
أحياناً نقرأ أسماء الكتّاب على صفحات الجرائد، أو نسمع بهم من الأصدقاء، ثم تشغلنا أمورنا اليومية عن قراءة أعمالهم، وخاصة حين يكونون بعيدين عنا، جغرافياً، وأحياناً نقرأ نصوصاً متميّزة، فنتابع إنتاجات كتابها، تاركين غيرهم من الزملاء الكتاب للمصادفات، ولا شك أن النشاطات الثقافية التي تقام في مناسبات للتواصل بين كتّاب من أقطار مختلفة، تخلق مناسبة للتعارف، وتبادل إهداءات الكتب، وحين تجد نفسك وجهاً لوجه أمام أعمال أحد الكتّاب الذين سمعت بهم ولم تقرأ لهم، في هذه الحالة تكون دوافع القراءة مضاعفة.
تعرفت إلى عبـــــــدالله خلــــــــيفة من خلال روايته ‹‹الأقلف›› في أسبوع الثقافة البحرينية الذي أقيم في دمشق بمناسبة كونها عاصمة للثقافة العربية، وبعد الانتهاء من قراءة الرواية انتابني إحساس شديد بالتقصير، وجدت نفسي أمام كاتب كان عليّ أن أعرفه منذ زمن. عبـــــــدالله خلــــــــيفة كاتب قادر أن ينقلك إلى عوالم لم تكن تتصوّر مدى فجائعيتها، يندمج فيها الأسطوري، والديني، والاجتماعي، والسياسي، والوطني. ليتشكل أمامك نسيج روائي متميّز، يذكّرك مرّة ‹‹بهوميروس›› ومرة أخرى بـ‹‹نجيب محفوظ›› ومرّة ثالثة بواقعية ‹‹ماركيز›› السحرية، ومرّة يذكرك، وهذا الأهم بما أنت عليه في جوّانيّتك.
بطل الرواية ‹‹يحيى›› الملقّب بالأقلف، يجد نفسه نابتاً في محيط لا ينتمي إليه، فهو أقلف، وسكان الحي مسلمون. يحاول البحث عن إجابة لأسئلة كثيرة تدور في ذهنه، كل ما يربطه بهذا المحيط هو جدّة خرساء، (ولا يغيب عنا أن الكاتب أخرس الجدّة ليقطع طريق اليقين أمام فتى لا يعرف أباه ولا أمه، ولتبقى الحيرة واللوبان في فراغ دون قرار). وجغرافية المكان تذكرك بأطراف المدن العربية، حيث تنتشر الأكواخ، وغرف الصفيح، ولكن بتصوير مبالغ فيه بوظيفيّة متقنة، الفقر والعوز والتلوث، وما يمكن أن ينتجه هذا المحيط من بؤس وتشرد، وقطاع طرق. يتعرّف ‹‹يحيى›› إلى ممرضة إنكليزية تعمل كراهبة في مشفى خيري يتبع لقوات الاحتلال الإنكليزية، يعشقها ويتزوجها، وهنا يتشارك الزوجان مخالفة السائد، يتعرضان لعقوبات شتّى، العقوبات طارئة على الزوجة ‹‹ميري›› لكنها عادية بالنسبة ليحيى الذي عرف العقوبات بمختلف أشكالها، وعرف الخيانة من أعزّ أصدقائه حين حاول قتله بطعنة سكين، لكن يحيى سامحه، أحرق الصديق بيت يحيى، وقتل جدته، وقرّر يحيى أن يسامحه مرّة أخرى. هذه الروح الإنسانية السامية التي قلّما نجدها، هي منبوذة من مجتمع متشكّل من عادات وتقاليد، لا يعيرها ‹‹الأقلف›› أي اهتمام، يعمل بوحي من ضميره الذي يرى الله بشكل مختلف، ويرى مهمة الإنسان بطريقة مغايرة، وهذا ما يظهر في الجزء الأخير من الرواية، حيث يتحول يحيى إلى مدافع شرس عن بلاده، ويصير الوطن أكبر بكثير من كوخ بسيط محروق، أو غرفة بائسة مهدّمة، ويرى أن من واجبه الحرص على حياة صديقه الذي غدر به أكثر من مرة، ذلك الصديق الذي تحوّل إلى قائد لمجموعة ثوار ملاحقين من قبل الجنود الإنكليز الذين حاولوا الاستعانة بالأقلف ليدلّهم على مكان الثوار، وذلك تحت التهديد بقتل ابنته بعد ما قتلوا زوجته، لكن خيار يحيى ‹‹الأقلف›› لا يختلف عن خيارات جميع المخلصين لأوطانهم، والمدافعين عن شرف وكرامة المنبت.
يشتغل عبـــــــدالله خلــــــــيفة في هذه الرواية بأسلوب يأسر القارئ حتى النهاية، معتمداً على مخزون لغويّ ثرّ، وقدرة على التقاط الصور والمشاهد ببراعة لا يتقنها كاتب عادي، ليوصل القارئ في نهاية الرواية إلى أفق ينفتح على أكثر من نتيجة أو قناعة، أو مقولة، ودافعاً إيّاه إلى إعادة تشكيل عالم مختلف، أو إعادة قراءة الواقع بشكل مغاير.
كتب: نصر محسن
- قمرٌ فوق دمشق
- قراءة في أعمال الأديب عبدالله خليفة
- قصص من دلمون
- كريستين هانا
- المكانُ في روايات عبد الله خليفة دراسة تحليليّة لنماذجَ مُختارة
- عبدالله خليفة: الرؤية الفكرية والفنية لأدبه
المقالات
مرحبًا بك في عالم من الإمكانيات اللانهائية، حيث الرحلة مثيرة تمامًا كالوصول، وحيث كل لحظة فرصة لتحقيق إنجازك.
-

