعي للفتى الأبيض الشجاع لم تستثن مخيلة محمد العواد هو الآخر لتكشف عن شوق وتوق عميقين لصورة البطل الأبيض، فحين رأى «فارس» ذات مرة استحضر البطولة في بياضه وأناقته، «إنه فتى الشيوخ السارح بين خيامهم وخيولهم وبساتينهم، قريب إلى فؤاد الشيخ حامد، فكيف يبدو الآن صلدا مثل رمح. لِم لمْ يزل البياض والأناقة شرارات القوة والفحولة».(13) وهذه بعض أمارات الشعور بالتأزم الطبقي في نفس محمد العواد.
والمفارقة الطبقية التى يعيشها محمد العواد في تركيبته كانت المؤثر الأهم في تشكل مفهوم الحرية عنده. فهو ليس عبداً مكتملاً، كما أنه ليس حراً بالأصالة؛ ولذلك يمكن النظر إلى الأداة التي استعان بها محمد العواد للتعبير عن رغبته بالتحرر من أزمة الينابيع التي يعيشها على أنها تكمن في الفن وهو أداة (فردية) في طبيعة استخدام العواد لها، غير أنها تمتلك خاصية التأثير والتحريض الجماعي، فالفن له «قدرته على التأثير في فترات أبعد من اللحظة التاريخية التي نشأ فيها، وبذلك كان له سحره الدائم»(14) ، وهو ما حاول محمد العواد ممارسته في بعض أجزاء الرواية غير أنه لم يتمكن من إنجازه حدثاً مكتملاً في بنية الرواية.
وكان الغناء عند محمد العواد هو أقوى أدوات التمرد وعلامة الحرية الكبرى. وكان الفن، في ذلك الوقت، المتمثل في العزف والغناء يواجه الازدراء والاستهجان. فتكاملت أسباب الازدراء في شخصية محمد العواد من نبع واحد نبع الأم التي ورثته السواد والنسب وجريان الطرب في نبض الدم.
وبالفن تمرد محمد العواد على كل مختلف المؤسسات التي كانت تحاربه :
◎ مؤسسة الأسرة: منح العود لمحمد نسباً ولقباً وهوية لم يمنحها له والده. فصار في الرواية محمد العواد، والقارئ لا يجد في الرواية إسماً لعائلة محمد. ولأجل العود والغناء هجر محمد أسرته التي لم تمنحه العدل والمساواة والاعتراف الكامل ولم تقدم له عوضاً عما سبق الحرية في اتباع ما يهوى.
كما تمرد محمد العواد على مؤسسة الزواج نفسها لأنها ستكون عائقاً أمامه في استمرار حريته في ممارسة الفن، يقول لمّا طرح موضوع زواجه من «فيّ» بعد أن حملت منه «أنا الرجل الحر، أحبس نفسي في هذه الخرابة لأصنع أطفالا وأناغي زوجة وأشتري الأدام كل صباح! إنني لم أتغرب وأتعذب وأستشهد في هذه المدينة الحجرية إلا لكي أغني! سأغني! سأغني. أنا فنان أحلم أن أصعد إلى النجوم لا أعيش بين بول الصغار» (15).
◎ المؤسسة الدينية : واجه محمد العواد رجال سالم الرفاعي طوال حياته الفنية، كانوا يلاحقونه ويكسرون عوده وآلاته ويفسدون لياليه وسهراته، واصفين ما يفعله بالدعوة إلى الفجور وإفساد المجتمع. وكانت المؤسسة الدينية هي أول من حارب حبه للغناء والفن، غير أنها لم تتمكن، على طول مرحلة الصراع معها، من كسر عزيمته واثنائه عن إكمال مسيرته الفنية.
◎ الواقع السياسي والاجتماعي: وسم الكاتب الرواية في جزئها الأول بعنوان «الصوت» وبتقصي المفهوم الذي صاغته الرواية للصوت يتعمق مدلول التمرد ثم الثورة في الرواية إلى ان يختتم الجزء الأول حدثه الأخير بحركة احتجاجات كبيرة تنتهي بإطلاق النار على الميجر الإنجليزي. ففي الثقافة الشعبية يعبر مصطلح «الصوت» عن أحد الفنون الشعبية «التي تعتمد على الآلة المحببة في الأوساط الخليجية والعربية (العود)، والتي ترجمت بروح وإحساس ينتميان إلى عروبته وإقليميته الخليجية. فاختيرت له القصائد العربية الجاهلية، وأيضاً التي جاءت بعد الإسلام»(16). وبتقصي دلالة «الصوت» سوف نجدها تتطور من المفهوم الفني الذي تأسست عليه في الثقافة الشعبية وفي المدلول الأول في الرواية إلي الدلالة التعبوية والنضالية التي أخذت تتشكل بتطور البنية التركيبية في الرواية، و«نعني بالدلالة جميع لحظات التلفظ المتكررة والمتماثلة مع نفسها في كل تكرراراتها»(17)، التي ستشكل معنى دالا ضمن سياق السرد.
والنماذج التي سنوردها بمنهجية متسلسلة تطورية لدلالة الصوت. وليست ذات طابع انتقائي موجه. فقد بدأ الجزء الأول، بل بدأت الرواية كلها بجملة افتتاحية هي «كان محمد يصغي إلى صوت العود الواهن»، وهي جملة تؤسس لمعنى الصوت بدلالته الفنية. غير أن هذه الدلالة أخذت في التطور مع اندماج محمد العواد في الحياة الاجتماعية ومع فئات متعددة.
فحين كان محمد العواد بين جموع المحتجين الفقراء الذين تلاحموا وتبادلوا الطعام والصبر والقوة تورد الرواية الجمل التالية : «كانت هذه الأغنية التي انتظرها طويلا، صيحة حرب وإيقاع مارش لصف طويل من المتعبين. وراح صوته يلعلع فوق حشود الشوارع، والكلمات تتسرب، وتتعذب في الأفواه الأمية، ثم تندغم وتنمو وتطير، وتصير سرباً من النوارس»(18). إن تلاحم الفقراء تحول في نفس محمد العواد إلى أغنية لها وقعها الخاص وتأثيرها المختلف.
ويشتد ارتباط مفهوم الصوت الفني بمفهوم الثورة حين يتواجد محمد العواد بين جموع الفقراء إبان ما عرف بثورة الغواصين حين خرجوا على الطواويش محتجين على ديونهم التي تتضاعف ولا تنقضي، يتساءل محمد العواد: «من أية أغوار صعد ذلك الصوت؟ تلك الأنشودة (النهمة) الغائرة في موج الصدر واضطرابات الصواري والروح واللجج والصخور ومتاريس الرمل المحطمة وقيعان الأكواخ الخالية والقدور الناضبة…؟ من أين صعدت تلك (الآه) وأوقفت الأصابع المقطوعة، وجمدت الأرجل الفالتة في الأزقة، وأنضجت الأولاد في دقائق؟ ثمة صوت اندلع،…؛ تحول الهاربون بغتة إلى مغنين… راحوا يجدفون بين التراب، وينهمون في عريهم المجلود،…، الصوت الصغير، الوحيد، المرتجف؛ يتنامى بين كتل الصخور وهو ينظم إلى قطيع البشر المشتت العائد من المسلخ،… ، الصوت الأبح، الخافت، يتوحد بصوته القوي الحزين فيندلع اللهب، وكأن مئات السفن تتوحد في هدير كوني ويصير حجرا متدفقا يرنح الفرسان من صهوات الخيول التي تفح نائية مكسورة. ولتبدو الشوارع مفتوحة حرة»(19). ففي هذا المقطع تكشف الرواية عن براعتها في استخدام اللغة استخداماً يدفع المعاني العميقة إلى التجلي، حيث تتكاتف الألفاظ التي تحشدها الرواية، المرادفة للصوت، في تصاعد يتناغم مع تصاعد الحركة الاحتجاجية للفقراء.
وفي حركة احتجاجات أخرى متجهة نحو القلعة حيث يقبع سجن كبير، يرد في النص التعبير الآتي: «من كان يظن أن هؤلاء المدفونين في التراب لهم صوت؟ وأولئك الفلاحون المعزولون في الدوالي والقرى البعيدة سيندفعون بسيول حميرهم إلى القلعة فيختلط النهيق بـالصراخ»(20).
وعندما تراجع «فارس» ، ذلك الشاب مرموق القبيلة، عن ثورته ضد المستعمر الإنجليزي، التي حشد لها جموع الرافضين لتسلط الميجر الإنجليزي وجموع الفقراء المتضامنين، أكدت الرواية على دلالة كلمة الصوت بمعنى صخب الثورة والاحتجاج: «لماذا لم يدع التيار يصخب، ويدمدم بين الحصى المتقلقل والذائب، ويقلع العشب الأخضر الموحل اللزج، لماذا في قمة النشوة يكسر الإيقاع والصوت؟»(21).
وفي نهاية الجزء الأول يشتد صوت الاحتجاجات وتصل إلى بيت المستشار وتمتزج أصوات المحتجين، التي كانت تصدح بالنشيد أحياناً، بأصوات الرصاص المنطلقة من كاد الجانبين، إلى أن ينتهي الجزء الأول بدوي رصاصة تستقر في رأس الميجر الإنجليزي «إنهم لم يتسللوا بصمت، بل كان نشيدهم يوافق سواعدهم وحبالهم الملقاة فوق الجدران وفي اندفاعات أقدامهم الكثيرة الهائلة بين الأبنية والجدرات وغرف الحبس واندمج صراخهم وغناؤهم برصاصهم وصيحاتهم، وتجمد الحراس الهنود مذهولين، وألقوا بنادقهم ومفاتيحهم، وطلع رفاق البحارة من تحت الحفر ونزلوا من البرج مهللين فرحين…، اندفع الميجر مطلقاً الرصاص نحو البوابة،…، وفجأة دوت رصاصه أمام وجهه…» (22).
إن «تنظيم» الرواية لدلالة الصوت في هذا النسق، هو تنظيم لإحدى وجهات رؤية محمد العواد لمفهوم الحرية. وهو مفهوم ارتبط بالفن من حيث هو قوة محرضة ودافعة.. من حيث هو أداة للتعبئة وحشد الجماهير.
2 ـــ جمعة الحادي :
جمعة الحادي رجل لا ينتمي إلى محيطه. في البدايات هو سليل العبيد الذين اقتيدوا إلى هذه الأرض مختطفين ومكبلين. وفي النهايات هو رجل انتشل نفسه من أهل المزابل والأكواخ فلم يعد منهم.
صورة أجداده المعذبين لم تفارقه، لم تكن لحياتهم قيمة عند سادتهم فلم يوفروا لهم أسباب النجاة حين كان الموت يتخطف الجميع ويخصهم وحدهم دون السادة بالهلاك، «ثم رأى جده في سفينة العبيد وهي تغرق، والسود يصرخون بلغاتهم الغريبة، يشيرون إلى قيودهم، لكنهم راحوا يغرقون والبحارة والتجار يسبحون ويهربون من السفينة الغارقة. أحس كأنه هو الذي يغرق ويختنق، فنهض مذعورا مغتسلا بالعرق»(23). ولم يكن حاضر جمعة وأسرته أفضل حالا من ماضي الأجداد. الحياة التي لم يحرموا منها، لم ينلهم منها إلا الخدمة والمهانة والإذلال واستلاب الحرية والإرادة، يقول في أحد مقاطع الرواية: «أنتم كنتم تعرفون كيف كانت أسرتي؛ وكيف كنت! كنا ملحقين بهامش بيت، هو أشبه بالزريبة؛ وكان أبي وإخوتي يعملون طوال النهار والليل، في تنظيف القدور وطبخ وحمل للرضع وصفعة لأية هفوة والسادة لهم أن يختلوا حتى بالبنات. أتعرف كم تحملت وقاسيت من كل هذه الإهانات؛ وتطاردك كلمة عبد في كل مكان!» (24).
وكان جمعة الحادي واعياً لأزمة لونه وأزمة الطبقة التي يُصنف ضمنها، وقد عبر في غير موقع في الرواية عن ترسب ذلك في نفسه، وعن إدراكه أن بواعث سلوكه وردود فعله تجاه واقعه تجلت في صورة «طموح» جارف نحو الارتقاء الطبقي. و«مقدرة الشخصيات الأدبية على وعي ذاتها تلعب دورا بارزا في الأدب»(25)، من حيث تعبيرها عن التعبير عن نفسها، وعن وضوح إدراكها للحياة والآخر وكيف تحقق أهدافها.
بحث جمعة الحادي عن السبل التي تنتشله من أزمة ينابيعه واهتدى بادئ الأمر إلى طريق العلم؛ وعلى الرغم من كون العلم أداة فردية فإنها تمتلك خاصية التنوير الجماعي؛ وهو ما لم يسعَ جمعة الحادي لتحقيقه، وإن كان عمل في بعض أحداث الرواية المتقدمة على الاستفادة من بعض الشخصيات المتعلمة لبناء الوطن مثل شخصية بدر الوزان. ولكن تلك الاستفادة كانت في إطار (المفهوم الشخصي) لجمعة الحادي في بناء الوطن، المتمثل في الاستعانة، وبناء كتلة منسجمة معه. وليست استفادة قائمة على ترسيخ مفهوم المشاركة.
