ـــ ❶ ـــ
لكَ النورُ والظلالُ والحلم أيها الشراع، لك الفضاء المفتوح تتجه لجزرِ الكنوز والنساء.
وراءنا الشواطئ الرثة الضاجة التعبة المهترئة تحاصرنا تخنقنا ثم تنثرنا في البحار والمدن البعيدة والبلدان النتنة.
لا تلقي نظرةً طويلةً للوراء، حتى لو تحطم الخشب أسبحْ، أسبح، حتى تصل للجزر، للجبال فيها، للعطاء داخلها، لتصل للساحرات، النساء المتجددات عذريةً.
الهواء الحار يلفحكم، الرجال يجدفون، وينفخون بأنفاسهم وأيديهم الهواء،
الظهيرة قاسية، الموج يضربُ الحطبَ اليابس ويكاد يشققه، هذه الكتلة المحدودة المثقلة بالأجساد والأشياء الموضوعة في الخن، وبالأشباح الكثيرة وذكريات الموتى ورغبات الأجساد العارمة التي تصطدمُ بعرق الرجال وزنخهم، الذين يتعرون ويساقطون في الظلمة فيم مياه البحر اللذيذة المنعشة.
قدموا من أزقةٍ نتنة، من فجائع وتفاهات وفشل مروع، يقذفون أنفسَهم للحياة، للبحثِ عن فرص، لرحلاتٍ مخيفة لتكوين مصائر جديدة.
ليس قربك سوى الربان طارش يهمهمُ ويغمغم، يتصلُ بكائناتهِ العليا، يتطلعُ للنجوم والكواكب والشهب ويراسلها، يلقي عليها مياهاً مقروءً عليها، متبلات بنفحِ الطيب المحمدي فتندفع المياهُ في قوالب ممتدةٍ كأنها صاعدةٍ من نافورة. رأسُهُ الصلعاء مضاءة، جمجمته فيض نور.
هذا الربان العجوز كأنه حيةٌ تجددُ شبابَها في كل سنة، يعرس، يسكن أكواخاً وبيوتاً جديدة، ينجب قبائل من الأولاد والبنات، يختفي، يظهرُ في أمكنةٍ أخرى، كأن البناتَ تغيرُ جلدَه، والعيالُ يسلخونه، يهرب للألق، للمغامرات الغريبة، يلتقي بالسحرة والعلماء والربابنة.
فكيف الآن يقشعرُ جلدُهُ من المغامرة الكبيرة القادمة؟
تلك التي أعددتَ لها طويلاً.
يلتفتُ إليه مروِّعاً:
ــ حلمت البارحة يا غانم حلماً مخيفاً، هذه السفينة سوف تتصدع!
يضيف:
ــ هذا الكائن الخشبي الحقير يوغل في شلالات الماء والنار!
سكتَ ونظرَ إليه هو ساخراً يستمر في تغريبته البائسة:
ــ لا بد أن نقنع الرجال بالعودة للبر، كفاية ما التقطناه من محار واسفنج ومرجان وما بليناه من لهب.
ها هو العملاق يتحول لعصفور مبلول من المطر.
ــ تقنع الرجال بماذا؟ بهذه النفايات التي تكبدوا التعب لكي يحشروها في الخن بين عظامهم؟
ــ بدلاً من أن يصيروا طعاماً للكائنات التي سوف تهجمُ عليهم!
ــ إنهم ينتظرون هدوء الرياح الموسمية وتدفق الرياح الشمالية لينحدروا للجنوب ويذهبوا لجزر الأقمار السوداء، حيث جبال الذهب ومدن النساء والمتع وسفن الثروات الضائعة! إنها جزر ليست بعيدة وسوف نأتي بالقوارب والطعام والشباب.
ــ ما هذا؟ أي مخطط غريب هذا. هل استغفلتموني؟
ــ أنت لمحطة واحدة ثم تأخذ أجرك وترحل إلا إذا أردت أن تكمل معنا.
ــ أتعصون إرادتي؟
لست سوى ربان هذه السواحل الضحلة الكئيبة!
جسدُهُ العملاقُ العاري يسبحُ إلى الخشب، ويرتفعُ وكأن السفينةَ تتقلل وتصعد أصواتُ بحارة: لا تسقطْ السفينةَ يا نوخذه!
يقف أمام البحارة كالجبل، كموسى القادم من الشعل، لكنه يحمل ألواح السحر غير المقروءة، وهمهمات البشر وراء الأكواخ. يقول:
ــ يا ربعي وعزوتي إنني لم أرَ حلماً من قبل هكذا، لقد أخذني الوحشُ بين يديه وطار بي، لمستُ الطوفان بيدي، تناثرت أجسادُنا أشلاءً، ثمة كائن مخيف يطل علينا، سَحبنا للثلج والرياح والنار!
غمغم رجالٌ وضحك آخرون.
