سيمياء العنونة في رواية «التماثيل» لـ عبـــــــدالله خلــــــــيفة

دراسة تطبيقية لرواية «التماثيل» إعداد اﻟطﺎﻟﺑﺔ ــ ﺳﻌﯾدة ﻗﺎﻗﻲ
كتب : ﺳﻌﯾدة ﻗﺎﻗﻲ
جامعة محمد خضر ـ بسكرة : الجزائر
رسالة ماجستير ـ 2016 _ اللغة العربية وآدابها
بنى العنوان في روايــــة «التماثیل»
1 – البنیة الأيقونة.
2 – البنیة الصوتیة.
3 – البنية الصرفية.
4 – البنیة التركیبیة.
5 – وظائف العنوان في الرواية.

دراسة تطبيقية لرواية «التماثيل» إعداد اﻟطﺎﻟﺑﺔ ــ ﺳﻌﯾدة ﻗﺎﻗﻲ
كتب : ﺳﻌﯾدة ﻗﺎﻗﻲ
جامعة محمد خضر ـ بسكرة : الجزائر

رسالة ماجستير ـ 2016 _ اللغة العربية وآدابها
بنى العنوان في روايــــة «التماثیل»
1 – البنیة الأيقونة.
2 – البنیة الصوتیة.
3 – البنية الصرفية.
4 – البنیة التركیبیة.
5 – وظائف العنوان في الرواية.
أولا: الأيقونة
ترتكز هذه البنية على إبراز دلائل تصميم الغلاف، وفي مفهومها العامي علامة تحيل إلى الشيء الذي تشير إليه بفضل صفات تمتلكها، خاصة بها وحدها، سواء كان هذا الشيء صفة أو كائنا فردا أو قانونا بمجرد أن تأخذ الأيقونة هذا الشيء. و تستخدم علامة له.
ويمكن اعتبار الأيقونة بمثابة عالمة محددة بموضوعها، استنادا إلى طبيعته الداخلية. وانطلاقا من هذه البنية التي تسلط الضوء على العتبات أو ما يسمى بالنصوص المصاحبة، والتي نميز بها فضاء الرواية كمفاتيح للولوج إلى رواية «التماثيل» نبدأها بصفحة الغلاف.
1 / الغلاف:
إن أول ما يجلب انتباهنا عند رؤية الرواية هو الغلاف، فهو العتبة الأولى من عتبات النص الهامة، إذ يمثل في الدراسات النصية المعاصرة حقلا سيميائيا، يعج بكل ما يحتويه من مفاتيح مكتوبة (اسم المؤلف، العنوان) ومرئية (صورة، ألوان) تسمى بالمناصات أو العناصر الموازية للنص، أي ما يحيط بالنص من سياج أولي وعتبات «بصرية و لغوية».
ومن هنا نجد غالف هذه الرواية «التماثيل» ملفت للانتباه ومثير للفضول، بحيث يجذب القارئ ويأسره فهو يتكون من وحدات نصية تجعل منه محطة للفت الأنظار، فالصورة الموجودة على صفحة الغلاف، تحمل دلالة معينة، وكذلك الألوان المختلفة التي تشكل لوحة فسيفسائية، فكل لون له دلالة معينة يحملها في ذاته وكذلك اسم المؤلف وكذا التجنيس الذي يجب أن يكون على صفحة الغلاف، أي جنس العمل الأدبي إن كان (رواية، قصة، مجموعة شعرية) بالإضافة إلى العنوان بحد ذاته كيف كتب، بخط غليظ، وبأي لون، فالعنوان هو تلخيص لموضوع الرواية ومنه فإن الغلاف في الرواية هو كطعم يستخدمه لجذب المتلقي أو القارئ، وبالتالي فإن جمالية رواية «التماثيل» تكمن في الوحدات التي تحتويها وهي الصورة، اللون، التجنيس، اسم المؤلف، العنوان، الذي يعد وحدة كبرى تستقل بذاتها، وسنقوم بدراسة كل وحدة على حدة :
أ / الصورة:
يعتبر ماتز Mathz cheitian الرسالة البصرية مثل الكلمات وكل الأشياء الأخرى، لا يمكن أن تنفلت من تورطها في لعبة المعنى. أي أن الألوان والصورة دلالة كبيرة لفهم المعنى العام للنص ويعرف أفلاطون الصورة بأنها «تلك الظلال، أضف إليها البريق الذي نراه في الماء أو على سطوح الأجسام التي تلمع وتضيء كل نموذج من هذا الجنس».
وتعتبر عالقة الصورة بالنص السردي عالقة وطيدة، فهي تمثل الوسيط بين النص والمتلقي، إذ يعمد المؤلف من خلالها إلى تمثيل موضوع الرواية، ليحملها رموزا ودلالات متنوعة، والصورة هنا في رواية «التماثيل» هي لوحة من لوحات الفنان، وبربط الصورة بالعنوان، وبتأويل بسيط، وهي تتموقع في وسط الرواية.
فالصورة في هذا الغلاف تمثل الصورة دلفينين مفتوحي الفم الأول كبير والثاني صغير وبجانب الدلفين الأول جريدة، وهما في هذا المشهد يمثلان الصديقان حسان يوسف وياسين الفينيقي فياسين الفينيقي قام بخيانة صديقه حسان يوسف مستخدما في ذلك الصحافة حيث قام بنشر مقال قائلا فيه بأن صديقه حسان يوسف قام بسرقة الآثار، (فحسان يوسف هو رجل فقير في حين نجد صديقه هو رجل ذا سلطة ونفوذ)، وفي الجهة اليسرى من الصورة تمثال ذهبي لياسين الفينيقي وهو رمز السلطة والتجبر والخيانة والشخصية الانتهازية المخادعة والماكرة فهو يصبو إلى الثروة، فهو لا حدود له ولا يراعي لا العرق ولا القيم ولا يعترف بالمحرمات أو الموانع الأخلاقية، إلى جانب ذلك تمثال لصديقه حسان يوسف وهو أصغر منه حجما و أقل قيمة، (هو فقير لا حول ولا قوة له وهو لا يملك أي سلطة وليس له نفوذ)، وفي أسفل الصورة كتابة صغيرة تشير إلى أن الزمن الفردوسي وهو زمن علي البحراني قد مضى وانتهى، وأنه لم يبق منه شيء في حين نجد على الجهة اليمنى من الصورة مسجدا كبيرا وضخما يشير إلى الحضارة الفينيقية واهتمامها ببناء المساجد والمحافظة على التراث وكل ما يمس القيم الإنسانية والتاريخية.