عكف جمعة الحادي على القراءة في الكنيسة وقرأ كثيراً من الكتب، وأهم ما وجده في الكتب طرح قضية التحرر من العبودية «كان جمعة الحادي يرتعش وهو يتابع السطور الغريبة في مجلة (المقتطف)، كانت كلمات العلم والمدنية تومض مصابيح في الطريق وورشاً ومدارس بنات جميلات وأغنيات وبالونات، …، لينم إذن، أو يجهز على هذه المجلة الرائعة، التي كلما قرأها أحس بروعة الحياة ونشوة العمر، فعما قليل سيخط بقلمه أشياء مماثلة. سيقول رأيه في تجارة العبيد، وفي ذلك النزف من سواحل أفريقيا المسمومة، وفي تلك السفن المشحونة بالصديد والعظام المكسورة. أما آن وقت نبش هذه المزبلة وأصحابها !» (26)، ويظل مأزق العبودية حاضرا عند جمعة الحادي في أغلب مواقفه، فحين تلومه إحدى أخواته على عمله مع الميجر الإنجليزي المعين من قبل المستعمر، يرد عليها لائماً ومعللاً ما يفعله بأنه وسيلة تحرر من العبودية التي يرفض المجتمع عتقهم منها. «لماذا تنقلين إلىّ هذا الهراء؟ ألا تعرفين أنهم يريدوننا أن نظل عبيداً لديهم إلى الأبد، حتى يتلذذون بتحسس عرقنا المتصبب ودمنا؟ إنهم يغارون حين إننا نتعلم ونستطيع بينما هم لا يزالون في بركهم الموحلة وفي أعمال الحمالة والدناءة»(27).
ثم تطورت وسائل جمعة الحادي للتمرد على ينابيعه/ جذوره، فبعد القراءة سوف ينضم للطرف الأقوى في المجتمع، سوف ينضم إلى المستشار الذي يرى فيه ثقافة الحرية والعدل والمساواة «الميجر من أمة عظيمة وراء البحار، وهم أصحاب علوم وتمدن ورحمة، لا عبيد عندهم وكلهم أحرار! إنه يريد كتبه وسأعرض خدماتي عليه. ليس مكاني الغوص وعمارات المسامير والحبال!» (28).
ثم لجأ جمعة الحادي إلى جمع الأموال وامتلاك الأراضي «الشيخ السكير مفلس، وهو بحاجة إلى النقود من أي مكان، وأرضه كبيرة وهامة. تصوروا ماذا سيحدث عندما يمتلك شخص ما نصف المدينة الصاعدة من أنقاض الأكواخ والمزابل؟ أنا أسرعت بشراء قطعة ولعلي أبتلع المزيد. انظروا إلى هؤلاء الناس البهائم، لا يدرون ماذا سيحدث غداً، والأرض كنوز» (29). وامتلاك جمعة الحادي للأرض لم يكن امتلاكاً لشكل من أشكال الثروة فحسب، بل امتلاكاً للهوية والانتماء الذي يفتقد جذوره على هذه الأرض. فالأرض تشكل أزمة من أزمات الهوية عند جمعة الحادي وقد عبر عن شي، من هذا القبيل حين كان يتألم لمصاب أخته التي احترقت والتي كان يتمنى أن تنجب أطفالا يحفرون اسم والده على هذه الأرض. «… كنت أود أن أراها منتفخة البطن، ذات جحفل من الصغار، تغرز اسم ذلك الأب العملاق في رمال هذه الأرض الجامدة. ثم أدفنها كتلة رماد في التراب!» (30).
إن تتبع علاقة جمعة الحادي مع الأرض يكشف عن أزمة مع المكان، فقد عبر جمعة عن جري أطفال المحرق خلفه ونعته بـــ«العبد» وهو يعمل في شقاء، ثم انتقل إلى المنامة وعبر عن تقززه من المزابل التي تحيط به ومن الفقراء الذين يسكنونها. ولذلك كان امتلاك الأرض وسيلة لفرض علاقة جديدة مع المكان يكون جمعة الحادي هو الطرف الأقوى فيها. 
ومع كل مرحلة ينجح فيها جمعة الحادي في الترقي الطبقي يطمع في وسيلة جديدة تمنحه هوية جديدة. فيطمح فيما بعد إلى امتلاك النساء البيض في سعي لتغيير التركيبة العرقية لأبنائه وأحفاده «الآن لابد من تملك النساء البيض وعصرهن بين شفتيه، يريد أن يملك ويملك حتى يبتلع كل شيء»(31)، وهو ما يفسر زواجه من أخت بدر الوزان.
3 ـــ بــدر الــوزان :
بدر الوزان من الشخصيات التي ظهرت في منتصف الرواية وقدمتها الرواية شخصية مناضلة للحرية والعدالة ومقاومة المستعمر. ولم يعبر بدر الوزان عن أي شعور بالاغتراب أو عدم انتماء للمكان. ولكن تبرز إشارة في نهايات الرواية تشكك في انتماء بدر الوزان لهذه الأرض عبرت عنها زوجته ظبية في رسالتها له في منفاه في سانت هيلانه «تقول لي عائشة أن نذهب إلى بلدي ولكن هذا قد أصبح بلدي وبلد زوجي يزعمون أنك لست من هذه ا لأرض !» (32). تلك الرسالة فتحت تربة السرد على قضية الينابيع/ الجذور عند بدر الوزان كغيره من شخصيات الرواية.
كانت رسالة ظبية في نهايات رحلته، ولكن في البدايات حين قرر بدر أن يستجمع أسباب القوة والنفوذ لجأ إلى «القبيلة». فرحل إلى فرع عائلته من أهل (والدته) أصحاب القبيلة والنفوذ والنسب العربي الذين لم يتأخروا عن شد رباطه بهم بتزويجه إحدى بناتهم ومنحه كل ما يريد من أسباب القوة: «أخواله وأبناؤهم استقبلوه بحفاوة. دخل ببنطلونه وقميصه في كتلة الثياب والعباءات والعقل وشوارب الصقور والوجوه الصلدة. شعر براحة وهو يتبدل، ذاب في حشد القبيلة الصارم، رفس بقاياه المترددة وهواجسه. ماذا يريد أكثر من هذه الربيات تتراكم في يده، ودكانه الصغير يمتد إلى السفن والبحر والبرية، ومئات الوجوه البدوية تسلفه سجاجيدها وقماشها الملون وكرات لبنها الصلبة وماشيتها وخلاخيلها وفضتها، وهو يبيعها لتجار هنود وفرس يلتهمونها فوق سفنهم ويروح يعصر النجارين والحدادين ويستل الخناجر والخواتيم والأصابع منهم. إنه يتحول إلى صقر، الطيور المسالمة ترتعش تحت مخالبه. يتذوق عصارة الصليب المعقوف وينتزع بيض الأعشاش ويلتهم الفراخ» (33). وهكذا بالالتحام بالقبيلة صار بدر الوزان قوياً في نظره.
إن المقاطع السابقة من الرواية تعبر عن أزمة هوية وأزمة جذور يعيشها المناضل بدر الوزان. فهو يرى أن جذوره غير القبلية هي أحد أسباب ضعفه والعائق أمام إعلانه أي موقف وأمام وقوفه مناضلا في أي قضية. ولذلك كان لجوئه إلى القبيلة وسيلة قوة فردية تحل له أزمة الينابيع/ الجذور التي يشعر بها في أعماقه.
رابعا : ثائرون متصالحون:
استناداً إلى الفكر الواقعي الاشتراكي الذي تصدر عنه رواية الينابيع، فقد قدمت الرواية أغلب الشخصيات باعتبارها ثائرةٍ على الواقع الطبقي رافضة له. ولكنها في الحقيقية كانت متصالحة مع تركيبة هذا الواقع وقابلة بقوانينه؛ وما طموحها في تغيير هذا الواقع إلا طموح فردي مرتبط بتغيير (وضعها الطبقي الذاتي) ضمن المنظومة الاجتماعية ذاتها دون تغيير التركيبة المجتمعية الطبقية. وهو ما يؤدي عادة؛ حسب المدرسة الواقعية الاشتراكية إلى خلق أزمة التغيير في المجتمعات. فإنجلز يرى إن «الإرادات العديدة الفردية العاملة في التاريخ تعطي في أكثر الأوقات نتائج مختلفة عن النتائج المرجوة، وغالباً ما تكون متناقضة لهذه النتائج المرجوة»(34). وهذا ما يفسر على نحو ظاهري للرواية، فشل تلك الشخصيات في تحقيق طموحاتها واحلامها، أو انحرافها عن مسارها.
فعلى الرغم من أن بعض الشخصيات في الرواية كانت متصادمة مع الواقع فإن حركتها المتنامية في السرد كانت تتصالح مع الواقع كلما اقتربت من قوانينه. وأمارة تصالحها مع الواقع انشغالها بذاتها، ولجوؤها إلى أدوات فردية للتغيير، أو تفريد أدوات التغيير القادرة على التعبئة الجماعية، ومن ثم دخولها في عملية ارتقاء طبقي ضمن قوانين الواقع الطبقي ذاته.
وفي السياقات التاريخية التي تمر بها الرواية في أحداثها وشخصياتها، كان لمفهوم الحرية والتعبير عن جوهره. فكل تحرر يجب أن يحدث تغييرا، لكن التغيير يبقى محدودا إذا ارتبط بالاتجاه الفردي. وقد كانت أغلب اتجاهات التحرر فردية، من أجل ذلك لم تحقق التغيير الطموح الذي كانت تنادي به. سنورد فيما يأتي نماذج لتعامل بعض الشخصيات مع الحرية مفهوماً والتغيير هدفاً.
1 ـــ محمد العواد:
على الرغم من مشاعر الألم التي كابدها محمد العواد نتيجة التهميش الأسري والمجتمعي له بسبب لأمه، أو بسبب احترافه الفن، غير أن إرضاء الطبقات العليا من القوم كان أحد أهداف احترافه الإبداع الفني وأحد الوسائل التي أراد انتهاجها للارتقاء الطبقي، ففي حديثه لميّ التي كانت على أعتاب الزواج من رجل مرموق النسب قال «سأغني للكبار فانتظريني. لن يأخذك أحد غيري»(35). «كلهم لا يساوون أغنية مني. صدى هذه الحنجرة سيبقى إلى الأبد، وكل هؤلاء غبار ريح وثغاء خراف!» (36). وهذا التعبير المبدئي عن تقدير الطبقة التي ازدرته جعلته لا يصمد طويلا أمام إغراءاتها إذ يتراجع في آخر الأمر عن مقاطعتها ومقاومتها. فالوصف السردي يقدم محمدا باعتباره مطرب الفئات الشعبية والمهمشة، ومقاطعاً للطبقات الاجتماعية البرجوازية.!» لم يقبل أن يغني لأحد، وعندما يغني في بيته يمتلئ بالحضور والهدايا، وعجز الأغنياء عن ضيافته، ويمكن أن يفاجئ حضوره زواج بحار فقير من الأحياء القريبة، حيث سيعم الذهول وتكتب الليلة في اللوح المحفوظ في صدور الناس!» (37). ولكن بعد أن وقع محمد في غواية الغناء لتلك العائلات البرجوازية يواجهه صديقة إبراهيم زويد بالحقيقة التي آلمته ويكشف له عن حقيقة واقعه طوال سنوات صموده.. «- ماذا فعلتْ طوال هذه السنين الأخيرة؟ سكرٌ واحتضان لنسوةٍ تتبدلُ وجوههن في كلِ ليلةٍ ، ثم لا أغنيةً جميلةً ولا كلمةً تهزُ الناسَ ، عربدةٌ ، والآن دعوةُ الشيخ ، ولا أدري من سيليهِ . . هل ستذهبُ إلى أولئك البشر الذين عذبوك ، لقد سقطتَ ، سقطتَ يا محمد»(38)، وفي حوار آخر يقول إبراهيم زويد لمحمد حين رأى عنده متاعا وأشياء يعجز عن شرائها وتوفيرها بقدرته المالية المحدودة «من أين لك هذه الأشياء؟ وأحس أنه أخطأ فازداد ارتباكاً وألماً، وتكشفت له الأشياء برعب، إنه يصغر صديقه ويحتقره، وهو صار صغيراً فعلاً ، فلا شك أنها هدايا من الشيوخ ، وما هو الثمن؟ وهو الذي قال إنه لا يمد يده أبدا !» (39).
2 ـــ فارس:
تكمن مشكلة فارس أنه ثائر برجوازي، فلديه تحفظاته على أخطاء الطبقة التي ينتمي إليها في تعاملها مع باقي الطبقات، ولكنه في حراكه المتمرد كان معنيا بالحفاظ على طبقته وامتيازاتها لأنه أحد المتمتعين بامتيازاتها. لذلك لم يكن تمرده على الميجر الإنجليزي إلا لحصاره الشيخ وتسلطه عليه. فهو لم يكن من المشاركين في ثورة الغواصين الفقراء ضد جشع الطواويش، وحين تحول الأمر إلى ثورة فقراء انسحب من الحراك وقدم اعتذاره للميجر وشكل ذلك حالة انكسار عميق في حركة الاحتجاجات التي أجهضها استسلام فارس.