في كل هوةٍ بشرية تتساقط القمامةُ ولا ترتفع سوى شرارات صغيرة من البِشَر والألق و(النهمات).
يرى الربانُ السفينةَ وقد التفتْ فجأة بالظلام، تحولت لخان، أو سوق، أو شرك، تبدل الرجالُ العراةُ، جثموا للعبِ الورق، ظهرت زجاجاتٌ صغيرة تفيض بالمنكر ويحيط بها الدخان.
ارتفعتْ أصواتٌ، بدت الرؤوسُ كحياتٍ تترددُ بين الماء والهواء، بين النار والقبور، وتمشي الحكايات مستعيرةً أجنحةَ الجن وأصوات النوارس وقلوب الأطفال.
ــ تعال يا طارش للعبِ وأنزعْ أساطيرك هذه!
ــ يا إلهي! هذه الأساطير جعلتكم تمشون وتحلقون فوق البحار!
يرتفع كأنه على تلة، على برج تاريخي شيده سحرة، يجثم على الخشب متطلعاً إلى كائنات غريبة تحيطُ به.
هل هم جماعته نفسها؟ ألم تقودهُ العفاريتُ لكيان آخر؟
ليسوا هؤلاء جماعته!
يقترب، يطالع الوجوهَ، يرى رمضان، هذا جزءٌ من علامات السفينة والمدينة؛ ثرثرةٌ وسخافات مشبعة بالنوادر والتوابل الجنسية الحارقة ومحاولات بائسة لفتح دكان، وهذا فهد لديه مهمات عجيبة للمعارك الدامية، فيه قوة غرائزية مجهولة.
يجلس عند رؤوس الرجال، يتحسسُّ الأحلامَ المدهشة المتدفقة، إنه خروجٌ واسع من الأزقة الرثة والغبار والدخان والدم، حرائق منتشرة في بيوت السحرة، أبنية متألقة مثيرة، رؤى ومتعٌ وسفر.
عتيق لم يستطع أن يتجاوز إدمانه، يتطلع للبراري الجديدة والمدن.
فهد كل تمرداته ضد أبيه كانت خائبة.
يتطلع فيهم طارش مذهولاً.
ــ أي فتية أنتم؟
ــ كنا نهذي في المدن، نتحشرُ يوماً بعد يوم، خذنا بعيداً عن تلك الأكوام من السماد البشري، خذنا لحياة أخرى!
يغمغم، يتحد بصلابة الخشب، يسمع الموجَ يهذي ضائعاً في الكلام والأنام، والأسماك تبتعدُ عن صدأ السفينة مذعورة، جسدُهُ العملاق يقلق، ثم تدب حركة عنيفة، كأنها ضربة من كائنٍ ما، السفينة تهتز وتَقلقلُ الرجالَ كدمى من البلاستك والقماش الطفولي الرقيق.
رؤوسهم ترتفع قلقة، يتطلعون لجهة الربان الجاثم مثلهم، ولكن الحركة لم تتوقف، وراحت السفينة تهتز بعنف، الشراعُ الملفوف يهتز ويسقط منشوراً على رؤوسهم، السفينة تسحب المرساة. تختض بقوة، كل بحار يمسك شيئاً لئلا يتدحرج ويُقذف إلى الماء.
يقتربون من الحواف وكل بحار يمسك الخشب بقوة.
الموج يتساقط عليهم ويهزهم ويكاد يقذفهم. يسمعون دمدمةً مخيفة، ثمة وحشٌ يضربُ الألواحَ ويشمُ السمكَ المجفف والعظام الحية المليئة بالنخاع.
اقتربوا، رأوا!
ثمة ذيلٌ هائل يتحرك في الماء والهواء نشطاً قوياً يضربُ بحدة.
الكائن لا يستطيع أن ينزل تحت قاع السفينة ليقلبها، جسمُهُ الضخمُ لا ينحشر في الأسفل، لكنه يقذفهم بمياه قوية ويرتفعون عن الخشب ويسقطون بعنف.
طارش يرى أجواءً رآها في الحلم ولم تكتمل بعد. يتحرك بصعوبة لكي ينتزعَ مجدافاً، غانم يحاول أن يقترب منه، حركتهما تهتز، يضطربان ويتلاقيان ويصطدمان. يضع طارش حربةً في المجداف، الذي يتمردُ على يديه مراراً.
الحوتُ يظهرُ برأسهِ المفتوح وعيناه تبحثان عن جسد.
الأجواءُ تغيم، رذاذٌ ناعمٌ يتساقط من سحبٍ متحركة قطنية هفهافة، النورُ يغمرُ الأفق، الماءُ الحلو يتداخل والماء الإجاج.
يتقدم طارش من أمام الكائن الهائل، يهتز من ضربات المياه والهواء، الحربة الطويلة تُوجه نحو رأس الحوت، عينا الحوت الضخمتان تتطلعان بقوة وشهية للربان.