المقالات General articles The_Roots_of_Capitalism_among_the_Arabs Abdullah_Khalifa The_Qarmatians .. Historical Roots Abdullah_Khalifa : Domesticated Creatures Abdullah_Khalifa : What is the rope of God? Abdullah_Khalifa : Our simple, humble man Abdullah_Khalifa : Iran between siege and heritage Abdullah_Khalifa : The Russian State and Dictatorship Abdullah Khalifa: Dance and its social implications Abdullah_Khalifa : My throat is filled with fire for my homeland Abdullah_Khalifa Farewell, friend of jasmine Abdullah_Khalifa : Patriots, not sectarian Abdullah_Khalifa Re-producing the…
-

اليوم 10/21/ الذكرى لــ 11 لوفاة عبـــــــدالله خلـــــــيفة في رسالة بعثتها الى موقع عبـــــــدالله خلــــــــيفة مرحبا أنا كريستين هانا، مؤلفة كتاب «النساء»، و«العظيم وحده» و«العندليب» وأكثر من عشرين رواية أخرى تستكشف الحب والشجاعة ومرونة الروح البشرية. بدأت رحلتي في الكتابة قبل وقت طويل من أي قوائم من أكثر الكتب مبيعا أو تعديلات للأفلام. بدأ الأمر…
-

الـسفـــــر ــ قصةٌ قصـــــــيرةٌ الحي القديم يتفتحُ بدروبهِ الضيقة اللتوية، كالأيام والأنام ، أحجارهُ تآكلت وتساقطت قشرتها ، وتحولت غيرانها ملاجئ للهوام .بيوتٌ متراكمة فوق بعضها ، تتشاجرُ ضلوعها وأبوابها ، قميئة ، كالحشائش الفطرية الذابلة ، قماماتها حدائقٌ للذباب ، ومسامُ دروبها تنزف هياكل وفئرانٌ وأشباحٌ ومجانين وغرباء .في أيامهِ ، كان هذا الحيُ…
-

المقالات الخــــــروج ⇜ قصةٌ قصيرةٌ انتشى وهو يصعدُ السلم ، صعدَ قمةٍ شاهقةٍ ولمسَ السحبَ وذاقَ المطر . الدنيا صيفٌ والشمسُ تنورٌ متجولٌ . صعدَ وابتسم وود لو يقفزُ إلى الشارع البعيد ويقبل أخاه ويغرقان في احتساءِ هرمٍ من العلب ذات المياه الفضية . هل سيحضنهُ؟ هل سيراهُ أم يبقى وحيداً ؟سمعَ نداءات السجناء الأخيرة…
-

المقالات المذبحة ⬅ قصةٌ قصيرةٌ كان يوماً رائعاً، جميلاً، إذ هبت نسمات منعشة فوق الوجوه، وتطاير الغبار في مكان ما، وأهتزت أشجار، وكأن ذلك الفرن المشتعل قد توقف فجأة، وأنفتح الباب لصباح رقيق، كثيف النور.أحسن عاشور بكل العالم بين يديه، وهو يصل إلى سطح خزان الماء. أحتضن الهواء، وأمتلك ببصره كل آفاق البحر الواسعة، الزرقاء،…
-

⬅ اسم الكتاب: اللآلئالمؤلف: عبدالله خليفةالصفحات: 124 يكتب عبدالله خليفة الروائي البحريني المعروف، روايته الأولى، مُنكّهةً برائحة البحر، والغوص، وصيد اللؤلؤ، الذين كان تجارة عظيمة في البحرين والكويت وسواحل الخليج العربي عموماً، ما بارت إلا عند ظهور اللؤلؤ الصناعي، يكتب هذه الرواية متلمساً الماء، واللآلئ رزق الجزيرة الصغيرة الوفير، حيث تدور أحداث العمل حول موسم…
-

بقلم القارئ علي عيسى من البحرين الكاتب والروائي عبدالله خليفة كاتب قدير معروف وهو احد اقطاب القصة القصيرة في البحرين؟ وكان هذا الكاتب المعروف في قصصه السابقة يعني بالدرجة الاولى بالإنسان؟ فالإنسان يحظى عنده بالمرتبة الاولى من الاهتمام.وفي هذه المرة طلع علينا كاتبنا برواية (مريم لا تعرف الحداد) التي كرسها لخدمة الإنسان وإبراز ما يعانيه…
-

كتب فيصل عبدالحسنرصد الروائي عبدالله خليفة في روايته الينابيع التي صدرت قبل وفاته بشهور قليلة تاريخ البحرين ابتداء من القرن الثامن عشر، والتاسع عشر وانتهاء بأيام الهاتف النقال الحالية، وجعل خليفة بطله محمد العوّاد مدخلاً لعصر التنوير، وبداية لتاريخ التدخل الأوربي المباشر في شؤون المنطقة العربية ومنها البحرين .ومن البديهيات المعروفة أن كل بلد في…
-

كتب : وجدان الصائغ إذا كان الخطاب الشعري المعاصر قد استجلب وبوعي منه التقنيات السردية ليخلق له هيكلية شعرية جديدة يتماهى فيها الشعري بالسردي نائياً بذلك عن الغنائية المباشرة ، فان الخطاب السردي (القصصي والروائي) لم يكن بمنأى عن الترسيمات الجغرافية الجديدة لحدود الأجناس الأدبية وعبر تفكيكه البنية التحتية للنص السردي واعادة صياغتها مستثمراً إمكانات…