وقد خلق الخطاب السردي حالة من التناقض بين خطاب فارس إبان الحركات الاحتجاجية، وبين الحدث الذي يكون هو جزء منه. ففي الحوار الآتي يكون خطاب فارس مظلة لمفهوم الحرية التي تنازل المستعمر البريطاني العداء «لابد أن يلتف الناس حول الشيخ، فما وعود هذا الميجر إلا أكاذيب. إنه يتطلع إلى كرسي هذا البلد وحينئذ ستتبخر كلماته، ويعود هؤلاء البؤساء إلى مستنقعاتهم وبحارهم الساخنة»(40).
وبعد انكسار الاحتجاجات يطلب فارس العفو والحرية من الميجر نفسه، ويسوق خطاب الرواية إشارة إلى حالة التناقض التي تعبر عنها شخصية فارس؛ مفسرا التناقض بالوضع الطبقي الذي ينتمي إليه فارس «لم يصدقوا ما شاهدوه، فارس انحنى للميجر وطلب الغفران؟! ود الرجوع إلى غرفته الهادئة وبيته الكبير، وكأن شيئاً لم يكن وكأن أحداً ما دهس في الدروب، والشيخ الكبير لم يجندل ويحبس في بيت صغير، حارسه عسكري هندي من أقصى العجمة والعتمة»(41).
ثم تورد الرواية انشغال فارس في منفاه في الهند باللهو وبالنساء، وبمراسلة عائلته في البحرين طلبا للصفح والعودة. ثم تخليه عن زميل المنفى … وعودته إلى البحرين وحيدا، وانشغاله بالتجارة وجمع الثروة حين عودته للبحرين.
3 ـــ بـدر الـوزان:
قدمت الرواية شخصية بدر الوزان باعتباره شخصية متمردة ذات انتماء قومي. وكان يرفض الواقع الطبقي ويقاوم انتهازية المنتمين إلى السلطة والمستشار وينحاز إلى العمال والفقراء والمثقفين. وفي موقع سابق عرضت الدراسة باعث التغيير عند بدر الوزان وهو الشعور بأزمة الينابيع/ الجذور التي دفعته إلى تحصين نفسه وتقوية ذاته بالانتماء القبلي. والوزان يرى في النسب القبلي والثروة التي امدته قبيلة أمه وزوجته جاذبا للعناصر المؤيدة له. وبتضافر كل تلك المقومات رأى الوزان أنه صار قوياً ولا يخشى أحداً «الآن لا يخاف من أحد، وراءه ثروة وأرض وقبيلة وسرب كبير من الأصدقاء نما في شتى عروق البلد»(42). والشعور بالخوف والرغبة في التخلص منه هو، في حقيقة الأمر، هاجس ذاتي. وعمليات التغيير التي انشغل بها الوزان كانت تغييرا لواقعه الفردي وفق شروط القوة التي يفرضها المجتمع. وهو لم يَثُرْ على تلك الشروط ولم يطالب بتغييرها كي يتغير الواقع الاجتماعي بالكامل.
من أجل ذلك كان الخطاب السردي يعبر عن الحركة النضالية. لبدر الوزان باعتبارها حالة زعامة فردية تنم عن نفوذ وهيمنة وقدرة على مبارزة السلطة وتوجيه الجماهير «هو في قمة تألقه؛ فوق أكتاف الجموع؛ يحس أنه يسبح في بحر عميق، الرجال طوع أمره، يأمرهم بتنظيف الطريق، وحمل الحجارة الثقيلة فينصاعون لأمره، وكأن كلماته سحر»(43). فبعد موجة احتجاجات شعبية كبيرة كان هو من يديرها يعبر الوزان عن راحة فردية ورغبة في بسط القوة أكثر فأكثر «كانت كل الخيوط تتصل بأصابعه، والهاتف لا يتوقف عن الرنين، كان ينتظر تلك المكالمات الهامة، أن يسمع صوت سميث المتذلل، أن يرى وجه الشيخ نايف التعس..» (44)… وحين قابل هؤلاء للتفاوض تنازل عن اللجنة التي كانت ذات طابع شعبي وهو ما يعكس الاتجاه الفردي في شخصية بدر الوزان، وكان حس الزعامة هو ما يشغله في المقابلة «وفوجئ كيف سيدعوهم للرحيل، كيف سينصاعون لإرادته؟! طلب بضعة شؤون بدت كلها تافهة لما كان يريد، ولكنهم رأوها صعبة حتى وافقوا عليها، ولكن أن يحل تلك اللجنة المهيمنة التي شكلها فوافق»(45). ويعترف بدر الوزان بنزعاته الفردية حين يشعر بثقل رسائل زوجته ظبية التي يتلقاها في منفاه معتبرا إياها «سطل الماء الحار الذي يلقى على رأسي كي تفيق من جنون العظعة»(46).
تلك الشخصيات جميعاً انشغلت بالتغيير الفردي وليس المجتمعي ولذلك فشلت في ثورتها كما حصل مع فارس وبدر الوزان وغيرهما، أو حادت عن مبادئها كما فعل محمد العواد، أو أنها كانت واعية لغاياتها الانتهازية كما فعل جمعة الحادي ومرتضى أكبر وعادل خسرو وأخته ثريا وغيرهم.
إن تلك الشخصيات، وفق المفهوم الواقعي الاشتراكي تفتقد إلى الوعي الطبقي الصحيح القادر على تغيير المجتمع وتحقيق غايات أفراده «إن هذا الوعي ليس إذن حاصل ما يفكر به ويحسه الأفراد الذين يكونون الطبقة، فردا فردا … هذا الوعي ليس الفكر الفردي»(47)، لأنه قد يمثل الرغبات الفردية والطموحات الشخصية التي تكيف نفسها حسب معطيات الواقع، ولكن الوعي الصحيح عند الواقعية الاشتراكية هو الوعي الذي يعبر عن «صلة المجتمع ككلية. لأنه في هذه الصلة فقط يكون الوعي، الذي يستطيع الناس أن يكونّوه في كل برهة عن وجودهم»(48).
إن مفهوم الحرية الذي يؤدي إلي التغير، وفق ما نادت به الشخصيات السابقة لم يتحقق لأن الغايات كانت فردية، وكانت متصالحة مع قانون المجتمع وإن كانت تعبر عن ثورتها عليه.
خامسا : متمردون مؤثرون:
يظن بعض دارسي الأدب أن الاتجاه الواقعي الاشتراكي في الأدب معني بخلق متخيل سردي ينتهي بانتصار الشخصيات (النموذجية) إن جاز التعبير وتحقيق أحلامها في نهاية العمل الفني. وهو تصور غير دقيق يبتعد بالإبداع الفني عن طبيعته الجمالية، بل ويبتعد عن المفهوم الواقعي للأدب «فالشر في الواقع هو الذي ينتصر، وليس هناك إلا جزر صغيرة يمكن للخير أن يلوذ بها لبعض الوقت. والأعمال الفنية الأصيلة تعي ذلك، لذا ترفض الوعود التي يسهل إجزالها؛ ترفض الخاتمة السعيدة التي لا تشوبها شائبة»(49).
ولكن الاتجاه الواقعي الاشتراكي يقوم على إبراز حقيقة العلاقات الاجتماعية القائمة في طبيعتها على الصراع وكشف «ما هو جوهرى في حركة المجتمع، وما هو جوهري هو القانون الأساسي بحركة الأشياء»(50). والرواية تكشف عن قانونين لنمطين من الشخصيات في الرواية. النمط الأول هو النمط الذي قدمته الرواية في صورة انتهازية وقد كشف عن قانونها شخصية أكبر مرتضى «هذه هي الدنيا، فرص وتحولات هائلة غريبة، ومن لم يقف مع الموجة الكبيرة القوية، سحقته كالحطب المهترئ»(51)…. «إن أي صمت منه سوف يحيله إلى صاحب دكان تافه»(52).
ثمة شخصيات أخرى تعي قوانين المجتمع نفسها؛ وماملت معها إيجابا في اتجاه مختلف. وتمكنت؛ من خلالها؛ من تغيير واقعها بالتمسك بالأمل والقدرة على المقاومة؛ أهم هذه الشخصيات سعيد المناعى؛ ميّ؛ ظبية، إبراهيم زويد. وأهم ما ميز تلك الشخصيات معرفة قوانين الواقع والقبول بها والتعامل معها بوضعها في قالب اجتماعي يعبر عن حالة الانتماء للمجتمع التي تدين بها تلك الشخصيات.
يمكن ضم سعيد المناعي إلى فئة العبيد، لكنه لم يعان من مأزق الجذور والينابيع؛ فهو كان مدركا لقانون الواقع الاجتماعي الذي يحكم تلك الطبقة والآليات التي بها تتحرر «مرت سنوات وهو عبد، يحاول أن يجمع دانات ليلغي ديونه، ويتوغل في الماء ليصادق الوحوش والسيوف … ويصنع بيتاً وقارباً ومصائد لكي يرتفع عن حشود العبيد»(53). فجمع المال وتحرر، وحين صار صاحب مال ومركب لم يَقْصُر ماله على خلاصه الفردي وترقيه الطبقي، بل استخدم المال لمساعدة المحيطين. وقصته مع (فيّ) تبين مبدأ المساندة الاجتماعية فحين لجأت إليه فيّ لم يتخل عنها، بل مد يده لها وعطف عليها وربى ابنها كما يربي ابنه، وفي المجاعة ساعد الناس ولم يبخل بماله عليهم. تحرر سعيد المناعي كان امتدادا لتحرير الآخرين وانتشالهم من مآزقهم.
وشخصية (ميّ) التي أدركت باكراً أن انجرافها خلف حبها لمحمد العواد لن يترك في حياتها إلا الخراب؛ لذلك لم تقدم على الزواج منه. وأدركت أن صوته يحمل رسائل الحرية والشوق والحنين فجعلت منه صدى لقصائد أخيها واستخدمت العواد رسولا لإعادة أخيها إلى وطنه. وكانت ميّ في الرواية نموذجاً للقدرة على التغيير من الداخل. فهي لم تكن متمردة على أي مظهر من مظاهر حياتها، لكنها تمكنت من استعادة زوجها من التيه الذي انغمس به، وتمكنت من تغيير ابنها وتوريثه الوثائق التاريخية التي كتبتها والتي احتفظت بها.
وكان أهم قانون من قوانين الواقع الذي لجأت إليه ميّ هو العلم، لا بصيغته الفردية التي استخدمها جمعة الحادي، ولكن بصيغتها الاجتماعية الجماعية التي انتقل أثرها إلى الآخرين. وهو كذلك القانون الذي تعاملت معه شخصية ظبية زوجة بدر الوزان التي تعد من أهم الشخصيات المتطورة في الرواية. حيث ظهرت شخصية متحفظة ومحافظة منكسرة حين تم إبعاد زوجها بدر الوزان. ولكنها استجمعت قوتها، فخلعت غطاء الوجه وعكفت على دراسة القانون للدفاع عن زوجها وعن أمواله. وحاولت زرع القوة نفسها في أخت زوجها عائشة لكنها فشلت معها.
كل تلك الشخصيات كانت أدواتها للتحرر والتغيير خلق الأثر الاجتماعي في الآخرين، وانتزاع أدوات التغيير الخاصة بها من سماتها الفردية وإضفاء سمات جماعية عليها.
سادسا : الحوارية في الرواية:
لم يلجأ المؤلف في بنائه لروايته إلى تفسير الأحداث أو إلى التعليقات الكثيرة حول الشخصيات. بل ترك للقارئ حرية تشكيل رأيه وتبني موقفه الخاص من شخصيات الرواية وأحداثها وقيمها. وتلك آلية من آليات نظريات تلقي النصوص التي يرى بعضها بأن «المعنى ينتج بالتحاور والتفاعل بين المتلقي أو المؤول والنص في زمان محدد وحسب أفق شخصي معين وخاص»(54).
وفي الوقت الذي نرى فيه أن الرواية فتحت الباب أمام القارئ للحكم على شخصيات الرواية وأحداثها؛ فإننا لا نرى، في الوقت نفسه، أن رواية الينابيع نص مفتوح على مصراعيه لآفاق التأويل اللامنتهية.
بل هو نص مشروط التلقي بخلفيات القارئ المعرفية عن المؤلف وعن المرحلة الزمنية التي تطرحها الرواية، ومشروط كذلك بثوابت القيم التي يثق الكاتب أن القارئ لن يختلف معه فيها. وإذا كانت العوامل السابقة تتعلق بعوامل ذاتية وموضوعية لدى المتلقى؛ فإنها لا تؤدي إلى تأويل متسق إلا إذا توازت مع الرؤية الأدبية للنص الأدبي نفسه، لأن «الرؤى الأدبية لا تتعلق بالإدراك الفعلي للقارئ الذي يظل على الدوام متحولا ورهين عوامل، هي من خارج العمل، وإنما هي تتعلق بإدراك معروض في صلب هذا العمل، أضف إلى ذلك أنه يأتي في صيغة متميزة»(55). من هذا المنطلق فإن منهج هذه الدراسة يقوم على قراءة النص من حيث هو المصدر الأساس لإنتاج المعنى لكنه لا يهمل الخلفيات المعرفية (الاجتماعية، والإيديولوجية، والتاريخية) التي يستدعيها النص في وعي المتلقي.