العصفُ مستمر، تقلبُ البحارة وإنفلاتاتهم على الخشب حادة، بحارٌ طويلٌ هزيل يعركُهُ الموجُ ويتدحرجُ ويقترب من أشداق الحوت فيفتح الحيوانُ فمَهُ ويهجم عليه، البحارُ تضيعُ صرخاته في ضجيج الرياح والمياه، يزدردُهُ الحوتُ وتتقطعُ أجزاؤه، ويتقدم طارش بقوة ويوجه الحربةَ ويسددها إلى عين الحوت المنشغلة بالجسم البشري المتقطع الممزق المتناثر.
الضربةُ تتغلغلُ في العين ويُذعرُ الوحشُ وينتفضُ ويتحرك ذيلُهُ ويضربُ السفينةَ وكانت حربةَ غانم قد دخلتْ فيها وتقلقلتْ بين اللحم والخروج من الجسم المثخن.
يتراجع الحوتُ ويترك بحيرةً من الدماء، تطفو على أشلاءَ مضطربة، وتهتز السفينة اهتزازات عنيفة وتهدأ بعض الشيء ولم تزل مضطربةً مترنحة.
راح البحارةُ يطالعون أنفسَهم، يتفقدون أجسادَهم والضحايا، يمسكون بعضَ أشياء الزاد التي تنبعثُ من (الخن)، يحدقون في الربان وغانم اللذين انهارا متعبين.
لكن السفينة كانت تهتز بقوة، الريح ازدادت عنفاً وصخباً، أنها تدفعها للجنوب، تضغطُ عليها من الجهات الشمالية والغربية، وحبلُ المرساة الهائل يمسكها فتهتز وتضطرب وتدور.
غانم يزحف للحافة، يرى الموجَ الصاخبَ وتيارَ الدماءِ لا يزال متدفقاً:
هل أسرعا بالصعود وتركا الوحشَ يلملمُ جراحَهُ ويستعد لجولةٍ ثانية لالتهامهم؟
البحارة نزلوا في أعماق السفينة، يرفعون مواداً غذائية تكاد تتلف وتذوب.
هل ينزل البحرُ ثانيةً لوحده مصارعاً؟ هل يتركه يستعيد عافيته لجولة ثانيةٍ؟
هل يتركون هذا الجسم الهائل المكتنز بالشحم ويتحسرون في الأيام القادمة جوعاً؟
ثمة قلقلة واضطراب. هل عاد الوحش؟
إنها مجموعةٌ من قروش البحر تتدفق على المكان، ورغم الريح والمطر الموج الصاخب لكن الكائنات الوحشية الجائعة أسرعتْ لالتقاط رزقها وهم تركوه!
سيلُ الدمِ يمشي من تحت بطن السفينة متجهاً للجنوب، للضواري والبقع المساحات التي سوف تستقبلهم.
هل يقطعُ الآن حبلَ المرساة ويحرر السفينة من قلقها واضطرابها؟
فهد وطارش يصارعان الهواء المائي الباطش ويقتربان منه.
يقول وفي فمه بخار وماء:
ــ سوف أقطع حبل المرساة لنمضي!
يصرخ طارش ولكن فقاقيع الكلام وشظايا اللغة تتناثر:
ــ كلا.. لا .. سوف نقودها نحو بر..نا .. أر .. ضنا…!
يصرخ غانم:
ــ أبتعد أيها الكهل، سوف أقطع الحبل ونمضي قبل أن نغرق في دوامة المكان!
يهجم الربان عليه، يحاول وقف أداته الحديدية التي تجرحه.
ــ أبتعد سوف تقطع يدك!
يتمكن طارش من زحزحة غانم عن الحافة والحبل الضخم الذي يعود جزؤه المسحوب للماء وقد أُصيب بحز، غانم يسقط على السطح والماء المتدفق يضربه وغمغمته تائهة في الخضم.
أصواتُ أسماك القرش تتفاقم، إنها تتصارع الآن على البقايا، ظهرت حشودٌ منها، لم تعثر على شيء وراحت تصارع من يمسك بقطعة أو بعظم!
ثم راحت تضرب السفينة بجنون وتمد رؤوسها وسيوفها نحو الرجال، بدت مثل قماش صلب معدني مقطع منتشر على طويل المياه ويحيط بالسفينة مثل قيد مصنوع من أنياب!
بحارة يضربونها بالمجاديف التي تكاد تتكسرُ على رؤوسها.
بحيرةُ الدمِ المنتشرة المترجرجة تخف وتُمص وتذوب في المياه الكثيرة المتدفقة.
بدا الرجال مثل كومة أو بقايا إعصار، أو حزمة حشائش محصودة.