ب/ اللون:
لقد اتخذ اللون وظيفة تكنولوجية عندما حل محل اللغة، ومحل الكتابة، ولهذا وجب ربط اللون بنفسية المتحدث، وبنفسية المتلقي ثم بالوسط الاجتماعي، والبيئة المحيطة بالفنان، وتسهم دلالات اللون في نقل الدلالات الخفية والأبعاد المستترة في النفس باعتبار الصورة واللون لغة عالمية تفهمها كل الشعوب والألوان هي تفسير لحالة فيزيولوجية وسيكولوجية مرتبطة ارتباطا وثيقا بحالات النفس المتقلبة وأطوارها العميقة من حب وكراهية وارتياح وطمأنينة وغيرها.
ويعد اللون جزء من حياتنا فهو يلزمنا ولا نستطيع أن نغفل عن النظر بجماله والتمعن فيه، فهو أهم عناصر الجمال التي تهتم بها، فبعض الألوان تروق لبعضنا وأخرى يتجنبها بعضنا، وهذا ما يؤكد بأن الألوان ارتبطت بشكل أو بآخر بنفسية الإنسان، فنجد بعض الأشخاص يستغرقون وقتا طويلا لاختيار اللون المناسب لطلاء منازلهم أو غير ذلك فقد حل اللون محل اللغة لذا وجب ربطه بنفسية المتحدث ونفسية المتلقي، ولكل لون دلالة معينة ارتبطت به.
وأهم الألوان بروزا على صفحة غلاف رواية التماثيل هي الأبيض، الأسود، البرتقالي، الأخضر، الأزرق.
وسنقوم بدراسة كل لون ومعرفة دلالته.
أ / الأبيض:
هو رمز النقاء والطهارة والنظافة ورمز النور وهو لون الأمل والتفاؤل والحياة ومن هنا نلاحظ دلالة هذا اللون على الخير والتفاؤل، وقد يكون السبب وراء ذلك عالقة الأبيض بالنور والإشراق.
ومن هنا جاء توظيف الكاتب للون الأبيض في رواية التماثيل، مجسدا إياه في شخصية حسان يوسف، فرغم كل ما يعانيه من فقر وعذاب وظلم من طرف صديقه ياسين الفينيقي ودخوله السجن بسبب خيانته له، إلا أنه لم يفقد الأمل وظل متمسكا بهذه الحياة وآمال ومتفائلا بغد أفضل يكون أكثر إشراقا، فرغم الظروف الاجتماعية القاسية إلا أنه لم يفقد الأمل، وبقي متمسكا بقيمه الفاضلة.
كما أن اللون الأبيض هو لون أصحاب الفكر الواضح النقي.
ب/ الأسود:
يرتبط الأسود بمعاني عديدة يمكن تلخيصها بالموت والدمار من جهة والمهانة من جهة أخرى وهذه المعاني ما زالت شائعة إلى يومنا هذا.
فالأسود لون يشير إلى الحزن والتشاؤم والخوف من المجهول لارتباطه بأشياء منفردة في الطبيعة دون سائر الألوان، فهو مرتبط بالليل والظلام، وجلبه لمشاعر الخوف هو السبب المباشر للنفور منه، فالظلام يحد الرؤية ويحجب الحقيقة وبكون مجالا خصبا للأوهام ويرتبط أيضا بالغدر والخيانة.
وقد وظف الكاتب اللون الأسود ليدل من خلاله على الحزن الذي يعيشه اتجاه حياته الاجتماعية المؤلمة وظروفه القاسية، وكذلك ليعبر من خلاله على أسفه وحزنه اتجاه الانحلال الأخلاقي وغياب القيم والأخلاق الفاضلة واضمحلال الزمن الفردوسي زمن علي البحراني كما استعمل الكاتب اللون الأسود ليعبر على الخيانة التي قاساها من طرف صديقه ياسين الفينيقي بسبب الوصول إلى السلطة، كما وظفه الكاتب لبدل من خلاله على الشعور بعدم الرضا بالظروف القائمة وعدم قبول الأمر على ما هو عليه، كما يدل على مقاومة القدر الذي لا مفر منه، فالزمن الحاضر هو زمن مؤرق زمن الرهانات على الثروة والمتعة والسلطة، زمن تمثله الشخصية الانتهازية والخائنة ياسين الفينيقي فحسان يوسف يمثل نزوحا إلى الماضي في حين ياسين يقتحم الحاضر ويصبو إلى الثروة والوجاهة. فهو حزين ومفجوع بالواقع المتوتر وبالعالم الذي تتراخى وتنعدم فيه التقاليد والأعراق والسنن، وتنبثق عن هذا الانهيار ظواهر وسلوكيات اجتماعية وسياسية متردية تنعكس على عقله ووجدانه فلا يرى مناصا من رثاء زمنه الضائع والتشبث بأطيافه المتراجعة، كما استخدمه الكاتب لأنه مرتبط بالليل والظالم، الذي يأتي بالشر ويخفي الحقائق.
ج/ البرتقالي:
يرمز إلى الدفء والانجذاب والشوق، فقد وظف الكاتب اللون البرتقالي لتدل من خلاله على الانجذاب الدفيء والحنين إلى الزمن الماضي، الماضي العريق، ماضي الحضارات والقيم الفاضلة والآفلة، ماضي علي البحراني الذي جاء من الصحراء، وأسس مملكة العيون، فحفر الينابيع وزرع البساتين وكشف بحيرات اللآلئ في البحر فهو زمن استخراج الثروات وحمايتها من الإرهابيين الذين يحاولون سرقة الآثار والثروات فهو مشتاق إلى ذلك الزمن في ظل الأوضاع الاجتماعية والسياسية التي يعيشها، واهتمام الناس بالسلطة والنقود ودحر وترك كل ما هو عادات وتقاليد وتراث.