وإحدى الصيغ المتميزة التي تأسست عليها الرواية لتنتج معانيها وتشكل رؤيتها الأدبية هي استخدام مستويات الحوار المتعددة. ومنها المونولوج الذي كشفت فيه الشخصيات عن رؤاها لنفسها وللآخر والمجتمع والعالم. ومنها الحوار المتبادل بين بعض الشخصيات والذي كشف عن الجوانب القيمية التي قد لا تدركها بعض الشخصيات عن نفسها، أو التي قد تتهرب منها.
وقد أسست الرواية بنيتها المضمونية على كم وفير من القيم التي تداولتها الشخصيات واتفقت عليها أو اختصمت فيها. فــ«الأفق القيمي هو ما يفترض الوظيفة الأكثر أهمية في تنظيم العمل الأدبي»(56). وهو القادر على خلق حالة من الحوارية والتفاعلية بين المتلقي والنص.
فمستويات الحوار(57). المختلفة التي دارت بين محمد العواد وإبراهيم زويد يوم زفاف فيّ على سعيد المناعي كشف عن مستويات متعددة من الدلالة القيمية. وكان لاستخدام الضمائر دور بارز في إظهار كلا المستويين (الحواري والقيمي). فمستوى الحوار عند إبراهيم زويد كان ثابتاً وقاصراً على ضمير المتكلم والمخاطب، اللذين هما في حقيقة الأمر، مستوى واحد، سواء في تعبيره عن حبه لفيّ وأمنياته في كونها أحبته بدلاً عن محمد العواد وتغاضت عن فقره وبؤسه «لو كانت تحبني أنا.. لو تجاهلت فقري وهيكلي الخاوي»(58)، أو في تعبيره عن استيائه من سلوك صديقه محمد العواد «أتكون الكلمات التي ترددها عن الحب كذباً، بلا معنى؟ هل تحب فعلا؟…»(59). تلك الصيغ تعبر عن معرفة جيدة بالذات، وقدرة على معرفة الآخر. إن إبراهيم زويد من الشخصيات التي تمتعت طوال حضورها السردي في الرواية بوعي ثابت للواقع انعكس على سلوكه الذي جعل شخصيته من الشخصيات غير المتحولة في النص، والتي يمكن وصفها بأنها ثابتة على قيمها برغم كل التحديات التي مرت بها.
أما مستويات الحوار عند محمد العواد، في الحوار نفسه مع إبراهيم زويد، فقد كانت تتذبذب بين استخدام ضمير المخاطب : «ماذا تقول؟»…. «اسكت يا إبراهيم»…. والمستوى الآخر الذي تذبذب فيه مستوى الخطاب هو بروز الراوي معبرا عن محمد العواد في ضمير الغائب: «صمت مرعوبًا… لم يخدع الفتاة هي التي تسللت إليه… كم يدهش من حبه لأخواته الغامض الحزين»(60). ففي هذا الحوار كان محمد العواد يواجه بسمات شخصية يعمل على تغييبها وتبرير ما نتج عنه من سلوك (يكتمه سراً) مثل علاقته بفيّ، بمسؤولية في إقبالها عليه. وهذا ما جعل شخصية محمد العواد شخصية تبريرية تقوم بالفعل ونقيضه وتوجد المسوغات لرغباتها واندفاعاتها.
وهذه إحدى محددات تشكيل مفهوم الحرية في الرواية. فحرية إبراهيم زويد كان يعبر عنها دائماً بالتزامه تجاه الآخرين وإن خذلوه في نهاية المطاف. أما حرية محمد العواد فحرية فردية تمثل رغباته هو حتى وإن كانت نزوات.
خاتمة :
مفهوم الحرية في رواية «الينابيع» ارتبط تحرر شخصيات الرواية من مآزقها (الذاتية). بتحررها من أزمة (الجذور والينابيع)؛ كي تتمكن من صناعة هويتها الحرة. تلك الهوية التي، هي في حقيقتها، هوية جماعية تسير بالمجتمع كتلة متكاملة، وتحقق أهدافه الجمعية.
ولن تتمكن سيرورة الحرية من تحقيق أحلام التغيير المنشود إلا إذا كانت على وعي كافٍ بالقوانين الضابطة لحركة المجتمع. فهم القوانين يؤدي إلى فك شفرتها، ومن ثم تغييرها وصياغة قوانين جديدة لحركة جديدة. في رؤية الرواية التي تنطلق من فلسفة اشتراكية؛ فإن الحرية الفردية لا تشكل تيار التغيير حتى وإن تدفقت من حريات فردية متعددة. تيار التغيير يأتي من التيار الاجتماعي نفسه الذي يعتنق الحرية ويتجه نحوها.
رواية «الينابيع» سمفونية حرية عبرت السنوات البحرينية من العشرينيات إلى مطلع الألفية الأولى من القرن الحادي والعشرين. التنافر الداخلي في الرواية بين شخصياتها جذورهم وامتداداتهم وطموحاتهم، خلق الانسجام الكلي في الرؤية التي هي رؤية الكاتب وهواجسه وآماله التي انتظرها طويلا، ورغم الفراق… يدرك عبـــــــدالله خلــــــــيفة أن مجتمعه سيبلغها؛ استجابة لحركة التاريخ الحتمية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. انتصار البناء ــ كاتبة وناقدة من البحرين

المقالات العامة

رواية الينابيع لـ عبـــــــدالله خلـــــــيفة

البحرين القارة الكبيرة

كتب فيصل عبدالحسن

رصد الروائي عبدالله خليفة في روايته الينابيع التي صدرت قبل وفاته بشهور قليلة تاريخ البحرين ابتداء من القرن الثامن عشر، والتاسع عشر وانتهاء بأيام الهاتف النقال الحالية، وجعل خليفة بطله محمد العوّاد مدخلاً لعصر التنوير، وبداية لتاريخ التدخل الأوربي المباشر في شؤون المنطقة العربية ومنها البحرين .
ومن البديهيات المعروفة أن كل بلد في العالم بحاجة ماسة إلى ملحمة أدبية، فكرية، فلسفية، وحكائية تؤرخ تكوينه السياسي، وتكوين شرائحه الأجتماعية، ونضوجه، وتسجل ماضيه الإنساني خلال قرن أو اكثر.
المادة التاريخية التي صنع منها الروائي عبدالله خليفة روايته الينابيع مادة غزيرة جداً، فقد بذل الكاتب جهداً كبيراً في لملمتها، لإعطائها صيغة قصصية، خبرية، تفيد في رسم صورة كاملة لمشهد البحرين في العقود الستة الماضية، وهي العقود التي يمكن الرجوع إليها من خلال توثيقها السابق بالصورة، والأسماء نقلاً عن جرائد، ومجلات، وسجلات قديمة للحكومة، في وقت كانت هناك قلة في توفر وسائل التسجيل كالصحافة (ومثلما يرد في كتاب احد مؤرخي البحرين أن الجريدة الوحيدة في البحرين كانت جريدة الأضواء الأسبوعية عام 1965) كما أن التصوير والتسجيل الصوتي كانا قليليين، وكذلك الإذاعي (تحدث المؤرخ ذاته عن إدخال أول آلة كاتبة لمرسلة ــ تلبرنتر- تابعة لوكالة أنباء «رويتر» في البحرين عام 1966 وبذلك اصبح بمقدور إذاعة البحرين تقديم آخر الأنباء، وقد سبقت إذاعات خليجية أخرى في نشراتها الإخبارية، كذلك وسعت فيما بعد مكتبتها السمعية، فصار عدد أشرطتها الغنائية حوالي 500 أغنية جديدة من أغاني البحرين والخليج).»2
وإذا لم يكن هناك ما يلبي هذه الحاجة الضرورية لأدب بلد ما، فالبلد سيبحث عمن يؤرخ له، ويبقى ينتظر ولادة المبدع المطلوب ونبوغه لأنجاز هذا العمل الأدبي، فالبلدان الحية بحاجة ماسة لمن يسجل ذاكرتها الإنسانية في كل مراحلها التاريخية.
فنجد في عصرنا الحديث الكثير من هذه النماذج الأدبية الكبيرة إبداعياً، التي آخت بين فن الرواية الحديثة، كما كتبها المحدثون في هذا الصنف الأدبي، والملحمة التي كتبت في اللغات الأخرى شعراً منذ قديم الزمان.
ومن النماذج العربية نقرأ ثلاثية محمد ديب في الجزائر «الدار الكبيرة، الحريق، النول»، وأولاد حارتنا في مصر، لنجيب محفوظ، ومن العراق رباعية النخلة والجيران، وخمسة أصوات، والمخاض، والقربان، لغائب طعمة فرمان.
ومن السودان خماسية الطيب صالح موسم الهجرة إلى الشمال، عرس الزين، مريود، ضو البيت، ودومة ود حامد، وغيرها من التجارب الروائية الرائدة في الوطن العربي والعالم.
اللؤلؤ المزيف
رواية الينابيع للروائي عبدالله خليفة رواية متشعبة الموضوعات، غنية بالفلكلور البحريني والخليجي، وهي أيضاً تنهل من التاريخ السياسي للبحرين، وتقرأ اجتماعياً واقتصادياً التحولات الديموغرافية في البلاد عبر امتلاك الأراضي ووسائل الثروة والسلطة.
ويعود بنا في هذه الرواية إلى تاريخ البحرين في سنة 1856 م .
ابتداء من امتلاك سفن البحث عن اللؤلؤ، في زمن ازدهار هذه التجارة في البحرين ودول الخليج العربي، وحتى أفولها بسبب اللؤلؤ المزيف الذي جاء من اليابان، وانتشر في أسواق الزينة، وأفقد اللؤلؤ الحقيقي سوقه وقيمته الأولى.
وكذلك أرخت الرواية لظهور ثروة النفط والغاز في البحرين، مما مهد لتحولات سياسية واجتماعية هامة في المجتمع البحريني.
أدت بدورها إلى تغييرات اجتماعية جذرية في بنيات المجتمع وطرائق معيشته، وصاحبتها تطورات في الشخصية الخليجية غيرت سلوكه، وتطلعاته نحو العالم ونظرته للتقدم العلمي، وطبيعة الحياة وتقدمها في المجتمعات الأكثر تطوراً وغنىً، ويرد في مقطع مؤثر من الرواية فقرات نصية عن اكتشاف أول بئر نفط «الذي نعته الروائي في روايته بالماء الأسود، وأفرد له جزءاً كبيراً من السرد الروائي.
«المهندسون والموظفون يعانقون بعضهم البعض، ويهتفون، وتصيح الآلات المعدنية مرسلة لغتها العجيبة عبر الفضاء، ويجمع الأوروبيون كرات من المارد الأسود الممزق المتناثر على التربة، ويجرون بها نحو مكاتبهم» ص 199 وباكتشاف النفط تمّد أعمدة الكهرباء لأول مرة في شوارع المنامة، ويدهش اهلها من رؤية أضواء المصابيح الكهربائية.
أزمنة وأمكنة
وابتداء من الجزء الأول في الرواية المعنون بـ«الصوت» والجزء الثاني «الماء الأسود» يهيىء الروائي، للجزء الأخير من الرواية «الفيضان»، بسرد التحولات الكبرى في حياة أهل البحرين.
وذلك من خلال شخصية محمد العوّاد، الذي يتمرد على سلطة الأب والعائلة، ويقرر أن يصبح مغنياً في عصر يعتبر أهله الغناء عاراً، ومثلبة، وفي العادة لا تتشرف أية عائلة معروفة في البلاد بأنتماء المغني إليها في ذلك الزمن القبلي.
فيعيش حياته مبعداً عن كنف العائلة منبوذاً من جنتهم، باحثاً في أنغام عوده عن بحرين جديدة تتناغم مع تطلعاته الفنية، وحلمه الدائم بلقاء حبيبته ميّ، التي يحيل بينها وبينه، وضعها الطبقي الجديد بزواجها من متنفذ غني، فتحيل بينها وبينه أسوار وأسوار.
ولكن بالرغم من هذه الأسوار العالية إلا ان صوته من خلال أغنياته، التي يغنيها في الأعراس، والحفلات تصل إلى سمع هذه الحبيبة الحلم.
لقد امتدت احداث الرواية «الملحمة» إلى أمكنة عديدة كالمنامة والمحرق، وبومبى ودلهي ودمشق، وشملت أزمنة عديدة ابتداء من زمن القحط بسبب تغير نمط الأقتصاد على نحو مفاجىء في البحرين بفقدان اللؤلؤ لسوقه، واسعاره الحقيقية.
ومجييء الميجر البريطاني بيلي وتبشيره للناس بإنهم «لن يكونوا عبيداً بعد الآن» ص 31 إلى فترة الرخاء والعمران بأكتشاف النفط .
كائنات حقيقية
وتتضمن الرواية مشاهد أدبية وصفية قل مثيلها في الأدب الروائي العربي، اتسمت بالشعرية الخالصة، وقد بناها الروائي بحذق الفنان وتأني المفكر وحرفية النقاش الماهر، والشاعر الملهم مؤسساً على الصور الشعرية، وليس على الحدث الدرامي المتنامي في السرد مبانيه التخيلية، ولا أدري كم من الوقت والجهد استغرقت كل صفحة من النثر الجيد في هذه الرواية من مبدعها؟
كما أن تأملات أبطال الراوية العميقة والصادقة تشي بأنهم كائنات حقيقية، أخذ عنهم الكاتب كل ما تفوهوا به أو فكروا به، وما صادفهم من حوادث ومصاعب وكوارث، وقدمهم للقارىء بمشاهد ساخنة، كأنما حدثت قبل وقت قصير لا قبل مائة سنة أو أكثر.