لم تعد المدينةُ المغبرة المدفونة في رمال الصحراء وغبارها، وصدأ الحديد، والدخان، والأكاذيب، والضجيج، ودخان الحرائق مرئية، محبوبةً، مسموعة الأصوات، وراح مهدي يرى حقله الميت وهو يعود ويداه فارغتان من نثار اللؤلؤ ودخانه وأصوات بيعه في السوق..
فيما سلمان يتذكر كيف وُضع في عربة صغيرة ودُورَ به على المنازل للتصدق عليه بشيءٍ من القرآن وكبر شبه معتوه يتلاعب بجسده الأولادُ والبحارة، لا يريد الآن سوى أن ينظف روحه، ويرى مدناً جديدة، وامرأة تغسله من لوثة الرجال.
وسعد تزوجت أمه رجلاً لا يدري به، وأبوه اختفى فجأة، بصق دماً من رئته وهو ينفخ عميقاً في الصرناي، وهو أخذه الأولاد للسجائر المخدرة والإبر.
وغانم نفسه يرى ذاته في غرفة لا يعلم أهي مكتب لطبيب نفسي أم مكتبة بائرة الكتب؟
صاحبه يقول له:
ــ أنت تتعفن في هذه الأزقة والورق الأصفر.
ــ وأنت تُخرج كائنات مضطربة من الأجساد وأرواحاً ثائرة محطمة؟!
ــ أي مغامرة هذه، تعود للغوص، تذوب في البحارة، تتوجه لجزرٍ غامضة، وأرضك دخان ونار.. أي مغامرة مجنونة؟
ــ إننا نتعفن هنا، أنظر إلى نفسك ضاعت الفروق بينك وبين المرضى، بضعة أيام لا يجدك الأميون إلا في أزقة المعتوهين؟
ــ وأنت طالعْ كيف مَحيت الفروق بين المعقول واللامعقول؟
ــ مغامرة عظيمة وراءها آفاق وذهب وكشوف!
صرخ فيهم طارش:
ــ هيا نعود لأرضنا، أنظروا قروش البحر تنتظر لحمكم!
يحاول أن يصلَ للدفةِ والجمعِ والماء الصاخب والدم والريح تمنعه.
ينحني غانم على (الخراب) ⍣ الضخم ويرفع شيئاً منه بصعوبة يرى رأس قرش يقترب منه.
الحزُ كَبرُ والحديدُ يتوغل فيه.
تتحرر السفينة من المكان تهتز بقوة كعروس حرة.
كفرسٍ جامحة في برية مفتوحة، ترتفع للذرى، ثم تنزل للقاع، مجنحة، تعصفُ بها المياه وهي تنثرها، بحارتُها غدوا أولاداً رؤومين بأمهم، ممسكين أجزاءَ من الشراع، يكيفونه مع ضربات المياه وعصف الرياح.
تنبثقُ من أسفلِها غابةٌ من قروش البحر وبقايا الأسماك وبقايا جسد الحوت العملاق.
تصهل في الملكوت الأزرق.
ولم يعد طارش يرى سوى الجنوب. غابت الأزقةُ المغبرة والظهائر بين الأكواخ، والنسوةِ الطبالات والسحرةِ الكاذبين والأسواق التي نفق فيها الرجال واللؤلؤ والمرجان. الأولاد كبروا وذهبوا وراء التلال والجبال البعيدة وذابوا في أدخنةِ الزيوتِ المنبعثةِ من الأراضي المجهولة والشاحنات الفخمة التي تدوس على جثث الرجال والحيوانات. وحين يجيئون لا يعرفونه، يتضخمون في المقاهي وغرف الأعراس والغناء، يظهر نسلٌ غريبٌ من ورائهم يرقصون عقب الولادات ويتفجرون في الشوارع. والمدينة تغرق في الدخان والصراخ والأنقاض التي تتساقط من الأحياء الميتة والتي تطلق في وجهه كميات كبرى من الغبار والبشر القادمين من وراء خطوط القارات يحملون بيوتهم في مناديل وصرر قذرة.
ـــ ❷ ـــ
استقبلت السفينةُ مياهاً زرقاء صافية، انفتحتْ الآفاقُ عذراء، تعالتْ أدخنةُ الشواء والطبخ، وتفجرت ضجةُ البحارة.
بدت السماء تتغير، ثمة غبرة غريبة في الأعالي، غَزُرتْ المياهُ وأسودت، ظهرت أشباحُ جزرٍ عملاقة وجبال شاهقة ذوات رؤوس تتكسرُ أشعةُ الشمس عليها وتغدو مثل المرايا المتعددة.
أخذت الدروب تضيق وانتشرت الجبالُ والصخور في كل مكان، حتى جاءت جزيرةٌ هائلة تكاد تسد الآفاق، جزيرةٌ جبلية قاحلة جهمة، ذات مرتفعات وكهوف ملآى بحيوانات ضارية!