د/ الأخضر:
ويرمز إلى الهدوء والحياة والاستقرار والازدهار والتطور والنماء وله دلالة على الحياة والأمل والاستبشار وبخاصة إذا جاء بعد اللون الأحمر فيكون هو الغالب والمسيطر والمطلوب.
وقد وظف الكاتب اللون الأخضر ليدل من خلاله على حب الحياة والتشبث بها مهما كانت الظروف صعبة، فرغم كل ما يعانيه حسان يوسف من ظلم وقهر وخيانة من طرف صديقه ياسين الفينيقي، إلا أنه لم ييأس ولم يفقد الأمل في الحياة وكان دائما يسعى جاهدا لإثبات براءته، وأنه مخلص للوطن، كما يدل اللون الأخضر في الرواية على حب القيادة والسيطرة وهذا ما تجسده شخصية ياسين الفينيقي من خلال استعماله جميع الوسائل الأخلاقية وغير الأخلاقية من أجل الوصول إلى السلطة وتحقيق كل أهدافه.
هـ/ الأزرق:
ينقلنا اللون الأزرق القاتم إلى عالم الخمول والكسل والهدوء والراحة واللون الأزرق الخفيف يوحي بالقلق النفسي والاضطراب والحيرة التي تتناسب مع نفسية الكاتب.
وعند العرب لم يتحدد مدلول الأزرق بل تداخل مع ألوان أخرى كالأبيض والأخضر ومن مدلولات الأزرق كذلك الصفاء والشفافية وغالبا ما تعاملت هذه الشفافية مع مفردات الواقع السياسي وغالبا ما يتصل بعالم السماء وعالم الأرض، من ماء ومحيطات وبحار وغيرها وهو أيضا يحمل دلالة الحزن والكآبة والضياع التي تتلائم ونفسية، وقد وظف الكاتب اللون الأزرق ليدل من خلاله على الحيرة والاضطراب والقلق النفسي الذي يعاني منه حسان يوسف فهو قلق تجاه الأوضاع السياسية والاجتماعية، وغياب الضمير الأخلاقي وتعفن المجتمع في الماديات وتجاهله للمعنويات، أي أن المادة هي المسيطرة، كما أنه يشعر بالحيرة اتجاه المجتمع واهتمامه ببناء العمارات الفخمة والمحلات الضخمة وتجاهله لعاداته وقيمه الإنسانية، كما يترجم اللون الأزرق في الرواية شخصية حسان يوسف على أنها شخصية هادئة متحفظة ذات قيم وطموح تنسجم مع كل مكان وتترجم الحياة ترجمة مثالية راقية.
ج/ التجنيس:
«التجنيس أن تلقي أي جنس أدبي روائي كان أو غير روائي يتألف من اتفاق معقود بين المؤلف والقارئ الذي يرتبط بنوعية هذا الجنس على وجه التحديد، فالمؤشر الجنسي على ذلك نظام ملحق بالعنوان».
والتجنس يأتي ليخبر عن الجنس الذي ينتمي إليه هذا العمل الأدبي أو ذاك، فهو يعبر عن مقصدية كل من الكاتب والناشر، فالوظيفة الأساسية له وظيفة إخبار القارئ وإعلامه بجنس العمل/ الكتاب الذي سيقرؤه.
وقد جاء التجنيس في رواية «التماثيل» وسط الغلاف للفت الانتباه إلى أن العمل يعبر عن الذاتية ولتدل على جنسها «رواية» حيث كتبت بخط رقيق باللون الأسود الذي يعبر عن الكآبة والحزن تجاه الواقع المرير والحرمان من حياة الثراء والترف، والخوف من الوحدة والتوتر الذي يقاسيه في الزنازين والعذاب الذي يتعرض له يوميا واضطراب حالته النفسية.
د/ اسم المؤلف:
يعد اسم الكاتب من بين العناصر المناصية المهمة، فلا يمكننا تجاهله أو مجاوزته، لأنه العلامة الفارقة بين كاتب وآخر، فيه تثبت هوية الكتاب لصاحبه ويحقق ملكيته الأدبية والفكرية على عمله وغالبا ما يتموضع اسم الكاتب في صفحة الغلاف، وصفحة العنوان.
وقد جاء اسم المؤلف في الرواية في الأسفل تحت التجنيس، وقد كتب اسم المؤلف باللون الأسود وبخط غليظ ليدل على القوة والجرأة، وسيطرة اللون الأسود يدل على عمق الألم والحزن تجاه الحياة الاجتماعية والسياسية التي يشهدها المجتمع وتفشي الأخلاق الرذيلة وكذلك يدل اللون الأسود على الظلم الذي يعانيه في حياته.
ثانيا – العنوان
يعد العنوان من أهم عناصر المناص (النص الموازي).