ذلك ما نشعره على توالي الصفحات وعلى امتداد 400 صفحة من القطع الكبير عن عشق محمد العوّاد المستحيل لميّ التي اقترنت بأحد المتنفذين، وعلاقته الموازية بأنثى أخرى، والتي كانت مجرد علاقة حسية «علاقته بفيّ» التي حملت منه سفاحاً.
ورفض الأقتران بها مبرراً ذلك الرفض بقوله الساخر «أنا فنان احلم أن اصعد إلى النجوم لا لأعيش بين بول الصغار!!» ص 65 بالرغم من حب فيّ له، لكنها اضطرت للزواج من النواخذة الكهل سعيد المناعي درءاً للفضيحة ص 71.
العربي الكادح
أن وراء رواية «الينابيع» هماً وطنياً عميقاً يتلخص بسؤال الهوية، والبحث عن حلول لمعايشة التحولات الكبرى التي تمر بالعالم، وتفرض شروطها الموضوعية على أهل البلاد، وحاكميهم لمواكبة التقدم، وبناء مجتمع العدل والرفاهية والمستقبل الأفضل للأجيال القادمة.
والينابيع تذكر بواقعية مكسيم غوركي الأشتراكية في روايته الأم، وروايات تورجنيف، فهي تنسج نسيجها من الطبقات الكادحة في المجتمع البحريني، فتنقل لنا حياة الصيادين، وأقنان الأرض، وعمال النفط المياومين والمشردين وفناني الهامش.
وتحاول الرواية من خلال ذلك بناء النموذج العربي للكادح، الذي يراوح بين مفاهيمه البرجوازية المتوسطة، والقيم الطبقية، التي استقاها في الكثير من عاداته وتصرفاته بشكل (مغلوط) عن الفكر الأشتراكي العالمي.
فنرى تذبذب محمد العوّاد الفكري حين يدخل قصر معذبه، وسارق حبيبته ميّ، فيرى القصر متلألئاً بالأنوار وحشود العباءات والثياب البيض والخيول، التي ملأت الساحات وبنادق العرضة حين راح اصحابها يطلقون النار على المساء الهابط بقوة فوق الشطآن المقبوضة الروح» ص 174
فنسمعه يردد في منللوج ما ينم على ندمه على ماضيه، فهو حين تأتيه الفرصة لدخول بيت احد المتنفذين يشعر بالمهانة ويتذكر «كيف كان يُجر إلى القلعة ويوضع في زنزانة مع اللصوص والقتلة، وكيف كان يهان من قبل أي شرطي جلف، لأنه غنى كلمات عن الحرية، التي سرعان ما تخلى عنها اصحابها» ص 183.
جمعة بن العبد
أن الحكي السردي في الرواية ينفتح على عوالم تخيليية متشعبة، ويحمل في مضامينه المختلفة دعوات للتعايش بين الثقافات والديانات، ونبذ التطرف، والأستغلال الطبقي، والجهل والتخلف.
إذ بالرغم من أن الدعوة للتحديث في المجتمع البحريني الناشئ بدرت من أجانب كالميجر البريطاني بيلي، وسكرتيره جون سميث «الذي ادعى أنه عالم آثار دنماركي جاء ليبحث في آثار ديلمون وتاريخها..» ص 104.
الذي يعجب بأهل البلاد وتقاليدهم، ويعتبر أن حياتهم أفضل بكثير من حياة الغربيين فيقول عنهم «انهم يتصرفون ببساطة مذهلة، يجلسون على الأرض وتندفع أيديهم في الأرز يكورونه ويقذفونه في أفواههم، ويحكون القصص والأشعار طوال الليل عند الشطآن، وفي الساحات الرملية».
وتسمع أصوات مضاجعاتهم من وراء السعف الرقيق، وكل إنسان يسلم على الآخر الغريب ويصادقه في دقائق، ويدعوه إلى أكله، فيقبل الآخر دون خجل» ص 186
وعادات زوجته مارجريت، «المدمنة على قراءة مسرحيات شكسبير ومارلو وقصص ديكنز وبلزاك وتولستوي والمهتمة بأساطير الشرق» ص 185 إلا ان سرعان ما يتلقف بعض أبناء البحرين هذه الدعوة ويدعون إليها.
ومن هؤلاء جمعة بن العبد الذي «يفخر بالحرية في بلاد الميجر الأجنبية» ص 38 والذي يتلقف دعوة المستر بيلي للتحرر من ديون المرابين والتجار الذين كانوا يستعبدون الناس بديونهم التي لا تنتهي بسبب الربا، وعدم ايفاء رحلات صيد اللؤلؤ بسداد الديون المتراكمة على الصيادين والفقراء العاملين في صيد اللؤلؤ.
يقول مستر بيلي للناس «ستحصلون على كل شيء. لن تكونوا عبيداً بعد الآن. ألقوا بهذه الأوراق الحقيرة التي سجلوا فيها الزوّر والديون والقيود» ص 31.
حب الكاتب لبلاده
ولا يكتفي الروائي بايراد مبادرة هذا الانجليزي بل يسرد ممارساته الحداثية داخل مجتمع البحرين البدائي قبل اكثر من قرن، فهو يمارس فعلاً حداثياً لم يسبقه إليه احد في البلاد حين يدخل للبلاد السيارة إلى البحرين لأول مرة، فتحدث ردة فعل عنيفة عند أغلب الناس، الذي اعتادوا على الجمل والفرس والعربة، التي تجرها الحمير في تنقلاتهم.
فيقول الروائي واصفاً تلك الدهشة وعدم تصديق الناس لما يرونه حين «يدخل الميجر بيلي السيارة أول مرة إلى البلاد فيندهش الناس لرؤيا هذا الكائن المعدني الذي يسير من دون حيوانات تجره، كأنما الجان تحركه من دون أن يراها أحد» ص67، ويسرد مسيرة مستر بيلي، الغرائبية في مجتمع أمي بدأ ينهض ببطء من كبوة التخلف والفقر وحتى نهايته المفجعة» عندما اصيب بطلق ناري من مجهول فيما بعد.
رواية الينابيع لعبدالله خليفة عمل روائي كبير رسم مسارات إنسانية لعشرات الأبطال من الناس العاديين من البحرين عاشوا حياتهم في قاع المجتمع، وآخرين في اعلى قمة المجتمع، والرواية تؤثر كثيراً في القارئ، الذي لم يعرف عن البحرين من قبل كثيراً وتجعله يفكر، ويعيد التفكير في الكثير من مسلماته السابقة عن بلاد صغيرة جغرافياً، بنفوسها القليلة نسبة للبلدان الأخرى، لكنه سيجدها في رواية الينابيع بلاداً كبيرة جداً وأكبر بكثير من قارة بأهلها وتاريخها، وحب كاتب الرواية لها.
كاتب وروائي من العراق

المقالات العامة

المتن الشعري في رواية الينابيع للروائي عبـــــــدالله خلــــــــيفة

المتن الشعري في رواية الينابيع

كتب : وجدان الصائغ

إذا كان الخطاب الشعري المعاصر قد استجلب وبوعي منه التقنيات السردية ليخلق له هيكلية شعرية جديدة يتماهى فيها الشعري بالسردي نائياً بذلك عن الغنائية المباشرة ، فان الخطاب السردي (القصصي والروائي) لم يكن بمنأى عن الترسيمات الجغرافية الجديدة لحدود الأجناس الأدبية وعبر تفكيكه البنية التحتية للنص السردي واعادة صياغتها مستثمراً إمكانات المتن الشعري بانزياحاته المشفرة وترميزاته الموحية ، وهي ظاهرة ليست مستجدة في أدبنا العربي فمنذ العصر الجاهلي نلمح رغبة الناثر القديم في ترصيع متنه النثري بشذرات شعرية سواء أكانت صياغية أم مقتبسة من الرصيد الشعري الضخم لخزيننا الثقافي ومثل هذا ينسحب على الأدب الأوربي إذ اعترف موليير صراحة بوجود هذه الظاهرة في نتاجه الإبداعي حين قال مستنكراً تساؤلات النقاد في هذا الشأن : ( إنني آخذ ما يلزمني هنا حيث أجده سواء في الشكل الموسيقي أو الشعري أو سواهما!) وهو ما يؤكد حقيقة راسخة هي أن النص الإبداعي – وينطبق هذا على الشعري والسردي معاً- هو بلورة تشكل خلاصة الخزين المعرفي الإنساني وهي خلاصة لا تعرف القوالب والتقنين الاجناسي الصارم. وان الناظر في راهننا الثقافي سيشهد بالضرورة استمرار هذه الإيقاعية اعني( اشتباك الشعري بالسردي ) وعبر حركة المتون الشعرية ولاسيما قصيدة النثر صوب المنظومات السردية مغدقة على جسد النص السردي التماعات الصور ودهشة الترميز مع احتفاظ كل من الجنسين الأدبيين باستراتيجاتيه التكتيكية وهو ما جعلنا نجزم بان استدعاء الصورة الشعرية يسهم في تنامي الإيقاع الروائي وتفعيل نغمية السرد . وهو ما يصح تماماً على نخبة من النتاج الروائي الذي يطرح وفقاً لتقنياته المدهشة إشكالية مفادها :هل يمكن أن تكون الرواية في زمن الرواية هي البديل الأجمل عن المطبوع الشعري ؟ وهل يمكن أن نخضع الروائي للقب شاعر حين نسترجع ما قالته سوزان بيرنار وعلى لسان فكتور هيغو: (فليذهب الشاعر إذن حيثما شاء ، ويعمل ما يحلو له ، هذا هو قانونه … وسواء أكتب نثرا أم شعرا ، سواء أنحت في المرمر أم صب تماثيله من البرونز … فهذا رائع ، والشاعر حر)(1) ؟ كل هذه التساؤلات وسواها قفزت إلى ذاكرة التأويل وهي تتأمل تضاريس البنية السردية لرواية الينابيع بجزأيها الأول والثاني للروائي البحريني عبدالله خليفة إذ يستوقفك مستويان ؛ أحدهما مهيمن ينتمي إلى تقنيات السرد التي تؤثث الفضاء التدويني للرواية وتخضعه لآلياتها فتشذره لغة البياض ترقيمياً إلى ثلاثة وستين مشهداً في الجزء الأول من الرواية والى واحد وستين مشهداً في الجزء الثاني منها ، ويضيء المستوى الثاني – الذي نحن بصدد تعقب ملامحه- التحولات الشعرية للمحكي السردي حيث يستدعي عبدالله خليفة كل تقنيات قصيدة النثر ليبلور من تفاعل الشعري بالسردي نصاً ينفتح على كل التأويلات ، ولعل عنونة الرواية ( الينابيع) تضئ هذا الشغف الصياغي إذ يمكن أن نستشعر زخم الإيقاعات المنفلتة من ذاكرة هذا المحمول اللفظي فثمة إيقاع الخصب المشتغل على تلوين الأمكنة بالخضرة واليناعة ، وإيقاع الماء المستمد من حركة الينابيع وتدفق جريانها وإيقاع الحياة وإيقاع… , وهي تتآزر لتشكل بلورة مشفرة تحيل إلى أمكنة ترميزية معممة تتحول شعرياً لتشكل جغرافية مكانية متخمة بالمفارقة والتأويل . زد على ذلك أن المخيال السردي قد اخضع الصياغة الشعرية لنسقين أحدهما حاضر والآخر غائب .

النسق الحاضر:
وتشكله خرائط الصور الشعرية المتخلقة من أقصى الإيحاء والترميز والمتحركة داخل الفضاء التدويني للرواية لتؤشر تحولات اللغة السردية ووفق منطلقات المدرسة التصويرية متوناً شعرية إذ لا شعر إلا بوجود الصور المكتنزة بالدلالة. لاحظ مثلاً استهلال المشهد رقم (39)(2) وحيرة أوراق التأويل إزاءه ؛ أهي قبالة قصيدة نثر تفضح تساؤلاتها المريرة راهن إنساني شرس ملبد بالإلغاء ؟! أم قبالة متن سردي يعكس سريان المونولوج المحموم لعلي وهو ينوء تحت كوابيس الحمى ، قارن الآتي :
(لماذا الصمت؟ لماذا يتحجر الرجال في الغرف الخلفية ، وتتحول العصافير الى حيات ، وتذوب كلمات الأنبياء في الطين ، ويكون البشر كالماعز المذبوح ؟ ولماذا تغدو اللآلئ والدفاتر مشانق؟
لماذا يتهاوى الجسم الممتلئ بالدم والسحر فوق القضبان والأرصفة والالحفة ؟ يا سيدي الإله ، يا مطر الأجوبة، أغثني ، رأسي تنفجر، ولعابي رماد ، وعيوني جمر! انهمر مطر ، وسمع الأقدام تخوض والقوارب تسبح في نزيفها الأبدي ).