وقف البحارة منتصبين مذهولين من وحشةِ المكان وعنفِ الذئاب التي تتصارع جائعةً وتندفعُ نحو السفينة كأنها تريدُ التهامَ لحم سهل.
لم يكن سوى شريط مائي ضيق وتقفز الحيواناتُ الشرسة في جوف السفينة المتوقفة.
حدث إظلامٌ شديدٌ وما تزال المرايا الضوئية المشتعلة في عمق السماء تتكسر.
تأمل طارش المكان والعواءَ والجبالَ الموحشة ورأى أشعةً كالخيوط باهرة في الكهوف، وعيون الذئاب تومضُ فيها.
تألقتْ النارُ في السفينة، غدت المجاديف مرة أخرى تحملُ الحرابَ، توحد الرجالُ في الألق والشجاعة، تخوفت قطعانُ الذئاب من الضوء والحديد اللامع المسنون، وجدتهُ ينغرزُ في عظامها بسرعة، فتعوي وتصيح وتهجم وتبرز أسنانها ولعابها وتدافع عن صغارها المضروبة بقسوة، وتعضُّ لحماً هارباً وتقتطع بعضَه بوجل وصراخ وتلوذ بالفرار وتترك الأفاعي لمهمة حماية الظلام والصغار والسم.
كان الرجال يصرخون، يرون عروقَ الصخورِ تتألق في الداخل، خطوط الماس والذهب تمتد في الحصى، يرون أكواخَهم تنارُ فجأة، ونساءهم يمضين في أعراس بهيجة، والبيوت الحجرية الصغيرة تصيرُ عمارات تضج بالموسيقى.
الحراب تتحول لفؤوس، تتغلغل في المواد الصلبة المتفجرة شراراً، خنُّ السفينةِ العفن يستقبلُ معدناً متألقاً يندسُ في زواياه وخفاياه، ينحشرُ في ثقوب، يهدأ في سكون.
غدت السفينة أثمن ما في البر، غدا السير صعب المرور بين الحجارة العملاقة والصخور الناتئة والمياه الضيقة، الجزرُ صارت ضائعةَ الملامح، الغبارُ والأضواءُ الشاحبةُ والشجرُ الكثيفُ تعرقل سيرها، لكن الرجال يبحثون عن مجارٍ ويسيرون في مواكب الساحل وبعضهم لا زال في الجزيرة يحفر ويحطم الصخور.
أجسادُهم تغدو، أقوى، بعضهم يسير في البرية، آخرون ملتصقون بالسفينة وشراعها ودفتها.
تبدو الجزر الأخرى بعيدةً ضخمة محاطةً بعتمات تحيطها المياهُ والجبال، المرتفعاتُ تصلُ للسماء في أشكالٍ رأسية حادة وفراغات ضيقة تتراءى وراءها جبال أُخر.
الجسم الذكوري المتنوع يزخرُ بالحياة، يشعر محمود إنه تحرر من سطوة أبيه إلى الأبد، لن يعد للمدينة ويتوارى في زقاق أو مشرب ينزف فيه أيامه.
علي ينفضُّ المياهَ القذرة التي تحيط بجسمه ويرمق الجبال البعيدة والسماء السوداء الغريبة المتألقة.
سالم يحرك قطعَ الماس في كفه، يضعها في فتحة بالسفينة ويغطيها بقماش.
سوف يزيل السعف وصراخ الجن وجنون المخمورين.
بصعوبة تمضي السفينة بين الصخور والأشياء والمياه الضحلة والعميقة، تتحرك بمجاراة الشواطئ غير الصخرية، تمضي في العمق وتعود للساحل، والجزيرة القادمة الهائلة تنمو، تظهر غاباتُها، يجيء صمتُها الغريب، تُسمع أصواتٌ غريبةٌ كأنها زئير أسودٍ وصراخ قردة تتشاجر.
تتوقف السفينة عند شاطئ هادئ آمن، تمزج الليل بالنهار، وتتحسسُّ الشطآنَ برؤيةِ الكهوف والأشجار، تزداد أصواتُ القردة صخباً.
يقظة حراس المجموعة، النيران المشتعلة حولهم، الجذوع الموضوعة المحيطة بهم، توقف قفزات القردة بينهم، وهي تصخبُ وتملأ المكان ضجيجاً وتتقافز بين فروع الشجر وتحدق في وجوههم وتقلدهم وتضحك عليهم.
ثم أخذت تنزل وتتطلع إلى النيران والوجوه وتكاثرت لدرجة مقلقة.
ثم أخذت تتجرأ وتحاول مشاركتهم في اللحم المشوي المتقلب على الفحم وخطفه من فوق الفحم وسحبه من الخشب الملتهب فتصرخُ من الألم.
ثم جاء النهار المعتم، وضوء الشموس المنكسرة لا يزال متردداً مترجرجاً.
وقفت جماعة القرود في وجه زحف البحارة وخروجهم من الدائرة الضيقة المحاصرة.