والعنوان «التماثيل» جاء أعلى الصورة والتجنيس، فقد شغل مكانا على واجهة الغلاف، وطغى عليه اللون الأحمر، وقد تكرر العنوان في الصفحة التي تلت الغلاف، ولكن كتب باللون الأسود ليدل على الحزن والألم الذي يعيشه الكاتب اتجاه الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تعيشها البلاد، وقد كتب العنوان بخط غليظ ليلفت انتباه القارئ ويجذبه، وكتب العنوان باللون الأحمر الذي يدل على الاندفاع والثورة تجاه الأوضاع التي يعيشها واندثار القيم الأخلاقية واهتمام المجتمع بالسلطة والمال والنقود دون مراعاة القيم الأخلاقية، فجاء العنوان جملة اسمية ليدل على الصمود والثبات تجاه معاناته، فالعنوان شكل مدخلا ضروريا للنص واختصارا لما جاء في الرواية، فحسان يوسف هو الشخصية المركزية وهو محور الأحداث والحركة منها تبتدأ الرواية إليها تنتهي، فعلاقة حسان يوسف بياسين في البداية كانت علاقة صداقة حميمية، إلا أن الأمر لم يبقى على حالة فتحولت تلك الصداقة إلى عداوة بسبب خيانة ياسين ورغبته في الحصول على السلطة والمال والنفوذ،
فحسان كان يعمل موظف في أرشيف الحكومة فوقع بين يديه ملف كبير وهو من عصور سالفة، تتحدث عن حكاية «علي البحراني» وكيف جاء إلى الصحراء وأسس مملكة العيون وكيف تآمر عليه أتباعه الذين أعطاهم البساتين فقتلوه فهو مؤسس هذه الأرض الخضراء المعطاء فدال على إلى العزة والكرامة والشموخ في التاريخ الإسلامي، يرمز إلى الحضارة والأصالة وكل القيم الإنسانية، واستدعاء شخصية تاريخية إلى الواقع المعاصر ذات ثقل تاريخي إسلامي هو أشبه ما يكون بالكرامة أو المعجزة، والغاية من ذلك هو اتخاذ التاريخ ستار تنعكس فيه أحداث الأمة وواقعها المرير ومخاطبة الحاضر المتردي من خلال الماضي المشرق، وبعث علي واستحضاره لم يقف عند التعامل معه على أنه شخصية تاريخية، فعلي البحراني هو الشخص الأثيري الخرافي هو الذي يحتل فضاء الرواية ويستولي على عقل حسان وذاكرته، الجد الأسطوري الأولي المحضر على شاكلة أرباب الحضارات القديمة، أما الزمن الحاضر فهو زمن الانحلال الأخلاقي والسعي إلى السلطة فتمثله الشخصية الانتهازية والخداعة ياسين الفينيقي، فنرى في الرواية نجاحات ياسين على حساب إخفاقات حسان فياسين يستخدم كل الوسائل الأخلاقية وغير الأخلاقية للأغتناء وتأكيد وجودها من خلال ظلم المحيطين به، فالرواية تحيلنا إلى النظر إلى الواقع وأنه لا شيء ثابت على حاله مطلقا.
فالهدف منها هو إثارة قضايا اجتماعية وفكرية ينطلق منها لكشف مرتكزات وأشكال الاستغلال الاقتصادي والزيف السياسي ومراد التلوث الأخلاقي والسلطوي والإضاءة على عالم المفارقات والتحولات كما مثل المكان في الرواية حضورا روائيا بارزا فالمكتب في المحكمة التي يعمل فيها يمثل (تابوت حجري) حيث يقول:
«وعجبت كيف سأقضي أيامي في هذا التابوت الحجري الورقي، أطالع الملفات العتيقة، وهي متخثرة في زمنها تتعفن يوما بعد يوم، وليس لي سوى أن أنتظر ورقة تأتي في كل شهر لتوضع في إحدى هذه الملفات وتتكفن مع رفيقاتها، وتفقد همسها ورائحتها وروحها».
والمكان الثاني هو المصرف وهو يمثل بالنسبة إليه (زنزانة أو قفص وكل ما يراه جدران تتكاثر حوله) حيث يقول:
«قالت لي نرجس بأنني سوف أعمل محاسبا لكنني وجدت نفسي عداد نقود قابعا في إحدى زنازين واجهة المصرف محاطا بحشد من المنتظرين الذي يصطف كطابور طويل يبدأ من الحديد».
وجميعها لها دلالات بينة على شعور متفاقم بالاستلاب والقهر والعجز وكان عندما يخرج من السجن بين فترة وأخرى وتصدمه هذه التحولات في البناء والنفوس والعقول إذ يقول: «هياكل البيوت القديمة تتحول في غمضة عين إلى متاجر أنيقة أسير غريبا أحاول أن أجد وجها قديما فلا يظهر».
فعنوان الرواية «التماثيل» هي أول كلمة تطالعنا، إذ تعد الكلمة المركزية والمفتاح للولوج إلى النص فكان لها حضورا مكثفا في الرواية كما نجد ذلك في الصفحة 85, 59, 78.
والمقصود بالتماثيل: هو اسم الشيء المصنوع مشبها بخلق الله، ويكون هذا التمثال في صورة إنسان أو حيوان، كما يطلق التمثال على الصورة الموجودة في الثوب، سواء كانت هذه الصورة لأشخاص أو حيوانات ويقال في ثوبه تماثيل أو صور فالتمثال هو كل ما صور على مثل صورة من حيوان أو غير حيوان، فقد أصبحت صناعة التماثيل ووضعها على الثياب ظاهرة معروفة ومنتشرة في عصرنا الحالي وفي جميع بلدان العالم إذ نرى الكثير من الأشخاص يرتدون ملابس فيها صور لشخصيات معروفة أو صور لحيوانات.
والعنوان يختصر الهدف الأساسي الذي تتضمنه الرواية ألا وهو الكشف عن الخزي والذل والعار الذي يعيشه المجتمع الإسلامي وتفشي السلوكات السلبية في المجتمع وسيطرة رجال النفوذ والسلطة على الضعفاء وظلمهم بغية تحقيق مصالحهم وأهدافهم فالكاتب أراد من خلال العنوان أن يصور لنا الصراع بين الخير والشر والفرق الشاسع بين الزمن الماضي والزمن الحاضر زمن الانحلال الأخلاقي والجري وراء السلطة باستخدام جميع الوسائل ومنه فالعنوان كان بدلالاته الموحية متشظيا في ثنايا الرواية.
1- البنية الصوتية:
إذا كانت اللّغة كلها أصوات، والصوت هو وحدة صوتية مغري يمكن تجزيئ سلسلة ّالتعبير إليها مثل: الضاد والراء والباء في ضَرَبَ التي تمثل الأصوات الرئيسية. ومنه سنحاول إسقاط الدراسة الصوتية على العنوان، وسنبدأ انطلاقا من تقسيم الأصوات حسب صفاتها مع التركيز على الأصوات الأكثر وضوحا في تأدية المعنى.