إن صعوبة تحليل المتن الشعري المرتبط بالسرد تكمن في عدم قدرة التأويل على الانطلاق بعيداً عن فضاءات الخطاب الروائي كما هو شأن التأويل الشعري البحت إذ إن الشذرة الشعرية وان بدت متألقة إلا أن أوراق التأويل تبقى وبوعي منها خاضعة لاشتباك التقنيات السردية ، فهذه التساؤلات المريرة – التي وجهها علي {الابن غير الشرعي لمحمد العواد} للشيخ سعيد زوج أمه فيّ ظناً منه انه أبوه الحقيقي – تخرج من دائرة الاستفهام لتدخل دائرة المناجاة المحمومة الملتهبة وهي تتحرك بين القيمة المحسوسة (الأب) الراحل والقيمة المجردة (الذات الإلهية) وهي أيضاً تتحرك بين الهم المحلي والهم الإنساني ، إنها باختصار تعكس تراجيديات الإنسان المرهف المسكون بالفكر الوقاد المرموز له بـ(الدفاتر واللآلئ ) واحتضاراته المتوالية على بوابة الزنازين ( الغرف الخلفية) و(المشانق) حيث الانوات الزائفة المتحجرة (تتحول العصافير إلى حيات) ، وربما أضاء المخيال السردي (لعابي رماد , وعيوني جمر) مكابدات بروميثيوسية جديدة وعذابات معاصرة مستجلبة من الرغبة في فيقاد عتمة الآخر باحتراقات الأنا المتوحدة مع الهم الجماعي ، زد على ذلك أن انهمار المطر بذاكرته القرآنية الحافلة بالغضب والسخط لم يكشف عن استجابة ميتافيزيقية لتساؤلاته فحسب وانما كثف من عتمة الراهن وكابوسية اليومي المعاش حين أصغينا إلى صوت (الأقدام تخوض والقوارب تسبح في نزيفها الأبدي) لتتأكد الحركة المفرغة في دائرة المكابدة .
وحين يشاء الخطاب السردي في المشهد رقم (10)(3) أن يعكس احساسات محمد العواد وهو يرقب حدث توافد البسطاء على الميجر ، فانه يرسم من التحولات التي طالت المكان واناسيه صورة سوريالية (غرائبية) عرت الراهن وصورت تناقضاته المذهلة ، قارن الآتي:
(تدافعت الألسن تنسج خيوط عناكب ودم ، واستحالت المدينة فجأة مقبرة كبيرة وأعشاش ومسلخ ، وبدت البيوت الكبيرة العملاقة وسط المدينة وكأنها حيتان طلعت من تحت المياه ، وتلألأت بروجها ، ونوافذها باللؤلؤ المشتعل والأسنان والدم… الوجوه الساكنة الغافية ، والأرجل العصي المرتجفة ، وأجساد الريش المندفعة في أي ريح … استحالت فجأة إلى سلاسل من حديد وتنانير لاهبة ، وراحت تنضج خبز الألم).
تتضح البنية السوريالية للوحة في اكثر من مستوى ؛ فثمة تضخيم الأمكنة (بدت البيوت الكبيرة العملاقة وسط المدينة وكأنها حيتان طلعت من تحت المياه) وتغليفها بغلالة مرعبة (وتلألأت بروج البيوت ، ونوافذها باللؤلؤ المشتعل والأسنان والدم) والغلو في تصوير الانوات المستلبة (والأرجل العصي المرتجفة ، وأجساد الريش المندفعة في أي ريح) وهي تحيل مجتمعة إلى سخرية مريرة من واقع مأزوم وراهن ملبد بقهقهات الحزن(خبز الألم) إذ أن فيه ما يضحك ويبكي معاً وربما لان هناك قرابة غير معلنة بين الهلع والضحك – على حد تعبير لوي فاكس – زد على ذلك أن هذه اللوحة الملونة بحمرة طريفة تعكس تفاصيل الوجع ومساحاته الشاسعة المستجلبة من ( الألسن تنسج خيوط .. دم + تلألأت بروج البيوت ونوافذها باللؤلؤ المشتعل والدم + تنانير لاهبة ) قد أضاءت بنيتها الغاطسة زمناً وشخوصاً وحواراً _ مونولوجاً محموماً وديولوجاً ملبداً بالخذلان _ بالإضافة إلى تفاصيل الحدث الذي ادهش محمد العواد فبقي حائراً إزاء متوالياته المذهلة. ويمكن القول بأنها أضاءت أيضاً موقع السارد وقربه من الحدث ، وبعبارة أخرى فإننا يمكن أن نلمح حركة عينيه وهو يخبرنا به ويعطينا تأويلاً مقنعاً لما حصل ويحصل معلناً عن وجهة نظره .
وتشكل خاتمة المشهد رقم (42)(4) بؤرة تنويرية يكثف من خلالها المحكي النصي التنامي الإيقاعي للحدث الذي يخفي تحت أستاره صراعاً تاريخياً دامياً بين صوت القهر الجماعي وصوت التحرر والانعتاق ، تأمل كيف وظف المخيال السردي التقنية التشكيلية وهو يصوغ صوراً شعرية تكثف ملامح الانكسار وفضاءاته الدامية لنكون قبالة مرايا صقيلة تعكس ملامح الشيخ ناصر السعد وهو يتحسس فجيعته بزوجته التي اتسقت إيقاعات صوتها مع إيقاعات الحدث الخارجي حين قررت تركه بعد أن غادره صولجان الجاه والسلطان:
(اختفت كأنها لم تكن . كلمات رهيبة قصيرة انفجرت ثم وضعت في يديه أشلاء العمر والأبناء . مطر غزير من الرماد انهمر من السقف والزمان ، وبدا ملتحما بأشباح ووجوه مكسورة الأنوف ، وخيول غارقة في الدم والأحزان ) .
تفضح الصور الشعرية المتخمة بالهزيمة والاغتراب عمق مكابدات الذات الواقعة تحت شراسة الحدث ، ولعل مخيال التلقي يلمح الحرائق التي لفعت الأنا المنكسرة وهي تتحرك من داخل الذات المعطوبة إلى العالم الخارجي لترمد الزمن (أشلاء العمر ) وترمد الأمكنة الأليفة (سقف ) . وبنظرة متأملة نستكشف توق النص في تكثيف الأجواء الكابوسية وتهشيم مرايا المكان وعبر خلق طوفان عاصف(مطر غزير من الرماد انهمر من السقف والزمان) يمحق كل الأشياء الجميلة ويغيب ملامحها ، وهو ما يقترب كثيراً من فكرة جلد الذات وقد عزز هذا التأويل التحولات المريعة لهذه الشخصية التي كانت متوجة بالعز والفخار (وبدا ملتحما بأشباح ووجوه مكسورة الأنوف ، وخيول غارقة في الدم والأحزان) . إن هذه الأنا تستكشف عمق عذاباتها في تمرئيها بالمكان الذي شهد مباهجها ولحظات زهوها وهو أسلوب حكائي يمكن تسميته بالسرد الاستبطاني الذي يفضح الموقف الفلسفي للرواية إزاء هذه الكينونة بوصفها وعلى اقل تقدير الأنموذج الشرقي المكرور للذات المتألهة المهوسة بشهوة السلطة .
وتضئ الصورة الشعرية في المشهد (32)(5) مكنونات مي (معشوقة محمد العواد وزوجة الشيخ حامد) هذه الشخصية المولعة بالثراء والرغبة العارمة في الاكتمال بالآخر ، ويمكن القول إن هذه الشخصية هي بؤرة العمل الروائي ذا تطل علينا بوصفها جسداً أنثوياً يثير مخيلة محمد العواد ويدعوه في النهاية للمقامرة بحياته , تأمل كيف وصف المخيال السردي مكابدات مي بعد أن أصبحت في بيت زوجها روحاً موؤدةً و جسداً أنثوياً عاجزاً عن استقطاب الزوج الغارق في نزواته النسائية :
( ما أقسى هذا الليل الهابط بمساميره الصدئة على جبينها ، ينغرز ببطء ، وينشر رماده وملحه في عيونها المفتوحة للصباح البعيد ، القصر عبد اسود في الجزيرة الخرساء ، وليس لها إلا الحكايا واشعار الجواري).
إننا في هذا المقتطف السردي قبالة متن شعري يحايث احساسات الأنوثة بالاغتراب المكاني (القصر عبد اسود+ الجزيرة الخرساء) والزماني (الليل بمساميره الصدئة + الصباح البعيد) بل والنفسي المستجلب من رغبة النص في ترميز تطلعاتها (ينشر رماده في عيونها + مسامير الليل الصدئة في جبينها) ليخلق منها شهرزاد جديدة يخضعها السياق السردي للثقافة الفحولية وللعبة الموت اليومي فتستجير بـ (الحكايا واشعار الجواري) لتخفف من غلواء الترقب والانتظار.
وقد تكون البنية الشعرية شفرة سردية تتحرك في اكثر من اتجاه يضئ الحدث تارة وملامح الشخصيات وأمكنتها أخرى ، لاحظ كيف وصف استهلال المشهد رقم (13)(6) التقارب النفسي بين مي زوجة الشيخ حامد ومحمد العواد على الرغم من الفاصل الاجتماعي والمكاني الذي يحول دون تحقق حلم اللقاء بينهما :
(نائيان عن بعضهما ، قريبان في لهبهما وأنفاسهما ، والبدر يصعد في الشرق معشوشباً بأغصان غيوم ) .
تتكئ هذه الومضة الشعرية على تقنية الإسقاط الفني ( active- projection)(7) حين تخلق متوازية ترميزية بين (محمد العواد + مي) و(البدر + أغصان الغيوم) إرهاصاً بقرب تفتت الحواجز المكانية بين العاشقين وربما نستشف من التشفير الاستعاري (معشوشباً بأغصان الغيوم) الحركة المراوغة التي ستوقع البدر(محمد العواد) في شرك الغواية الجسدية المهلكة فيسقط صريع شهوته ثم صريع رصاصات ابن مي في خاتمة الرواية . زد على ذلك إن هذه الصورة البصرية المركبة(البدر يصعد في الشرق معشوشباً بأغصان غيوم) تحيل إلى تألق محمد العواد في سماء الغناء والتطريب حد تماهيه مع البدر المتوج بأكاليل الغار ، وقد أضاءت ذاكرة الفعل (يصعد) طبيعة هذه الحركة الرشيقة صوب البزوغ .
ومن المفارقات الدلالية التي تطرحها النزعة الشعرية المهيمنة ؛ ارتكاز المشهد نفسه الى الغيوم والقمر – في موضع آخر(8) – بوصفهما بؤرة ترميزية تحيل إلى خرق المقدس والمحظور ومهمازاً مشفراً يؤشر حركة مي المخاتلة للقاء بمحمد العواد نزيل بيتها وضيف زوجها الشيخ حامد وهي حركة متخمة بالهوس الجسدي الذي سيوقع الاثنين (محمد ومي ) في فخ الغواية المهلكة :
(هي تمشي الآن في أحشاء الغيوم في السماء ، ونثيث القمر الضوئي ،ورذاذ المطر الأول ، وهو يقبل قمم النخيل ويتساقط على صدر الأرض العطشى . كأن ثيابها تتسرب منها ، وجوعها يتفجر برقاً ، وسيوف من الضوء تدخل فيها والماء الطاهر يغسلها ويقبلها وكانت كل الردهات منطفئة والأبواب متحجرة ولم يزل صخب العود مرافقاً للهواء ولخلايا الجدران ، يسحبها من صدرها نحو تلك الغرفة كوة الحريق.)
تطرح هذه الصياغة الشعرية التي جاءت بضمير الغائب وعبر وعي السارد أمام مخيال التلقي شفرات ترميزية تدفع بنية الحدث برشاقة إلى الأمام فأما الشفرة الأولى (هي تمشي الآن في أحشاء الغيوم في السماء) فإنها تستبطن طبيعة هذه الشخصية الحالمة المتمحورة حول مباهج الجسد وغواياته المهلكة , وتعكس الشفرة الثانية (ورذاذ المطر الأول ، وهو يقبل قمم النخيل ويتساقط على صدر الأرض العطشى) زمنين متصادمين ؛ أحدهما منصرم شهد أوج العلاقة بين محمد العواد ومي وقد فضحت الصورة الشعرية الممزوجة برذاذ المطر الأبعاد الجسدية لهذه العلاقة من جانب ومن جانب آخر فإنها أشادت بها حين قرنتها بـ(قمم النخيل) المتخمة بالجمال والكبرياء حين كانت مي حرة طليقة . واما الزمن الآخر فهو الراهن المعاش الملبد بالعطش الذي يستعيد بنهم تلك اللحظات الفارطة ويتوق لاستجلابها على الرغم خروقاتها للنسق الاجتماعي . وتفضح الشفرة الثالثة (كأن ثيابها تتسرب منها ، وجوعها يتفجر برقاً) الشبق الجسدي لمي الذي صيره النص قرين البرق الخلب بل إننا نستشعر سخرية المخيال السردي من هذه الرغبة (كأن ثيابها تتسرب منها) بغية إدانتها من طرف خفي . وترهص الشفرة الرابعة (سيوف من الضوء تدخل فيها + الغرفة كوة الحريق.) بالخاتمة الدموية للحدث الذي سيطيح بالكينونتين (مي ومحمد العواد) معاً.