قفزت ثلةٌ من القرود إلى السفينة وأمسكتْ أشياءَ راحت تصيح بها.
غضب البحارة وراحوا يغرزون حراب المجاديف في لحومها وهي مذهولة يتفجر الشرر من عيونها، وتسقط مضرجة في المياه وعلى الأرض، الكتلة البشرية التي كانت ساكنة هادئة لطيفة غرزتْ حرابَها في عيونها وصدورها مما أفزعها وجعلها تلوذُ بالفرار وتتعالى على الشجر وتلقي بالأغصان على السائرين في جوف الغابة الواسعة المتفتحة عن جبال مغطاة بالشجر وكهوف معتمة تُنار فجأة بعد سنين.
تجمع البحارةُ يراقبون حشود القرود الغريبة، الصامدة في خطوط الشجر والأرض، كأن وجوهها تفكر بعمق!
سحبت كتلاً من الجذوع وسدت الطريق، تراكضت بين الأغصان والأرض وأعماق الغابة البعيدة.
لم يستطع الرجال التحرك والنفاذ بينها، يصرخون ويرمونها بالحصى فتصرخ بدورها وتضربهم بالحصى وهي تضج وتضحك!
ينتظرون أنها تذهب وتتوارى في جوف الغابة لكنها تجثم في المقدمة وتعسكر وتجمع خشباً وتنتشر!
جلس الرجال وأشعلوا النيران وبحثوا عن قماش لصنع خيام فلم يجدوا.
جمعوا خشباً وصخوراً وأشعلوا النيران وصنعوا دوائر من أجسادهم.
ثم نزل مطرٌ مدرارٌ أطفاء النيران ورأوا القرود لا تزال ترابط وتجثم على الأغصان وتتلحف بأجسادها وبعضها يمضي في مغارات الجبال وتحت أثلام الصخور وبينها.
تعذر حراكُ البحارة، روأوا قردةً غريبةً تمشي على قدمين، تتحدث بهدوء، تتغلغل في السفينة وتبحث في سطحها وخنها، يندفع البحارة نحوها بحرابهم وتحدث معركة ساخنة، تصرخ فيها تلك الكائنات الغريبة وتهرب وتسقط في المياه وتسبح بمهارة!
قال غانم:
ــ فلنهجم عليها ونمضي للمغارات الواعدة، ثمة أضواءٌ غريبة فيها!
أنهمر مطرٌ من الحجارة، ظهرت الشمس توقفت المياه، تعثرت القرود في الحجارة راحت تهرب وهي تصيح.
مشى الرجال وذاكرات النساء تبلبلهم، بين العودة والمغامرة هوات عميقة، وبرار ذكورية قاتمة.
أعطتهم جزيرةٌ هدؤَها وعشبَها، وغدت ساحلَ لبحرٍ واسع ضحل وعميق.
غانم مشى فيه، رأى سمكاً كثيفاً، وسمك قرش خطر، ولاحت أخشاب كثيفة في الأعماق.
نزل والسم يطالعه ويتحرك ويشرد. رأى كتلاً مسودة، أقترب فشاهد صناديق ختلفة الأحجام، صدئة، عليها قواقع متحجرة شبه مخضرة.
أمسك واحداً، صغير الحجم فوجده ثقيلاً، رفعه وأعتلى به للسطح، تكرست المياه فوقه، ورآه طارش وسبح نحوه، صرخ به:
ــ ثمة .. أخرى في الأسفل، أدعو الرجال!
بدت الأجساد كعناكب أو سراطانات كبيرة وهي تغوص وتلتم على الخشب الذي تمسك بالقاع وبأسراب السمك العنيف الذي قاوم طرده.
الصناديق تُجر للشاطئ، لم تزل تضخ ماءً وشعاعاً وظلالاً.
الأقفال الصدئة لم تتحطم بسهولة، ومع كل صندوق تظهر أعاجيب الفضة والنحاس والأشياء والذهب والحلى والقماش. هياكل بشرية كانت بعظامها تحاول الأبقاء للمرة الأخيرة على أملاكها.
ذُهل البحارة من جبل الثروة المتكون المتصاعد المنير. تطلعوا للجهات البرية المختلفة المخيفة، بدا كأن رؤوساً تطل من وراء تلال، بل ربما ذئاب، أو قرود أو جن!
تحسسوا أجسامَهم غير المسلحة، غدت الثروة بدون دفاع مخيفة.
كلما فرزوا الأشياء وروأوا قطع الذهب والفضة المتكاثرة التحموا وغفوا وحلموا ورأوا قطاع الطرق يهجمون عليهم، وهم في قافلة من سيقان هزيلة تتساقط في البرية.
لم تعد القرود والذئاب مخيفة.
إنتبهوا لجوعهم، ذهب غانم وفهد للصيد، غدا المحار المطبوخ كافياً، كل شيء يشبعهم، فرحهم الغامر يسندهم.