أ- الأصوات الاحتكاكية:
تخرج هذه الأصوات عند خروج الصوت مستمرا في صورة تشرب للهواء محتكا بالمخرج. وهي على نوعين: مهموسة وهي (س، ش، ق، ت، ح، خ، هـ)، والمجهورة وهي (ذ، ط، أ، ع، غ، ل، ن، م، و، ي). ومن الأصوات الاحتكاكية التي وردت في العنوان نجد صوت (التاء، والالم، والميم، والباء، والثاء) بالإضافة إلى صوت (السين) الذي ورد بكثرة في متن الرواية.
وأول ما يلفت انتباهنا في هذه الرواية، هو طغيان صوت (التاء، والسين) فهما من الأصوات الاحتكاكية المهموسة، فصوت التاء الذي يتجلى في العنوان في حد ذاته «التماثيل» كما نجده في متن الرواية إذ يقول: «حتى امتدت يدي ذات يوم إلى ملف كبير ورحت أقرأ فيه، كُنْتُ ألتفت بين لحظة وأخرى إلى الباب لكن الباب يظل ساعات متشبثا بالجدار، فكأنني كنت أمسح الغبار، أروح أقرأ».
– ويقول أيضا: «قلت لك أن تكون من جماعتي، فرفضت وَوَشَيْتَ، وأنا تعلمتُ، وغَدَوْت في كل جهة، أيُّ ريح أرها أطير معها استثمرها، أما أنت فجامد كالصخرة حتى اقتلعوك من مكانِكَ، وصرت حفرة».
– ويقول: «مصائد تختفي، بيوت تتكدس في جهة، بساتين تتوارى من التصحر والتهم أسماء انمحت وتحجرت، وكان الشيخ علي البحراني وجماعته وأتباعه يملكون كل هذه الأرض ثم اختفوا جميعا».
فصوت التاء من الأصوات المهموسة وقد وظفها الكاتب ليبينَ من خلاله الصمود والتحدي اللذان امتاز بهما حسان يوسف، فرغم الظروف القاسية التي يعانيها من فقر وظلم إلاّ أنه لم يستسلم وبقي صامدا أمام كل هذه الظروف، محاولا تجاوزها، لذا يلجأ إلى الاعتراف بكل هذه المكبوتات لأنها الوسيلة الوحيدة، التي تجعله صامدا، كما وظف الكاتب صوت (التاء) ليدل على كثرة الهموم والمشاكل وكل الظروف المعرقلة وصموده على ما اعتاده من أوجاع، أما صوت (السين) الذي يدل على الهمس فالسر عادة ما يكون مكتوما ولا يباح به إلاّ همسا، وبخاصة إذا تعلق الأمر بخواص النفس التي إذا أفَضَى بها الإنسان تبعته على إثرها صعوبات فأسرار الكاتب التي يتحدث عنها كانت في معظمها مما لا يجوز البوح به ولا الحديث عنه.
وهي الدلالة التي أداها صوت (السين) في الرواية، والكاتب يعدل إلى الهمس دون البوح فالأسرار محلها القلب والكاتب من خلال توظيفه لصوت (السين) أراد إثبات مدى الوجع والألم النفسي الذي يعانيه، وشوقه وحنينه إلى الزمن الماضي، الزمن الفردوسي زمن علي البحراني الذي فيه جميع القيم الإنسانية والحضارية إذ يقول: «هذا يريد دفاتر، وتلك تريد فستانا، هذا لا يستطيع أن ينام، وتلك سقطت في دراستها، وفي الليل يأتي أسعد ليفرض سطوته».
– ويقول أيضا: «أتساءل في نفسي: كيف استطاع ذلك؟ من أين جاء بالنقود وهو خارج من السجن، ولم ينقضي على الإفراج سوى سنة؟ هل تساقطت عليه الاوارق مثل أوراق المسرحيات والقصائد؟».
فصوت السين في الرواية يدل على رغبة الكاتب في التنفيس عن نفسه وخلق واقع جديد غير الواقع الذي يعيشه فهو مختلف بكل الأحاسيس وذلك حتى يثبت ذاته، كما وظف الكاتب صوت السين ليدل من خلاله على ضعف حسان أمام صديق ياسين فقد قام بخيانته وذلك بسبب السلطة والنفوذ.
وبذلك نستطيع أن نقول أن دلالة صوت السين في الرواية مرتبطة بخاصية تتعلق بخواص النفس من مشاعر وأحاسيس وألم ووجع.
وكذلك نجد في العنوان توظيف الكاتب للأصوات، المجهورة وهي اللام والميم. فأما اللام فقد وصفه سيبويه «بأنها صوت منحرف ينطق على نحو بين الشديد والرخو، ويبدوا أن المقصود بكونه منحرفا أنه ينطق نطقا جانبيا بمعنى أن عقبة ما توجد في وسط مجرى الهواء فيخرج الصوت من أحد الجانبين ولذا يوصف جانبي» وهو مجهور ذلقي».
ويحضر صوت اللام في العنوان الرئيسي وفي متن الرواية إذ يقول: «لماذا لا تبحث لك عن عمل بدلا من العودة للوراء؟ ما أريك أن تشتغل هنا بأسلوبك حسب الرسالة التي نشرت كان مقبولا».
ويقول أيضا: «وحدثت ضجة في الاحتفال، ومضت كتلة نارية في الفضاء، وسقطت على المسرح وتعالت الصيحات وجاء ذعر النساء مميزا، وفزع رجال الحفرة، وحمل رجلان منهما الصندوق فيما اقتادني الثالث، ودخلنا السيارة وانطلقنا».
فالكاتب أراد من خلال توظيفه لصوت اللام في العنوان الرئيسي وفي متن الرواية أن يبين شوق حسان إلى الزمن الماضي زمن القيم الفاضلة والأخلاق النبيلة والرفيعة ويبين خيبة الأمل التي يشعر بها تجاه الزمن الحاضر زمن الانحلال الأخلاقي وانتشار السلوكات السيئة التي لا تمت بأي صلة للحضارة والدين الإسلامي، والسعي وراء السلطة والتخلي عن المسؤوليات الأخرى، فالحيرة تهز كيانه فيتلفظ لاماً ليدل من خلاله على العقبات التي لا تزال تملأ طريق العربي.