وعلى الرغم من انشغال المشهد رقم (26)(9) في تكثيف ذروة التصاعد الدرامي بسبب من تخلي محمد العواد عن فيّ ( الفتاة الملتحمة بالمكان وفطرته ) والمتورطة بعلاقة غير شرعية معه بعد أن أحست ببوادر الحمل ، فان النسق الشعري قد اطل في اكثر من مفصل ، لاحظ مثلاً كيف رصدت مرايا السرد احساسات الأنوثة المتخمة بالخذلان والرعب من التحولات الكابوسية للأمكنة :
(كانت تتقطع دموعا ويدا وثديا، كل ينابيعها المحبوسة بإقفال الأمل ، ضخت فجأة كل الوجع والرعب ، وصارت المدينة والسماء كلها حصى …)
تفضح ذاكرة المحمول اللفظي(الحصى) العقاب السماوي للخطائين (الرجم) ويفلح المخيال السردي حين يجعل من الحصى مكاناً مغلقاً يكبل هذه الكينونة لنستشعر حركة الرجم من كل الجهات (السماء + المدينة) توكيداً لغياب الرحمة والعدالة ورغبة من النص في ترسيم خريطة للمكان المعادي الذي يمارس على الذات الأنثوية شراسته .
وتفضح البنية الشعرية لاستهلال المشهد رقم (54)(10) عذابات علي بعد غياب أمه (فيّ) المفاجئ (هذا الجسد الأنثوي الجميل الذي كان محشوراً بين رجلين أحدهما شرعي(الشيخ سعيد) والآخر معشوق خارج النسق الاجتماعي (محمد العواد/ والد ابنها ) بحادث غامض يتأرجح بين الدهس المعنوي (الاغتصاب) والدهس الجسدي (حادث سير ) حيث تبقى لغزاً مشفراً قابلاً لكل الاحتمالات وتبقى جرحاً فاغراً في ذاكرة ابنها (علي ) تأمل ما أورده المحكي السردي منعكساً على وعي هذا الابن المهشم تحت معاول الفقد والغياب المباغت:
(هذه مرايا الريح ، ووجوه الطواويس والأقنعة ، من يتكلم في الماء المقفر من الأعشاب والصوت؟ كل لحظة يفتح الكفن يتفجر وجهها المرتعب. أية أصابع هذه التي أطبقت على جسدها الهش ، وغيصت السكاكين في حوضها الممتلئ بالماء والعشب ، لماذا اخذوا أمي مني ؟… لماذا جعلوني اصرخ هناك وأهز المدينة واعوي مثل ذئب يأكل جراءه؟ … لماذا وجدت السرب مثل البيت العفن الذي لا يفقس سوى الحيات؟ لماذا أصبحت لي عدة وجوه وأدراج مليئة بالسكاكين والأشباح؟… الروح تجري في الأزقة تتسول الدم ثم تحترق في أعمدة الدخان والزمان).
لابد من الإشارة إلى أن هذا الاستهلال المرمد قد شكل أفقاً مرآوياً نلمح من خلاله عذابات علي واحساساته المتناسلة بالشتات بعد غياب الام الرامزة للانتماء والخصب (حوضها الممتلئ بالماء والعشب) . فـ(مرايا الريح ) قد شكلت مهمازاً مشفراً يخفي في بنيته الغاطسة ألواناً من الدمار والخراب المادي – الذي ألقى بظلاله على المكان الأليف (البيت ) – والخراب المعنوي المستشف من تشظيات علي وتساؤلاته المريرة الملفعة بالتمرد على وجوه الطواويس والأقنعة ( الزهو الأجوف + الزيف) – بل أن الواو العاطفة قد أفلحت في تكريس المواجهة بين مرايا الريح وهذه الوجوه إشارة إلى غياب الجمال والقيم في ظروف تعمد النص إشراك التلقي في صياغة تفاصيلها والإجابة عن عناقيد الأسئلة الباحثة عن هوية الجناة المجهولين (أية أصابع هذه التي أطبقت على جسدها الهش ، وغيصت السكاكين في حوضها الممتلئ بالماء والعشب) أضف إلى ذلك أن أوراق التأويل تستشعر نمواً في شخصية علي التي غدت متأرجحة بين الإحساس الشديد بالذنب والرغبة في جلد الذات (لماذا جعلوني اصرخ هناك وأهز المدينة واعوي مثل ذئب يأكل جراءه؟) وبين الرغبة في الانتقام من المجهول (لماذا أصبحت لي عدة وجوه وأدراج مليئة بالسكاكين والأشباح؟… الروح تجري في الأزقة تتسول الدم ثم تحترق في أعمدة الدخان والزمان) بل أن تساؤله (لماذا وجدت السرب مثل البيت العفن الذي لا يفقس سوى الحيات؟) يشكل ذروة الاغتراب النفسي والزمكاني.
ويستثمر المشهد رقم (43)(11) براعة التساؤلات الساخرة في تجسيد مرارة محمد العواد وهو يرقب سفينة الثائرين فارس والمزين تتوغل في البحر لتلقيهما في باخرة قصية تحملهما إلى المحيط – كما تورد الرواية- :
(ماذا فعلنا غير أغنيات وفرحة وصرخات وحصى مندفع نحو الخيول والحراب المفترسة ؟ ولماذا كل هذا ؟ والوطن جالس على مقعد التراب ، والأكواخ تطلق خيوط الزيت والدخان في رحلة الأسرة والتناسل والصمت ) .
يكثف هذا المتن المتخم بالانكسار عبثية الجهد المبذول (أغنيات + صرخات + حصى) باتجاه تغير خرائط العتمة والتشظي ( الخيول + الحراب المفترسة) وقد كرست (الأكواخ {التي} تطلق خيوط الزيت والدخان في رحلة الأسرة والتناسل والصمت) فضاءات الاغتراب عن الآخر الراضخ لسلطة التهميش والاستلاب والمنشغل بمباهجه الآنية المرموز لها بـ ( الأسرة والتناسل والصمت). إن الخط السردي المحايث للبنية الشعرية المتوترة التي كثفت دجنة الخيبة قد أخفى في حقائبه مجموعة من الأحداث الدامية الممنتجة والمتكئة إلى استباق وارتجاع وحذف وتأجيل وتوقف مقترنة بأشخاص وفضاء من الزمان والمكان . لنكون في مواجهة صورة كاريكتيرية ساخرة تقودنا سردياً إلى الحدث المغيب الذي يسبق اللحظة السردية الشاخصة التي شكلت أحد مرتكزات النمو في شخصية محمد العواد .
و يتأكد في استهلال المشهد رقم (25)(12) نجاح النص في استدراج التلقي إلى فراديسه السردية عبر هذه المواشجة بين الشعري بانساقه التي تكثف مساحة البوح وتمنح المتن ترميزاته المترامية الدلالة وبين السردي الذي يرقب نمو الحدث – حدث لقاء محمد العواد بفارس الشخصية الثائرة على رموز التهميش – وتفاصيل المكان الذي كان مسرحاً لعذابات فارس المبعد عن وطنه . تأمل كيف مظهرت البنية الشعرية ملامح الانوات التي ضج بها مكان اللقاء حيث كانا (يتسكعان في مدينة بومباي الهائلة الرائعة المخيفة . يجلسان في مرقص واسع) –على حد تعبير الرواية -:
فتنبثق فراشة من شرنقة ، امرأة مدهشة تتحول إلى سرب من الطيور المرفرف الصادح ، قدماها لعبة ضوء ، وخلاخيلها مطر ضاحك في الأزقة ، ويداها تقفان فجأة وسط الوجه مضمومتين كسيف يعطي العينين فرصة الفتك).
لا ادري لماذا أحسست بان هذا الاستهلال يمارس على أفق التلقي سرداً مزودجاً فهو وان كان من حصة السارد حين ورد بضمير الغائب إلا انه جاء مستبطناً لشخصية محمد العواد الذي لا يرى الأنوثة إلا جسداً مكتنزاً بالغواية الحسية ومتواليتها المبهجة . وهو ما أشارت إليه الرواية في شذرات رصعت الخطاب السردي واعطت انطباعاً واضحاً عن سجية هذه الذات الشغوفة بالمغامرات النسائية . إلا أن عودة سريعة إلى خرائط الصور الشعرية المحتشدة في هذا الاستهلال ستحيل إلى مراهنة النص على براعته في تشغيل ذاكرة التلقي على اكثر من اتجاه فثمة تشغيل لذاكرة الحواس (البصر { فراشة من شرنقة + سرب من الطيور المرفرف + قدماها لعبة ضوء + يعطي العينين فرصة الفتك}و السمع { وخلاخيلها مطر ضاحك في الأزقة + الصادح} واللمس{ ويداها تقفان فجأة وسط الوجه مضمومتين كسيف} والشم {الذي بقي محتجباً خلف السطور إذ لا يمكن أن نستدعي هذه اللوحة بمنأى عن العطور الشذية والبخور}) وتشغيل الذاكرة الجمعية عبر استجلاب لوحة متكاملة من الرقص الهندي (فتنبثق فراشة من شرنقة ، امرأة مدهشة تتحول إلى سرب من الطيور المرفرف الصادح) بل أن الدقة في وصف الرقصة(ويداها تقفان فجأة وسط الوجه مضمومتين كسيف يعطي العينين فرصة الفتك) يصل ذروته حين تكون تفاصيل الجسد الأنثوي الفاتك عتبة لامكنة أليفة منقوشة على جدار الروح (قدماها لعبة ضوء ، وخلاخيلها مطر ضاحك في الأزقة) لنكون قبالة متوازية إيحائية تتحرك بين دفتي الغياب والحضور فثمة سمفونية الجمال الباذخ الحاضر وسيمفونية الخصب الغائبة والمرتهنة في الامكنة الاثيرة (الازقة) الحالمة بالغبطة والنور.
ويتوغل المخيال الشعري الى تفاصيل استهلال المشهد (56)(13) ليضيء مكابدات الكتابة هذه الحرفة الملفعة باللهيب والاتقاد ، وهو يخفي تحت التماعات الصورة حركة السرد المشتغلة على استبطان شخصية الاستاذ فارس هذا المناضل الذي نفي الى الهند بسبب من مواقفه الجريئة ضد استلاب الهوية وعاد الى وطنه ليلقى نكراناً وعقوقاً ، قارن الآتي :
( كان يهذي مراراً ، ويصطخب ، وينتحب ، ويسمع اصواته وكأنه ينشر لحمه وعظمه ، يحمل ورقه الكثيف، الممتلىء بانفاس الدخان، ويلقيه في النار ، ويعود ليدق الصخور ثانية ، بآلة يسمع صوت تكسر سنها الحادة وحشرجتها الحديدية(
يشكل الوجع السيزيفي بؤرة المتن الشعري المتخم بالتشظي والاغتراب ازاء ذاكرة المكان المثقوبة والمعطوبة ، بل ان المتوالية التراجيدية تتكثف عبر لقطات ممتنجة تختصر عذابات الذات الملتزمة (كأنه ينشر لحمه وعظمه) التي تجد في الكلمة رسالة تنويرية ونقشاً لاينسى في ذاكرة الاجيال ، وربماعكس القلم (آلة يسمع صوت تكسر سنها الحادة وحشرجتها الحديدية) التفاصيل الوعرة لرحلة الكتابة ، اضف الى ذلك ان المقول السردي (ويعود ليدق الصخور ثانية ) يكشف ابعاد المحنة الزمكانية من جانب ومن جانب آخر يضىء ملامح الاصرار التي تقمع الاستسلام والهزيمة .
ويمنح المعطى الشعري المشهد رقم (3)(14) مخيال التلقي سانحة استكشاف شخصية بدر وعبر استرجاع المونولوج ملامح معشوقته ثريا شقيقة عادل خسرو لتكون نبراتها المهموسة شفرة شعرية تتمحور حول رؤى هذه الكينونة ، قارن الآتي :
(كيف تخيط من لفائف الالفاظ عقوداً وثيابا وطيورا تطلقها في الفضاء وتقيم مهرجانات من الالوان والزغب . هناك تنفتح عريشة العنب للكلمات الكبيرة ، وهواجس للامة ، وسكاكين الغزاة ، وعبق الطوفان ويجد الاصابع الصديقة الرفيقة والوجه المعشوق وارجوحة الحب والايام الحلوة ، وليس دقائقها الصغيرة في جيوبه ويملأ بضحكاتها اروقة صدره وايامه ، ولينمو في الليل والفراغ مثل زنبقة كونية )
اية انوثة شاء المخيال السردي ان يصنع ؟ واية لوحة شعرية اراد ان يشكل ؟! وهل اشتغل على استدراج ملامح فينوس ليخطفها صوب فضاء السرد فيمنحها ملامح جديدة وهوية مغايرة نلمحها عبر تغييب تفاصيلها الجسدية وتأثيث ملامحها النفسية الباذخة الجمال (كيف تخيط من لفائف الالفاظ عقوداً وثيابا وطيورا تطلقها في الفضاء وتقيم مهرجانات من الالوان والزغب) ؟! بل اننا نشهد انبعاثأً طريفاً لهذه الكينونة من راهن يرث الماضي ويتفتق عن آت شفيف (هناك تنفتح عريشة العنب للكلمات الكبيرة ، وهواجس للامة ) بل ان المتن الشعري وعبر هذا التراصف المدروس لمعماره الفني يصير بلورة سحرية تعكس رؤى بدر وثريا الرومانسية الحالمة بغد يتفتت فيه النفي والمصادرة (سكاكين الغزاة) ، ولايخفى وعي المخيال السردي في التسمية الشعرية لشخصيات الرواية فبدر يغرم بثريا وكلاهما يتحركان صوب سماء ملونة بفراشات الانعتاق والنور .