رأوا حاراتهم ترتفع جبالاً مضيئة ذات أقمار، تراقصت أجساد الصبايا بنجوم السماء، وزُفت بكواكب الأرض، أرتفعت ناطحات السحاب من بين السبخ.
ــ أين نخبىء كل هذا؟
ــ لندفن أشياء منها ونمضي..
ــ كأنني أرى رؤوساً وراء التلال..
ــ وكأنها تتكاثر..
ــ يكفي منظار واحد ليفضحنا ويجعلنا في دائرة اللصوص!
ــ أي طريق طويل علينا أن نقطعه لبلدنا؟
كان ثمة من يرقبهم، كان المنظار المخيف قد التحم بالبصر والذهول. قائد مجموعة البدو أصيب بدوار وترك موقعه ويمضي تاركاً مجموعته تراقب وتنتشر على طيف السفينة المارق المحاصر.
الجبل الكبير المفتوح الفم مضاء بالقناديل والشموع في عز النهار. الحراس يرقبونه وهو مسرع يخترقهم بلا تحيات. يوقفه عزيز الكائن الجاثم لدى الملكة. الرياش والحرير والشموع والجواري لغة مختلفة عن البراري والسباع والخيام ورياح الغبار.
ــ كلمة رأس للملكة فقط!
ــ قلْ ما لديك وأنا أوصلها لها..
ــ أبتعدْ عني!
الجواري يخبرن الملكة العملاقة بقدوم عزيز لأمر هام. وهي ترفع حجاباً وتطل مصغية.
ــ حاصروهم وانتزعوا الثروة منهم، وإن لم تفعلوا سوف أقطع رؤوسكم.
ــ العدد لا يكفي.
ــ وكم عددهم؟
ــ عشرة ربما أو أكثر بقليل..
ــ يا لرجولتكم!
ــ أنهم في سفينة وفي البحر ونحن قلة ولا نخوض اليم.
ــ خذْ العددَ الكافي وحاصرهم وأجلبهم لي.
إندفع عزيز للشاطئ والخيول تجري وراءه. كانت السفينةُ قد أبحرت. كانت تشكل دوائر من الموج والضباب والدخان، كانت تطلق أشباحاً على عيون البدو، وقد رأت رؤوسهم وبانت أيديهم بقيودها وسيوفها وبنادقها.
كلما تجاوزت صخرةً برزت رؤوس، وكلما ذهبت للمياه العميقة أنتشر المسلحون على الضفاف، يظهرون من الموج والخشب، يلقون شباكاً لا تتسع لها.
الصيد السمين يغور في الموج، يتجاوز السكاكينَ الصخورَ، ويكاد يفلت من القروش الآدمية، لكن عند رأس حيان نزلت طيورٌ وحشية، أجسادٌ صلدة بقيود وسيوف تقطع الرؤوس المتمردة، وعزيز يمسك الدفة ويضع الرجال الصناديد تحت أرجله.
ينغمر بسرعة ذاهلة بالثروة أشعتُها تضربُ العيونَ ببروق حادة، يغمغم:
هل أذهب بها للملكة؟ لن تترك لي شيئاً.
يتخيل حصرها للرجال وتخديرها لعقولهم وتحولهم لمسطولين وإنسلال الثروة في خزائنها السرية، ساقاها جبلان، وفرجها هوة يضيع فيه البحارة وكنوزهم.
العين مسلطة عليه والدفة تتجه لموضع الساحرة العملاقة.
يُذهل البحارة من الجبل العملاق المفتوح، عرش الجنية، حيث الأصوات الغريبة، والممرات السرية السحرية التي يضيعون فيها ويفقدون الصحبة، وتمسكهم أيد غريبة، وظلال تنفث في أرواحهم إضطرابات، ويلتصقُ بهم جسدٌ عملاقٌ يمصُ رحيقهم الذكوري ويتخلخل الماضي، تنتفي صورُ الأمس، تتقطع الجذور، تتفجر صيحاتُهم، وكلما خرج واحدٌ منهم من كهف بدا ممسوخاً.
يخرج سلمان وقد نسي أمه، التي دارت به معوقاً تستجدي الشفقة، يطير في سحابة حشيش.
وعلي نزل من جبل بعيد وشرب حليباً وغمره ضباب.
وسالم راح يتسول معرفة ليخرج من زقاق معتم.
تناثروا هشيماً وأرواحاً وصرخات.
غانم ظل محتفظاً بذاكرة هشة تعود للطفولة.
طارش حلق مع الأرواح فلم يؤخذ للكهف.
سلمان سقط في هوة، بئر منفتحة على جذور الأنهار.
بلدة معتوهين وضائعين تتردد فيها أصداءٌ مخيفة.
الملكة أنتشت وتلاعبت بالعقود الماسية والأقمار الأرضية.