أما صوت الميم فهو موجود أيضا في العنوان الرئيسي وفي متن الرواية ، فالكاتب من خلال توظيفه للصوت يريد لنا أنه يبحث عن ذاته التي سرقت منه ويستعمل صوت الميم ليجمع أشلاء ذاته ويذكرها بمجد القدامى فحسان يتذكر الأمجاد التي صنعها علي البحراني وكيف يعمل من أجل أرضه ووطنه حيث يقول: «وراحت الكرات البيضاء تأكل الكرات الدموية الحمراء، وأنا أمسك بقبضة ياسين خوفا من الغرق، شعرت بأنهم وضعوا لي مواداً غريبة في أكلي».
ويقول أيضا: «حقل علي البحراني كان محروثا والشجر مقتلع، وثمة هوة عميقة تكاد تصل إلى النار، الزريبة مفتوحة وثمة ثلاث بقرات نافقات، لونها الأصفر الفاقع كان في الحلم».
كما وظف الكاتب أيضا:
الأصوات المكررة:
يقول ابن جني: «المكرر وهو (الراء)، وذلك أنك إذا وقفت عليه رأيت طرف اللسان يتعثر بما فيه من التكرير، ولذلك احتسب في الإمالة بحرفين ». فالراء من الأصوات المكررة وقد ورد بكثرة في متن الرواية وقد ارتبط ورود صوت الراء في هذه الرواية بمعنى التكرار والكثرة وهو يدل على تكرار وقوع حدث ما، فقد وظفه ليدل من خلاله على الحزن والألم الذي يعيشه، وأسفه على الواقع المتدني للمجتمع البحريني بصفة خاصة والعربي بصفة عامة، وتناسى القيم الفاضلة، والسعي وراء السلطة، وتحقيق الأهداف والمصالح ولو كان على حساب الآخرين والدوس على كل القيم الأخلاقية، فياسين يحقق مصالحه ونجاحه على حساب إخفاقات صديقه حسان، ومنه فقد جاء توظيف حرف الراء ليبين مدى عمق الألم وكثرة الأوجاع، فتكرار حرف الراء مرتبطة بكثرة الألم والوجع ودوام البحث عن التوازن الداخلي بمحاولته التخلص من الضغوط النفسية من اكتئاب وقلق إذ يقول: «صار شيئا مذهلا، عمارات كبيرة، وفنادق ومتاجر مثل الرمل وحشود غريبة من البشر، بالكاد أسمع كلمة عربي، أشعر بحزن هائل». فهنا يشعر بالحزن الشديد تجاه هذا الواقع المخزي.
ويقول أيضا: «الغرفة التي أعيش فيها شيء فضيع، مساحة محدودة وضجيج هائل يأتي من الخارج، وليس ثمة نقود، أحلم في ظلال مستمر، بتماثيل وبنادق ونيران تحرق كل شيء، لكن في النور ليس ثمة يد تمتد».
وفي الأخير نلاحظ أن لصوت الراء حضورا قويا في الرواية مما أضفى عليها شيئا من صفاتها كالكثرة والاستمرارية والدوام.
1- البنية الصرفية:
يعد الصرف من العلوم التي شغلت فكر علماء اللغة القدامى والمحدثين، بالبحث والتنقيب في أسراره وغاياته التعليمية التي توصل إليها الباحثون عنها استعملوا الأدوات اللغوية في الكشف عن خفايا النصوص الأدبية في الخطابات النقدية المعاصرة) ، وقبل الولوج إلى عملية تحليل البنى الصرفية بمدونة عبـــــــدالله خلــــــــيفة «التماثيل» لابد من التعريف اللغوي والاصطلاحي للصرف.

  • الصرف لغة: معناه التغيير ومنه «تصريف الرياح» أي تغييرها.
  • الصرف اصطلاحا: هو تغيير في بنية الكلمة لغرض معنوي أو لفظي.
    وقد حصر البحث في هذه الأبنية على قسم واحد فقط هو:
    – قسم الأسماء:
    ما يميز اللغة العربية أنها لغة اشتقاقية تختلف عن بعض اللغات الأخرى وتشمل المشتقات (اسم الفاعل، اسم المفعول، الصفة المشبهة، اسم الزمان، اسم المكان، اسم الآلية ،اسم التفضيل، صيغ المبالغة، المصدر الميمي، المصدر الصناعي).
    ومن هذا المنطلق سوف نركز على المشتق الأكثر ورودا في المدونة ألا وهو:
  • الصفة المشبهة: هي وصف دل على معنى وذات وهذا يشمل اسم الفاعل، واسم المفعول، وأفعال التفضيل، فالصفة المشبهة تخالف المشتقات في الباء والمعنى فهي أقوى من الوصف وتصاغ من فعل لازم وتكون للحال. إن لحضور الصفة المشبهة «التماثيل» في العنوان انعكاسا على حضوره المكثف داخل الرواية فأخذ حيزا كبيرا منها.
    إذ يقول في الرواية: «الأولاد نزلوا للأرض ونزلت معهم، هناك كان ثمة مدفن كبير أرينا تمثالاً ضخما لعبدالحسين وآخر لبتول ولكنها كانت حية وتسرح بالماعز وكانت أمي تساعدها وتثرثران طويلا».
    ويقول أيضا:
    «الفن حرام، هذه الصور الغريبة والتماثيل مفزعة وهي تأتيني من حيث لا أدري».
    ويقول أيضا:
    «كيف استطاعت عائلته في ذلك العتم الريفي أن تظم شابا مثل هذا؟، أهو سحر حراسة التماثيل المتوارث، أم بسبب هواجس الفقد والعزاء».
    فالكاتب أراد من خلال توظيفه للصفة المشبهة أن يدل على ضعف حسان ومعاناته من الظلم والوحدة والخيانة وأنه على الرغم من كل ما اعتراه من قسوة واستبداد، فهو يبقى صامدا ومتحديا ينتظر المساندة.