وتعكس مرايا الصور الشعرية في المشهد رقم (3) (15) خرائط الحزن التي صيرت بلور المكان بنية تاريخية تؤشر الملحمة الفريدة التي صاغها انسان المكان تحت فضاءات مكفهرة . تأمل تحديداً صوت السارد وهو يرقب احساسات محمد العواد الذي تحرك به القارب من المحرق الى المنامة – حيث اخذه الرصيف الى حشد السفن المجنونة (على حد تعبير الرواية)- :
(خشب يرقص في الموج والنار ، واجساد محروقة عارية تخفي الصواري والغيم والحبال ، افواه تصرخ وتحرك عمارات الحطب والمسامير ، وتجعل البحر يتقلقل وينتفض ويتطاير ، الاف الرؤوس تطلق الريح في الاشرعة ، والاف النسوة بثيابهن الملونة يخفين زرقة البحر ويصدحن بعويل الاغنيات وهي تغدو ايد ممدودة لرجال يذوبون في المياه .الريحان المتناثر في الاجواء وعيون النسوة وراء البراقع والعباءات وصدى نشيج الصواري)
مما لاشك فيه ان هذا المشهد التراجيدي المكرور قد فرضته جغرافية المكان الذي شهد طقوس الرحيل والبكاء (افواه تصرخ وتحرك عمارات الحطب والمسامير + نساء يصدحن بعويل الاغنيات + صدى نشيج الصواري) لتتخلق من هذه الحناجر المنتحبة سمفونية طريفة للحزن تتماهى فيها نبرات الذات بالمكان . واذا كان الروائي عبدالله خليفة وعبر عناقيد الصور الشعرية المتخمة بعذابات الانسان قد ركز على سيرة المكان لانه راو مشارك ، فانه قد استثمر الطاقة الهائلة للذاكرة التي تقتبس ترميدات الانوات المتحركة على مساحة النص (خشب يرقص في الموج والنار ، اجساد محروقة عارية + تجعل البحر يتقلقل وينتفض ويتطاير{شرراً }+ عمارات الحطب) لتوقد مناطق السرد وتخطف فضاءها لتولد فضاء شعرياً مترعاً بالتماعات الصورة الفنية المتخمة بفجيعة الغياب.
ويصوغ استهلال المشهد رقم(60) (16) من القفال لوحة شعرية سيرية وثائقية تؤرخ للمكان و افقاً مرآويا تتمرأى فيه عذابات المكان وانواته (الذات المترقبة والذات المبعدة كرهاً عن الاحبة والوطن ) وعبر تقصي تفاصيل لهفة فيّ وولدها علي لقفال سعيد المناعي من رحلة الغوص المهلكة :
(عادت السفن ، واشرعتها ممتلئة بالهواء والامل . حمامات ترفرف من فوق الشطآن ، وزغاريد تندلع من القلوب الظامئة , اجساد شرهة لنسوة يقتحمن المياه بالنار والريحان . ثلل الرجال , اشباه العراة ، التي نسيت بعضاً من ضلوعها وعيونها وايديها في ادغال المياه ، تلتحم باغصان النسوة المورقة ، وعشب الاولاد والبنات الوافر.)
يشتبك في بنية هذا المشهد الضاج بالحركة والعنفوان الشعري بالسردي فنستشعر وعي الذات الساردة بمحنة الغياب لذلك فانها تقوم بتشغيل اكثر من ذاكرة (ذاكرة المكان + ذاكرة التلقي) لبلورة سيرة شعرية خاصة بالمكان وبالقفال تحديداً بوصفه مهيمنة اجتماعية وثقافية ، فتحشد الرموز المكانية المتحركة بين اقصى السلام والبراءة (السفن حمامات ترفرف فوق الشطآن) واقصى الهلاك ( ادغال المياه) بل ان الذاكرة الاسطورية للخطاب السردي تجد في هذا القفال تموز جديد ينبعث للحياة كل اياب بقرينة الخضرة التي اجتاحت النفوس ( ثلل الرجال … تلتحم باغصان النسوة المورقة ، وعشب الاولاد والبنات الوافر ) زد على ذلك ان المشهد الشعري يعكس من طرف خفي احساسات مزدوجة من طقوس البهجة واللوعة بهذه العودة التموزية (وزغاريد تندلع من القلوب الظامئة , اجساد شرهة لنسوة يقتحمن المياه بالنار والريحان .) لتتكشف قدرة السرد على ان يمسرح المتن الشعري وان ينفذ الى بنيته الغاطسة فنحدس زمنين: (تقويمي {مدة رحلة الغوص} ونفسي {زمن الترقب والمكابدة}) ونسمع اصوات الانوات المبتهجة التي يختلط لديها الواقع بالحلم والممكن بالمتخيل لتتأكد لنا قيمة ما يقدمه التصوير الشعري للمتن الروائي دون ان تنطفىء جذوة السرد تحت تشكيلاته الانزياحية .
وتلمح اوراق التأويل في استهلال المشهد رقم (50)(17) لوحة شعرية اخرى للسفن تتمحور حول مكابدات البحارة وعذاباتهم قارن الآتي:
(كانت السفن تنام على سرير الماء الهادىء الناعم ، متنائرة عند ينابيع الماء الحلو واللؤلؤ، استكانت بعد عناء النهار الشمسي الثقيل ، ولبست عباءة الليل ، وانهارت على الخشب والابسطة اللاسعة ولعاب المحار والحكايا القصيرة . )
يكشف هذا المشهد الشعري الحالم المشتغل على كل الحواس طبيعة الانساق الاجتماعية المتحركة بين اقصى الاستبداد والتحجر(ملاك السفن) وبين اقصى الاستسلام والانكسار(البحارة) والتي غلفت مجتمع الغوص انذاك بعتمة تليق بعذابات الفرد الواقع تحت شراسة الحرمان(18) مثلها مثل (عباءة الليل) المسدلة على زمن المكان (السفن ) الشاهد الوحيد على تلك المعاناة (النهار الشمسي الثقيل ) وطبيعة المحصول الذي يتم استحصاله (خشب + ابسطة لاسعة + لعاب المحار + حكايا قصيرة). وتتأكد حركة المخيال السردي صوب الفن التشكيلي لاكساب اللوحة الشعرية بعداً تصويريأ مضافاً عبر المناغمة اللونية بين السواد (عباءة الليل ) والبياض (نهار شمسي + اللؤلؤ) وجمالية المد البصري للبحر(سرير الماء الهادىء الناعم) .وهي حركة موفقة تكثف التفخيخ الدلالي وتعلن عن التضاد الحاد بين البنية الحاضرة المنطوق بها للوحة المكان الزاهية المزركشة بالنعيم (كانت السفن تنام على سرير الماء الهادىء الناعم ، متنائرة عند ينابيع الماء الحلو واللؤلؤ) وبين البنية الغاطسة المسكوت عنها للذات المتخمة بالوجع والاستلاب ، وقد نجح الفعل المستعار (انهارت) في ان يوقد بمخيال التلقي ملامح الوهن.

النسق الغائب :
تشكله البنية المسكوت عنها والمرتهنة خلف استار المتن الحاضر وهي تراهن على براعة المخيال السردي في تشغيل الذاكرة الشعرية للتلقي حين تخلق موازنة ترميزية بين بطل الرواية محمد العواد وعنترة بن شداد في اكثر من موضع في الرواية (19) مازجة بذلك الماضي بالحاضر ومستشرفة الآتي وكأن شخصية عنترة تتشكل في اللحظة الراهنة ، فنشاهد هذه الكينونة المنبعثة من عمق التاريخ وهي تنفض عن كاهلها عذابات التهميش بسبب من لون البشرة المتسلل من الام العبدة لترسم بؤرة التوتر الدرامي للرواية الذي يخضع عنترة بطروحاته المعاصرة للسياقات الاجتماعية والثقافية والمعرفية بل قل والزمكانية لنلمح التحولات الطريفة في هذه الذات المتسللة من عمق الذاكرة الشعرية فنستكشف استعاضة محمد العواد السيف بآلة العود واستعاضته عن الفروسية في سوح الوغى بمغامراته النسائية واستبداله لقب عنترة الفوارس بلقب محمد العواد بل ان المخيال السردي يرسم صورة محايثة يتداخل فيها موت عنترة غدراً في معارك القتال بمصرع محمد العواد غيلة جراء مغامراته النسائية . كما نلمح في مرات عديدة امتزاج عذابات محمد العواد بمكابدات عنترة وامتزاجاً في نبرات صوتيهما توكيداً على النموذج الانساني المتكرر وسرمدية المكابدة السيزيفية ، وبنظرة متأملة نستشعر بان مي (معشوقة محمد العواد) هي عبلة معاصرة لم تخضع للاعراف الاجتماعية – كما خضعت على اقل تقدير فيّ – فكانت صورة للمعشوقة المفرغة من محتواها الفكري والروحي لتبقى متمحورة حول فروسيتها في خرق النسق الاجتماعي والقيمي .
وخلاصة القول ؛ فان المخيال السردي للروائي عبدالله خليفة قد صاغ في رواية الينابيع شذرات شعرية يمكن تسميتها تجاوزاً بقصيدة السرد – التي هي البنية الشعرية المهربة في حقائب الرواية _ وهي قصيدة مرنة مرونة الفن الروائي تسهم بشكل او باخر في تصعيد الايقاع السردي فهي قد تكون شذرة شعرية يتكيء عليها المجال السردي فنشهد وعبر التكثيف الشعري للخطاب الروائي ملامح الشخصيات وحركة نموها وتفاعلها مع الحدث والفضاء الزمكاني ونسمع احتدام الحوار …، وقد يتسع جسد هذه القصيدة ليشمل البنية الروائية برمتها لنكون والحالة هذه ازاء قصيدة مشفرة تنأى بالمتن السردي عن التقريرية والخرائط الايحائية الجاهزة . انها باختصار خاصية صياغية تقف على تقنية انخطاف اللغة السردية وصيرورتها متناً شعرياً باذخ الدلالة .
الهوامش :
(*) : عبدالله خليفة ، رواية الينابيع / الجزء الاول ، اتحاد كتاب وادباء الامارات ،الشارقة 1998 . رواية الينابيع / الجزء الثاني ، اتحاد كتاب وادباء الامارات ، الشارقة 2000
(1) : سوزان بيرنار ، قصيدة النثر من بودلير الى ايامنا ، ترجمة : أ0د0زهير مغامس ، دار المأمون ، بغداد 1993 ، ص161 ومابعدها
(2) : عبدالله خليفة ، ج2/ ص 136
(3) : نفسه ، ج1/ ص 38
(4) : نفسه ، ج1/ ص 144
(5) : نفسه ، ج1/ ص 109
(6) : نفسه ، ج2/ ص 50
(7): عرف كارل غوستاف يونج الاسقاط الفني بانه ((العملية النفسية التي يحول بها الفنان تلك المشاهد الغريبة التي تطلع عليه من أعماقه اللاشعورية ، يحولها إلى موضوعات خارجية يمكن أن يتأملها الآخرون )) ويشير الدكتور مصطفى سويف الى تماهي الاسقاط والترميز في قوله : ((بان الإسقاط هو عملية لا غنى عنها في فهم عملية الامتصاص(Introjection) حيث يسكب الشخص احاسيسه في شيء ما ، -أي يموضعها- وبذلك يتسنى له أن يفصل بينها وبين الذات ، وبقدر ما يكون هذا الشيء رمزا فان صاحبه يكون مبدعاً عبقريا )) . من الواضح أن ما يهم هذه الدراسة هو الاسقاط الفني – إذا صح التعبير – وهو الذي يفضي إلى ترميز الاشياء (الحية والجامدة) التي يسقط عليها المبدع احساسات متباينة فتستحيل رموزاً مشفرة متوترة لا حصر لها . وللاستزادة ينظر : د. مصطفى سويف ، الأسس النفسية للإبداع العربي ، دار المعارف ، ط3 ، القاهرة 1969م ، ص203 ومابعدها , كما ينظر كتابنا : العرش والهدهد ، مقاربات تأويلية لبلاغة الصورة في الخطاب اليمني المعاصر ، مؤسسة العفيف الثقافية ، صنعاء 2003 ، ص 150
(8) : نفسه ، ج2/ ص 51
(9): : نفسه ، ج1/ ص 92
(10) : نفسه ، ج2/ ص 184
(11) : نفسه ، ج1/ ص 145
(12) : نفسه ، ج2/ ص 92
(13) : نفسه ، ج2/ ص 92
(14) : نفسه ، ج2/ ص 17
(15) : نفسه ، / ص 15
(16) : نفسه ، ج1/ ص 212
(17) : نفسه ، ج1/ ص 17
(18) : للاستزادة ينظر: د. ابراهيم عبدالله غلوم ، القصة القصيرة في الخليج العربي ، المؤسسة العربية وللدراسات والنشر ، ط2، بيروت 2000 ، ص47
(19) : سنتلبث في دراسة لاحقة عند خصائص هذه النسق بالتفصيل .

المقالات العامة