ظل غانم في الكهف يبحث عن أشباح أصحابه كلما عثر على واحد غنى له أغنيات الطفولة وأناشيد البحر.
تختلط أرواحُهم حتى تضيع. تنأى في الأزقة المعدمة وتذوب في مصائد السكاكين الحجرية، هذه أقدامهم ممزقة، هذه المدينة التي خرجت من سيوف المصائد ودم الحيتان، أكواخ تزدهر بالنار، وناقلات عظام للمناجم، سفن تغرق، فهد رضيع الحليب السحري ينتبه لأقدامه في الأكواخ وكيف مشت للمستنقعات والرياح وبنت بيوتاً، تتحدى الأعاصير، يجمع أثوابه وعقالاته وأحلامه ويقود باصاً في أمعاء مدينة تكبر كل يوم.
سلمان يحول التعاويذ والتمائم لمعادلات ضوئية في المكتب، ويأخذ جدته لمسرح الرقص.
سيدي غانم هذه الريح تغني، تعوي، والملكة الساحرة تسمع أصواتاً غريبة، تدهسها، ترى جسدَ فهد يضيءُ في قوقعتها المعتمة، وتضربه مراراً ولا يموت.
تحاصرها حشراتٌ كثيفة، يخرج أولادٌ صارخون من مطوع السحر الغنائي، تعرس فتياتٌ على فتيةِ الجن المتمردين. غانم يسحب أصحابه من الكهوف، ومن عدسات الملكة النارية، تحترق أجنحتُهم ويطيرون.
يتجمعون ثانية في أزقة الحلم والضوء، يرون شباك الملكة تخطفهم، يتجمعون في الذكريات والخلايا وأزقة الأحجار، ويمشون نحو القلاع النخرة.
يتسلقون الجدران، يحضنون الجبل ويمشون في أوردته، يكشفون الغلال، يسحبون الكنوز للأزقة، الملكة تتضخم مثل بركان وتمتد نيرانها لأجنحتهم.
يأسرون الملكة ويضعونها في هودج كبير بأنتظار الجمال في البرية البعيدة.
تتساقط الكواكب من سقوف الغلال.
تتحرر النسوة من الخزائن وآبار الأصداء والخرافة.
تتركب السفينة ثانية من عظامها ومن فتائل القطن والأغاني والأظافر.
تهتز السفينةُ من أنين وهذيان الملكة، تحيط بالسفينة قوارب، ثروات الجزر السوداء تتألق في خشب عظيم.
كل عيون البدو والصعاليك تنتشر على طول الشواطئ.
ترى السفينة الكبيرة وحولها سفن وتدرك أن كنوز الجزر تجمعت كلها في خشب.
خيمة كبيرة مفتوحة للهواء الشمالي ورائحة القهوة والبدوي الجالس على جلد الثعلب يفكر أمام ثلته المفكرة القانطة من قوة السفينة.
يقول فاتح الشهية:
ــ لان نستطيع أن نغزوها، أو نهاجمها، بل نقوم بضربها بالمدافع ونثر ثرواتها في الماء.
ــ ألن تضيع الثروة في البحر؟
ــ لن يذوب الذهب وتطفو الجثث بعيداً.
راحت المدافع تتدحرج على الكثبان، تضرب التلال وترتفع وتهبط بقوة، تبحث عن مواقع مسطحة.
كان غانم قبطان لمجموعة السفن، تغير لباس البحارة، حملوا البنادق، حدق بمنظاره في ثلل البدو السائرة الماكرة على الشواطئ، مجموعات من الذئاب وراء غنيمة، عباءاتها منتفخة بفعل الهواء والرمال، يرى إشارات أيديهم المستفزة، والمدافع تترنح على التراب.
لو يطلقوا قذائفهم لأصيبت سفينة وربما تكون الرئيسية التي فيها خزائن الجزر المتجهة لمدينة الهلال تغدو عاصمة كبرى.
بحارته مستعدون إطلاق القذائف على المجرمين. تدوي واحدةٌ ويطير رجل في الهواء ويتصدع مدفع، وينتاب البدو إعصار. الدهاء الساذج يترنح ويصير صرخات غاضبة، ثم تدوي طلقة أخرى وينكسر مدفع ويتوحد رجالان بالسحب منتفخين كبالونين كبيرين.
تتقدم السفن كاحتفال حاشد، الملكة الضخمة ترتج وتصيح وهي تدخل ميناء المدينة، والحشود تتجمع لترى الكائن الغريب والأشياء المبهرة.
مايو 2014
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

⍣ عامية بمعنى حبل المرساة.
11 – ضوء المعتزلة «قصص»، 2017.
❖ «القصص: ضوء المعتزلة – جزرُ الأقمار السوداء – سيرة شهاب – معصومة وجلنار– سارق الأطفال – شظايا – الترابيون».