    2- البنية التركيبية:
    يجدر بنا قبل الحديث عن البنية التركيبية بداية أن نتطرق إلى تعريف علم النحو على أنه: «علم ينظر في أحوال الكلمات إعرابا وبناءًا وبه يعرف النظام اللغوي للجملة كيف تتعلق الكلمات فيها لتؤلف تركيبا يحمل الإفادة».
    وعليه فالبنية التركيبية أساسا هي الجملة التي تعد الوحدة اللغوية الرئيسية في عملية التواصل.
    إذ يرى إبراهيم أنيس أن : «الجملة في أقصر صورها هي أقل قدرا من الكلام يفيد السامع معنى مستقلا بنفسه سواء تركت هذا القدر من كلمة واحدة أو أكثر».
    ومنه نستنتج أن الجملة هي أصغر وحدة لغوية مفيدة، ولا يفهم منها قصد المتكلم إلا بحسن التأليف بين مفرداتها، فالبنية التركيبية هي المفتاح والأساس والعمدة التي تقوم عليها عملية التواصل، فعنوان الرواية هو جملة اسمية متكونة من مبتدأ محذوف زائد خبر.
    ويعرب العنوان «التماثيل»: خبر لمبتدأ محذوف تقديره هذه التماثيل، إذ ترى أن الروائي قد اشتغل في هذا العنوان على المبتدأ فَحذَفَ المبتدأ كان اختصارا في موضع يحمل فيه الحذف والاختصار ويبدو أن للروائي أسبابه الخاصة التي جعلته يعتمد على الخبر كعنوان، كما أن هذا العنوان بوروده معرفة، والمعرفة: «اسم يدل على شيء معين»، وهنا أدت دلالة معينة وهي الجرح الداخلي الذي يعانيه الكاتب اتجاه الأوضاع الاجتماعية المزرية والانحلال الأخلاقي الذي وصلت إليه المجتمعات العربية عامة إذ نرى تضاد مع الواقع والمجتمع المتسلط، ولعل سبب تَفَرُد الخبر تعبيرا عن الوحدة والألم والضياع والوجع وتأزم الأوضاع الاجتماعية والسياسية.
    ثالثا: وظائف العنوان
    1/ الوظيفة الإغرائية:
    تعد العناوين منطلقات حقيقة للقراءة بالنظر إلى نوع الحقيقة التي تؤديها داخل نسيج العمل التحليلي بالإضافة إلى وظيفة العنوان الرئيسية «إثارة فضول القارئ». وإثارة انتباهه واغرائه بعبارة محبوكة توحي بالتيسير لخلق نوع من الكلمات المثيرة للعنوان فتظهر بوضوح رغبة في التأثير في المتلقي، الذي يستقبل رسالة النص ومدى تجاوبه معها، وهذا ما تؤكده الدراسة في رواية «التماثيل» لعبـــــــدالله خلــــــــيفة، حيث غلبت هذه الوظيفة على مجمل الوظائف الأخرى، وتكمن إغرائية عنوان الرواية في اختيار الروائي المحكم والدقيق للعنوان حيث يختار العنوان بدقة وحذر متناهيين فالعنوان هو بمثابة فاتح الشهية يستخدمه الكاتب بغية إغراء المتلقي أو القارئ، فيرغمه على دخول عالم نصوصها المؤسسة على «استراتيجية إغرائية قادرة على شد انتباه القارئ وحمله على المتابعة رغبة في التواصل والاستكشاف».
    فالوظيفة الإغرائية في الرواية تظهر من خلال السؤال الرئيسي الذي يعد بؤرة ومركزية هذه الوظيفة.
    – ماذا يقصد الروائي بالتماثيل؟ وهل هي موجودة حقا أم هي من مخيلة الروائي؟
    وانطلاقا من هذه الأسئلة تتضح جليا إغرائية العنوان، فهذه الأسئلة تعد رموزا تبحث عن تفكيك وسط زخم رواية «التماثيل» والتي ترغم المتلقي على الدخول إلى عالم النص.
    2/ الوظيفة الإيحائية:
    ترتكز هذه الوظيفة على الإيحاء غير المباشر لنص العنوان، حيث يصبح العنوان أكثر ترميزا وإيحاء ليشكل خطابا مفتوحا مشرعا على تأويلات مختلفة، فهي لا تعين العنوان ولا تصفه كل الوصف ولكن ألفاظها تجعل المتلقي يستكشف نوع النص والموضوع المنطوي تحته «ليعمل أفق المتلقي على استحضار الغائب أو المسكوت عنه أو الثانوي تحت العنوان». فنجد للتماثيل إيحاءات عديدة فكل يؤولها حسب تفكيره ورؤيته، فهناك من يفكر على أنها صور لأشخاص أو حيوانات مجسدة في شكل أصنام، وهناك من يرى أن، المقصود بالتماثيل هي الأصنام، التي كانت تعبد وهناك من يرى أن المقصود بالتماثيل هي تلك الثروات والخيرات التي تركها الأجداد، ومنه فإن للعنوان دلالات وإيحاءات مختلفة وذلك حسب رؤية وفهم وقراءة وتحليل كل شخص، فكلما تعددت القراءات اختلفت التأويلات.
    3/ الوظيفة الوصفية:
    قد تختلف هذه الوظيفة عن الوظيفة الإيحائية من حيث اعتبارها وسما مباشرا لمحتوى النص أو لجزء منه، لذا يرى بعض النقاد كـ”جيرار جنيت” يؤكد على أن العنوان «قد يؤدي الوظيفتين معا».
    إن هذا التقارب أو التداخل بين الوظيفتين يجعل التمييز في عناوين عبـــــــدالله خلــــــــيفة أمرا يتطلب كثيرا من الدقة والحذر، إذ لا يمكن للقارئ الفصل بينهما إلاّ باتكائه على النص الذي هو المورد والحكم بين هذه العناوين فمثلا نجده في متن الرواية: «إنه كان طفلا نزقا كثير الحب للأكل وسرقة البيض والكعك من الدكاكين، لكن كان يظهر بغتة هادئا صامتا، وينزوي عند الشاطئ، ويتوارى في غرفته ويدمن القراءة فهذه كلها كانت علامات لدينا على الخبل». فهو هنا يصف ياسين وكيف كان مشاغبا يحب سرقة الأشياء كما نجده يقول:
    «وانْتَبَهْتٌ إلى بدرية المرأة الجميلة الوجه الممتلئة الجسم لحد البدانة، فانشغلت عن الزميل الغائب»، فنجده هنا يصف بدرية وجمالها الفاتن الذي لم يستطع مقاومته، فهذه كلها أوصاف، مرة يصف ياسين، ومرة يصف بدرية.
    4/ الوظيفة التعيينية:
    تعد كل العناوين تحديدا لمضامين الرواية بدقة متناهية «وبأقل ما يمكن من احتمالات الّبس»”، فالمتلقي لا يمكن أن يتخيل انطلاقا من مضامين الرواية مخالفة لما جاءت به قريحة الروائي وهذا ما يجعل «العلاقة بين المتلقي هي علاقة تبليغية لرسالة لا تفهم إلاّ من قبل التذوق الذي من نفس مستوى الروائي». وهذا ما يتضح جليا في عنوان الرواية حيث نجد أن العنوان «التماثيل» موضوعها يدور حول قضايا اجتماعية وفكرية ينطلق منها لكشف أشكال الاستغلال الاقتصادي والزيف السياسي والتلوث الأخلاقي فالجميع أصبح يسعى إلى السلطة والنفوذ والوصول إليها بأية طريقة كانت حتى ولو كانت على حساب خسران وفقدان الأصدقاء مثلما حدث مع حسان وياسين فتخلى ياسين وخان صديقه حسان بسبب الرغبة في السلطة والنفوذ.
    ونستنتج من خلال هذا الترتيب لوظائف العنوان في رواية «التماثيل» لعبـــــــدالله خلــــــــيفة سيطرة الوظيفة الإغرائية ومزجها بمختلف الوظائف الأخرى، وهذا التوظيف لم يكن استخدامه اعتباطيا، بل فعل ذلك لإبراز مدى جمالية العنوان، فالاغراء سمة من سمات العنوان، فهو ينبغي أن يكون مغريا حتى يؤدي وظيفته الأساسية المتمثلة في استكشاف النص و أيقاظ حب الاطلاع ويؤجج رغبة الكاشف.
    خاتمة:
    وفق النتائج المقدمة سابقا لهذه الدراسة، ومـن خـلال تسـلیط الضـوء علـى روایـة «التماثيل» لـ عبـــــــدالله خلــــــــيفة ودراستها دراسة سیمیائیة نخلص إلى النتائج التالية:
    أن العنوان استطاع أن يثبت أنه علامة سیمیائیة وبالتالي كان المنهج المناسب لقراءة العلامة هو المنهج السیمیائي.
    يعد علم العنونة علما دقيقا له مناهجه وضوابطه وآلیاته.
    استطاع العنوان كمصطلح اكتساب معاني جدیدة استقاها مـن تعامله مع مختلف التخصصات.
    تأتي أهمية العنوان من خلال دوره الفعال لعملية إنتاج القارئ لمعاني العمل الأدبي ودلالته، ويقوم بوظائف متعددة ومتنوعة.
    بالإضافة إلى النتائج التي استخلصناها من تطبیقنا على الرواية وهي:
    _ البنیة الأیقونیة: اتضح لنا أن كل من النصوص المصاحبة جمیعها أيقونات علاماتیة توحي بكثير من الدلالات وتعمل لتشكيل لوحة جمالیة ذات دلالات إیحائیة.
    البنیة الصوتیة: لاحظنا سیطرة الأصوات التي توحي بالقوة لتلقي بظلالها على معنى النص.
    _ البنية الصرفية: لاحظنا سيطرة الصیاغة الاسمية في الروایة.
    _ البنیة التركیبـة: جـاءت معرفـة لأن العنـوان «التماثيل» جـاء معرفـة للدلالة علـى القوة.
    _ تغلب الوظیفة الإغرائیة لأنها أكثر الوظائف نجاعة في استقطاب جمهور “القراء ” تليها الوظائف الإیحائیة فالوصفیة فالتعیینیة.
    وبهذه النتائج والملاحظـات نرجـو فـي النهایـة أن نكـون قـد قـدمنا ولـو قـدرا یسـیرا ما یساعد على إثراء البحث، إذ هذه الدراسة ما هي إلا قطرة من بحر، نظرا لاتساع الموضوع وتشعبه ، ولا نستطيع أن نستوفیه ونعطیه حقه بدارستنا هذه.
الـسفـــــرـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ: لـ عبـــــــدالله خلــــــــيفةالـسفـــــرـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ: لـ عبـــــــدالله خلــــــــيفةأكتوبر 20, 2025عبـــــــدالله خلــــــــيفة كاتب وروائي
قصـــــــصٌ قصـــــــــيرةٌ لـ عبـــــــدالله خلـــــــيفةقصـــــــصٌ قصـــــــــيرةٌ لـ عبـــــــدالله خلـــــــيفةنوفمبر 15, 2025عبـــــــدالله خلــــــــيفة كاتب وروائي
كريستين هانا (Kristin Hannah)، الروائية الامريكية المعروفة، تكتب عن عبدالله خليفةكريستين هانا (Kristin Hannah)، الروائية الامريكية المعروفة، تكتب عن عبدالله خليفةأكتوبر 20, 2025عبـــــــدالله خلــــــــيفة كاتب وروائي

أفاتار غير معروف

الكاتب: عبـــــــدالله خلــــــــيفة كاتب وروائي

𝓐𝖇𝖉𝖚𝖑𝖑𝖆 𝓚𝖍𝖆𝖑𝖎𝖋𝖆 𝓦𝖗𝖎𝖙𝖊𝖗 𝒶𝓃𝒹 𝓝𝖔𝖛𝖊𝖑𝖎𝖘𝖙 21.10.2014 | 1.3.1948